النسوية والمرأة المصرية

_____________
تاريخ الحركه النسويه في الغرب طويل، تقريباً الأفكار المطروحه على الساحه حالياً بدأ طرحها في أمريكا وأوروبا من حوالي قرنين، ومازالت في تطور لحد النهارده. عشان تقدر تفهم الحركه دي بعيداً عن التشويه الذكوري وجنون المُرتزقه اللي شايفينها سببوبه يطلعو من وراها followers و فلوس لازم تشوف تاريخ الحركه وسياقها الإجتماعي الغربي، وتشوف سياقها الشرق أوسطي الحالي عشان تفهم المسارات المُختلفه اللي بتمر بيها الأفكار.
_____________
خلينا نبتدي من عند كاتبه أمريكيه إسمها إليزابيث كيدي ستانتون. إليزابيث كتبت إعلان لحقوق المرأه إسمه Declaration of Sentiments، موازي في محتواه لإعلان الإستقلال الأمريكي Declaration of Independence عن بريطانيا. في إعلان إليزابيث كيدي ستانتون بتوصف وضع المرأه في منتصف القرن 19 في أمريكا، وبتقول إن المرأه كانت ممنوعه من الإنتخاب (المرأه والعبد) ومكانتش بتشارك في الحكومه والتشريع لأن كان بيُنظر ليها ككائن منزلي domestic، دورها في المُجتمع بيتم من خلال الاسره ولكنها متقدرش تتعامل مع المُجتمع بشكل مُباشر (الفكره دي إتشرحت أكتر في كتابات كاثرين بيتشر لأنجيلينا جريمكي – هاتلاقي كل النصوص المُشار إليها في أول كومنت). بتكمل ستانتون وبتقول إن الحقوق الكامله كانت للرجُل حتى لو غير مُتعلِّم وفاسد أخلاقياً، ولكن بتتمنع منها المرأه حتى لو كانت مُتعلِّمَه ومُستقيمه أخلاقياً، وهنا التمييز بييجي من إختلاف طبائعهم، المُجتمع ساعتها كان بيشوف الرجُل مُختلف طبيعياً وفي مكانه أعلى، ودي كانت الرؤيه الدينيه اللي الناس إتحركت منها في الوقت ده (هاتلاقي نفس الفكره في الخطاب بتاع كاثرين بيتشر اللي إتكلمت عنه).
_____________
في نفس الوقت كانت المرأه مُطالبه بدفع الضرايب ولكنها ممنوعه من المُشاركه في صياغة القوانين اللي بتتطبق عليها. وكمان كان القانون بيمنع محاسبتها لو إرتكبت جريمه وكانت متجوزه، القانون ساعتها كان بياحكم الزوج لأنه هو المسئول عنها وكأنها فاقده الأهليه عقلياً وأخلاقياً. كان ممكن ساعتها حد يرد ويقول ده تكريم ليها، لكن اللي فهمته المرأه المُتعلمه في وقت ستانتون كان إن المرأه ذات مسئوليه وإنها زي ما ليها حقوق لازم يكون عليها واجبات ومسئوليات وتتحاسب كإنسان كامل عاقل لما تغلط. الكلام عن إعفائها من المُسائله كان إهانه مش تكريم وتفضيل. بتكمل ستانتون وبتسرد الأوضاع السيئه اللي فيها المرأه وبتطالب بتغيير مُجتمعي يصلح كل القوانين دي ويبتدي يتضمَّن المرأه في صناعة القرار والقانون والحكومه.
_____________
الفتره دي كان بتتسمى الموجه الأولى للنسويه، وزي ما شوفنا كانت بتطالب بالحقوق القانونيه والمدنيه للمرأه. في نفس الوقت ده كان في نقاش بخصوص طبيعة المرأه في المُجتمع. وزي ما شوفنا كانت الحُجَّه الرئيسيه هي إختلاف طبيعة المرأه والرجُل، هي منزليَّه وهو مُجتمعي، هي تربِّي وتأثَّر من جوا البيت وهو يطلع يناقش المُجتمع في القضايا العامه ويتناظر ويتناقش في الرأي العام.
