تحليل ذهنية المُغتصِب والمُتحرِّش

سنة 2012 في الهند حصلت حادثة إغتصاب لمعالجه نفسيه وهي راجعه من السينما مع صديق ليها. بسبب بشاعة الحادثه قررت طالبة ماجيستير متخصصه في السايكولوجي إسمها Madhumita Pandey إنها تعمل مقابلات مع المسجونين بتهم الإغتصاب عشان تقدر توصل لدوافِع الأشخاص دي وسمات شخصياتهم وتاريخهم عشان تحلل وتحدد ده بيحصل ليه. في مارس 2013 قدرت تاخد إذن بالدخول للسجون عشان تعمل ال interviews وقابلت بالفعل 122 مسجون بتهم إغتصاب. اللي إستخلصته من المقابلات دي كان حاجتين مُشتركين بين كل المُغتصبين: (1) إجماع تام بينهم على دونية المرأه، (2) إنعدام الشعور بالندم بعد الإغتصاب (بإستثناء المسجون رقم 49 اللي قال إنه ندم – بس مش أوي).

ليه الكلام ده مُهم؟

الكلام ده مُهم عشان نفهم إن دوافِع الإغتصاب مش بتبدأ من وجود موقف بيسمح للضحيه بالتواجد مع المُجرم في نفس الإطار الجغرافي. الجريمه بتبدأ من لما بيتم تدعيم التصورات الذكوريه ودعم دونية المرأه. بمجرد ما المُجتمع بيدعم التصوُّر ده بيقل شعور الفئه المدعومه مُجتمعياً بالندم تجاه مُعاناة الفئه الأدنى إجتماعياً. ده يفسرلك ليه 121 واحد من 122 محسوش بندم تجاه جريمه بشعه إرتكبوها تجاه 122 ضحيه منهم أطفال.

الملحوظه التانيه المهمه وهي ظروف الدراسه، إحنا -مصر- مُشابهين في أوضاعنا جداً للهند. مستويات تعليم متدنيه، تديُّن غير عقلاني كتير، طبقات مطحونه إقتصادياً، وإنعدام للتوعيه. ف لما تقرا حاجه زي كده متقولش مش مهم أصله مش عندنا .. لأ ده في أكثر المُجتمعات تشابُهاً مع مُجتمعك.

نرجع تاني لمُشكلة الخطاب الدوني تجاه المرأه. اللغه مش مُجرَّد أداة وَصف، اللغه خلّاقه، يعني عندها القدره على إضفاء القيمه على الأشياء والأشخاص. ف لما بتوصف شئ بإنه ذو قيمه أو بلا قيمه، اللغه هنا بتضفي القيمه أو بتنزع القيمه عن الشئ أو الشخص والناس بتبتدي تتصرَّف من المُنطلق ده. وبالتالي لما يكون في خطاب جماهيري -مش شرط يكون حكومي لكن ممكن يكون من خلال سُلطة ما بيمارسها شخص على السوشال ميديا- بيوجِّه الناس عن عمد تجاه موقف بيحلل العُنف حتى ولو في أطُر مُعيَّنه وخاصَّه، ده في حد ذاته رُخصه لغير الأسوياء بممارسة العُنف في خارج الإطار ده لإن بمُجرَّد ما أصبح العُنف مشروع لأي سبب فقد الشخص اللي بيتمارس العُنف ضدُّه حقُّه في كونه مُساوي في الكرامه.

بمجرد ما حطيت طرف من الطرفين في مكانة المُسيطر والآخر في المكانة الأدنى وقولت للطرف الاول انت تقدر ومن حقك تضرب أو تهين الطرف التاني -بس بشروط- ف إنت فتحت باب لإستمرار كُل المُمارسات اللي بتأصَّل الدّونية والعُنف تجاه الفئه دي. والحُجَّه دي صحيحه تجاه المرأه وتجاه الأقليات وتجاه الأطفال وتجاه المُخالفين، و بشكل عام تجاه كل من هو مش “انت” ويحلّ العُنف تجاهه حتى ولو بشروط.