_____________
التمييز بين الجنسين بناءاً على الطبيعه كان فكره كلاسيكيه وقديمه للغايه. ممكن مثلاً ترجع للكتابات اليونانيه عشان تشوف الفكره بدأت إزاي. في الطب القديم كان يُنظَر لكل شئ على إنه مكون من نسب مُختلفه من العناصر الأربعه، المياه والهوا والتراب والنار. وبالتالي إختلاف الجنسين ناتج من إختلاف نسب العناصر دي في الجسم. الفرق بين الرجُل والمرأه إن الرجُل جسمه فيه نار أكتر ومياه أقل، وبالتالي طبيعته حاده وعصبي، والمرأه عاطفيه أكتر وأقل عنفاً (بص على كتاب هيلين كينج بعنوان Hippocrates’ woman صفحة 28). نفس الفكره دي كانت موجوده عن أرسطو، اللي كان بيعتبر المرأه نسخه فاسده من الرجُل، بتعبير هيلين كينج “mutilated version” (ص27 من نفس الكتاب). الفكره دي إستمرت وكملت عن المؤلفين والمُفكِّرين اللاحقين، بما في ذلك آباء الكنيسه. ف هاتلاقي نفس الفكره بالظبط ترتوليان ف القرن التاني والتالت الميلادي، مثلاً في كتابه “عظة عن النفس” الفصل 36 بيقول إن المرأه كانت بلا هيئه form لأنها كانت جُزء من آدم (تعليقاً على قصة الخلق في سفر التكوين إصحاح 2)، وبعد كده إتشكلت وبقت جنس منفصل، وبالتالي أسبقة آدم الزمنيه كانت مؤشِّر لتفوُّقه من حيث النوع والمكانه. الإختلاف الطبيعي ده موجود بردو في كتابات كليمندس السكندري من القرن التاني والتالت الميلادي، اللي بيقول إن خلق حواء كان من خلال إن الله إنتزع من آدم الرقه والنعومه ووضعها في المرأه، لأن المياه في الجسم هي اللي بتسبب ده (كتاب المُرَبِّي، الفصل 3، والفقره 3). وبالتالي كان مُستقر في الوجدان الديني عند الناس إن في تمييز طبيعي إلهي بين الجنسين.
_____________
فاكر كاثرين بيتشر اللي قولتلك إنها كانت كاتبه عن التمييز الطبيعي؟ كانت وقتها بترد على واحده إسمها أنجيلينا جريمكي كانت بتدعو المرأه للإنخراط في المجال العام والمُطالبه بتحرير العبيد في تلاتينات القرن ال 19. في واحد من الخطابات اللي ناقشت فيها بيتشر كان جريمكي بتحاول تقدم model تاني لشرح العلاقه بين الرجُل والمرأه. بدل التمييز الطبيعي قررت جريمكي تتحرك من النقطه المُشتركه وهي الطبيعه الأخلاقيه. الرجُل والمرأه عندهم طبيعه أخلاقيه عاقليه، هي اللي بتميزهم عن الحيوان، وبالتالي كل كائن ذو خلُق هو كائن ذو مسئوليه، وبالتالي إن كانت الطبيعة الأخلاقيه واحده بينهم ف الحقوق واحده بينهم والواجبات واحده بينهم. وإن الإرتداد للتمييز الطبيعي بناءاً على الجنس بيقرب البشر للحيوانات أكتر، لأن الحيوانات بتتمايز جنسياً فقط ومعندهاش طبيعه أخلاقيه، لكن البشر أسمى ولهم طبيعه أخلاقيه وهي دي المعيار اللي محتاجين نبني عليه المُجتمع. ومن هنا بتستنتج جريمكي إن الحر والعبد والرجُل والمرأه متساويين ومفيش أي مجال للتدنِّي تجاه التمييز العنصري بين الإعراق والطبيعي بين الرجُل والمرأه.
_____________
في نفس الوقت تقريباً كان في ديبلوماسي وفيلسوف فرنسي محافظ إسمه أليكسي دو توكفيل Alexis de Tocqueville كتب كذا مقال بيعلق فيه على وضع المرأه الأمريكيه. اللي قاله إن وضع المرأه مش منطقي، وإنها ممنوعه من التعليم والسياسه وإن مفيش أي منطق ممكن يبرر ده. ولكن ال twist إنه موقفش عند النقطه دي، لأ، قال إن الحل مش بالضروره يكون منطقي. ممكن يكون براجماتي بينظُر للمصلحه العامه. طب إزاي؟ هو قال إن المرأه “بطبيعتها” منزليه، وإن خروجها للمجال العام هايبقا ضغط عليها وتحميل ليها فوق طاقتها. وإن مصلحة المُجتمع تتلخص في إن ميكونش في صراع بين الرجُل والمرأه في المجال عام عشان يفضلو يحترمو ويحبو بعض. وبما إن سعادة العدد الأكبر هي المعيار الموضوعي الوحيد يبقا من مصلحة الكل إن المرأه تفضل في البيت، حتى لو ده كان هايزعل جُزء من المُجتمع، لكن سعادة الأغلبيه هي الأهم.