في كتاب Men on Rape للكاتب Tim Beneke في جُزء بيعرض وجهة نظر المُغتصب أو المُتحرِّش وأعتقد إنه relevant جداً لفهم الظاهره في مصر. ال quote اللي بتكلم عليها في ال comments وهنا هاتلاقي تعليقي عليها. الإقتباس ده بيقول إن الشخص ده بيشوف بنت جميله وهو بيحس برغبه في الإقتراب من الجمال ده، وبيحملها هي مسئولية إنها أظهرت جمالها لإنها مدركه إنها جميله فعلاً، ولإنه مدرك إنه لو حاول يقرب منها هي هاترفض ف هو بيحس بإنها بتخدعه .. من ناحيه بتظهر جمالها عن إدراك ومن ناحيه بترفض إن الشخص ده يقرب منها. هو بيصنّف التصرّف ده كخدعه وبالتّالي بيشوف إن البنت بتمارس عليه قوّه وبتهينه، وبالتالي هو بيحاول يمارس عليها قوّه بطريقته ف بيهاجمها.

الوصف ده لعقلية المُتحرِّش هو الوصف اللي المجتمع عندنا بيتبناه بإعتباره التصوُّر الأخلاقي، ومن هنا بتظهر تعبيرات زي الحلوى المكشوفه والعربيه اللي مش متغطيه -زي ما قالت حنان ترك. الحاجه اللي بيتجاهلها اللي بينادي بالتصوُّر ده هي إن مُشكلة المُتحرِّش مش الآخر بيعمل إيه لكن ال femininity. في الإقتباس اللي بتكلم عليه في عباره بتقول “I feel they have power over me just by their presence”! المتحرِّش بيحس إنّه الطرف الأضعف اللي وجوده متهدِّد لمجرد إن في شخص تُدرك إنها جميله. وجودها في حد ذاته خطر عليه ومصدر قلق مُستمر بالنسباله.

نفس العقليَّه دي هاتحس بالتّهديد لو كانت في وجود شخص ذو وجاهه إجتماعيه أو سمعه حسنه أو أخلاق مشهود بيها أو تجاره ناجحه. الشخص ده مُشكلته جواه وهايحس إنه بيُهان كل ما يُدرك إنه ميقدرش ياخد من اللي حواليهم اللي عندهم أو على الأقل يشاركهم فيه.

مُشكلة التحرُّش لا تختلف عن مُشكلة السرقه أو تشويه السُمعه. في كل الأحوال دي المُذنب الوحيد هو الشخص اللي وجود الآخر حواليه دايماً مخليه حاسس إنه قليل وناقص ومرفوض. المُتحرّش عايز يمارس قوّه لإنه مُدرك نفسه كشخص ضعيف. مهما حاولت تخبي عن المُتحرِّش الحاجه اللي بتحسسه بضعفه مُشكلته مش هاتتحل. الحل هو إنه يُدرك إن مالوش عُذر، وإن مفيش حد هايبررله، وإن مفيش حد هايلوم الضحايا.

البعض بيكرر فكره محتواها إن المُتحرِّش ده مريض والحل معاه إننا “نعزل” اللي بيضرُّهم عنه.

الحُجَّه هنا هي كالتّالي: الشخص ده عنده “مرض” (لاحظ إن تعبير المرض بيرفع عنه المسئوليه) والمريض ده لازم نراعي مشاكله ونبعد عنده اللي بيستثيرو المرض فيه. وبالتالي الحُجَّه دي ولو كان في ظاهرها بعض المنطق إلّا إن دواخلها ومبدأها الأساسي خاطئ بالضروره. المُتحرِّش والمُغتصب مُجرِم يرتكب جُرم عن وعي وعن إدراك ومع سبق الإصرار والترصُّد. المُغتصب والمُتحرِّش مش شخص فاقد الأهليه أو غير مسئول عن أفعاله. وحتى لو كان في عيّنه من المُتّهمين تُعاني من مرض عقلي فعلاً ف هي الأولى بالحجز. أي مُحاوله لتوجيه اللوم للضحيه ولو من خلال تحييد دوافِع الجريمه بإعتبارها مرض (ظاهره طبيعيه) مش جُرم (ناتج عن وعي وحُريَّه) هي تبرير فاسد وخاطئ وغير مقبول.

(2) هل الكلام اللي قالته Madhumita Pandey كلام أكاديمياً سليم ولا فيه شئ مُقتطع عن سياق الوسط العلمي؟ مبدئياً Pandey في الوقت ده كان بتحضَّر ماجيستير في جامعه في Wales وبعد كده كملت الدكتوراه بتاعتها وهي حالياً هي مُحاضر في جامعة Sheffield في بريطانياً. ف إحنا بنتكلم عن مُتخصصه في ال Criminology مش مُجرَّد واحده بتعمل تحقيق صحفي.

تأكيداً على أهم نُقطه في كلام Pandey وهي إن المُجرمين كانو فاقدين الشعور بالندم وإن ده ناتج عن نظره دونيه للمرأه ورغبه أساسيه لمُمارسة العُنف عليها ف أدي دراسه تانيه ل Diana Scully في كتابها بعنوان Understanding Sexual Violence اللي صدر سنة 1990. Scully عملت مُقابلات مع 114 مسجون بتهم إغتصاب في أميريكا (بلد تانيه أهو عشان منقولش العيب في العيّنه اللي إشتغلت عليها Pandey). واحد من اللي قابلهم Scully قال بالحرف
I felt nothing. I got a piece of ***, no remorse
وواحد تاني قال
I felt like I got what I wanted and had to get on with my business. She was of no more concern. I went to pick up my girlfriend
بحسب دراسة Scully نسبة اللي حسو بالندم 27% بس من ال 114. يعني لما البوست ركز أوي على كلام Pandey وقال إن الكلام اللي بيساهم في تحويل العُنف اللفظي والبدني لشئ مقبول -حتى ولو كان في سياق مُحدد وإطار مُعيَّن- هو في حد ذاته خطوه تجاه دونية الآخر وبالتالي خطوه تجاه تقليل الشعور بالذنب وبناءاً عليه تنفيذ الجُرم كان الكلام مبني على وقائع.

(3) ليه مصر من أقل الدول في مستويات الإغتصاب في الترتيب العالمي؟ الإجابه ببساطه عشان إحنا مبنطلعش إحصائيات. زي بالظبط لما قعدنا 3 شهور نقول معندناش كورونا. إحنا لسه معندناش شفافيه في الأرقام وبنختار الأرقام اللي تخلي شكلنا حلو ونديها للإعلام.

(4) طب إيه الحل؟ زي ما كتبت في بوست سابق، الحل هو أولاً وثانياً وثالثاً تطبيق القانون وعدم التهاون تماماً في حقّ الضحايا تحت مُسميات زي معلش أصله مريض أو هي اللي غلطانه أو معلش نستر عليه. أما فكرياً ف لازم يكون في تكاتف لمجهود 3 فئات أساسيه وهم (1) الفلاسفه (من الجنسين) اللي بيحاولو يصيغو الحُجَج المنطقيه لقضايا المرأه والأقليات، و (2) اللاهوتيّين (دارسي الدِّين من الجنسين) الي بيدرسو النصوص الدّينيه عشان يقدرو يوصلو لقراءات تُعلي قدر الإنسان اللي ربنا كرَّمُه، و (3) الصَّحفيين (من الجنسين) اللي بيستمرُّو في عرض القضيَّه بطريقه غير مُنفِّره ولا تستعدي المُجتمع اللي بطبعه دايماً بيقاوم التغيير، مش لإنه مُجتمع فاسد أو شرير ولكن لإن المُجتمعات بطبعها بتميل للإستقرار وال status quo أو بقاء الوَضع القائم.

#johns_literary_bites

Similar Posts