_____________
كل المُحاولات دي لتبرير وضع المرأه كانت مجرد تسكين أو تهدئه للمُطالبات بالتغيير للإبقاء على قوة الوضع القائم. المُشكله هنا كانت إن الآراء المُضاده مش آراء جايه من الرجال بس. لأ، ده من أشرس المُقاومات للحركه دي كانت بعض النساء. هاتقولي طيب إزاي؟ هانرجع هنا لموضوع الخطاب. الخطاب شئ مش محصور في الجنس اللي الخطاب في صالحه. يعني الخطاب الذكوري مش بالضروره يُنادي به الذكور، لأ هو ذكوري لأنه تراتُبي، يعني بيخلق تمييزات بناءاً عليها بتترقَّى مجموعه لمكانه أعلى من مجموعه تانيه بناءاً على تمييز طبيعي أو إجتماعي أو إقتصادي أو تمييز بناءاً على الإعتقاد. كلها أشكال متنوعه من اللي بيتسمِّى بال umbrella term عنصريه.
_____________
الموجه التانيه من النسويه كانت بتبني على مطالب الموجه الأولى ولكن في وقتها كان خلال إتحقق حق الإنتخاب للمرأه وكان الوضع إتحسن نسبياً، لكن كان لسه في تمييز مجتمعي ضد المرأه وحصر لأدورها في المجال المنزلي. في السبعينات ظهرت حركه إسمها Womyn’s Land وهي حركه نسويه إنفصاليه بتدعو لإصلاح وضع المرأه بشكل راديكالي من خلال الإنفصال التام عن الرجال. إنفصال إجتماعي وإقتصادي وسياسي. ف مفيش جواز من رجاله، مفيش حياه معاهم في نفس المُجتمع، مفيش شغل معاهم. الحركه حطت معايير معيَّنه للنسويَّه، وبدأت تلوِّش بعد كده في النسويات ال lite اللي كانو شايفين إصلاح وضع المرأه ضروره ولكن ده مش هايتم من خلال لا التسويف ولا الحلول الإنفصاليه بتاعت Womyn’s Land. طبعا اليوتوبيا دي إتحولت لفاشيه قمعيه -بحسب تعبير Veronica Koller- بتمارسها النسويات الإنفصاليات على النسويات التانيين. اليوتوبيا دي إنتهت بفشل على كل المستويات بعد ما واجهت مُشكلات كبرى زي نقص الخبره في مجالات كتير ونفور الناس منها بسبب غرابة بعض مطالبها وإستحالة بعضها. ولكن تظل النسخه دي من النسويه أكثر ضرراً على النسويه من الذكوريه لإنها بتستخدم كرجُل قش هايطلع كل ما حد يطلب مطلب مشروع.
_____________
تلميع الآراء الغبيه لتفادي نقاش الآراء المنطقيه والمطالب المشروعه هو سياسه غايه في القدم والفاعليه. عايز تداري على شيء يحق للناس مطالبتك بيه، طلع حد منهم يقول كلام عبيط وإختزل كل مطالب المجموعه دي فيه. الأخطر على قضايا المرأه هو المرأه اللي بتنتج الذكوريه في كل دواير وجودها: الأم اللي بتحرَّض الراجل على مراته، الأم اللي بتأيد سيطرة الأخ على أخته، الحقوقيَّه اللي بتمارس تسليع المرأه من إخلال إبتذال قضايا المرأه في التريندات والمصالح الشخصيه سواء كانت نفسيه أو ماديّه، هكذا. على رأي Elizabeth Cady Stanton لما قالت للنساء الأمريكيات إنهم مجرد إنعكاسات للمجتمع الذكوري ونادراً لما بيكون حد منهم بيفكر في حقوق المرأه بشكل سوي. المُطالبه بالحقوق المشروعه محتاجه تتم عن دراسه، مش بالظواهر الصوتيه والحشد العاطفي.
_____________
في باحثه إسمها Donna L. Lillian كتبت ورقه بحثيه بعنوان A thorn by any other name: sexist discourse as hate speech سنة 2007. الورقه دي بتحلل خطاب كاتب ورجل أعمال كندي إسمه William D. Gairdner. الورقه دي لطيفه لإنها بتعرض خطاب مُنتشر جداً في مصر اليومين دول. اللي كان بيعمله Gairdner هو إنه كان بيفصل بين تعبيرين، تعبير إمرأه woman وتعبير نسويّه feminist، بحيث يستخدم تعبير إمرأه بدلاله إيجابيه وتعبير نسويّه بدلاله سلبيه، ودايماً بيربط تعبير إمرأه بالتصوُّرات المقبوله في المُجتمع الذكوري والمُحافظ وتعبير نسويّه بالتصوُّرات اللي بتدعو لتحرُّر المرأه من ال stereotypes اللي بيتبناها المُجتمع الذكوري.
_____________
الخِطاب ده بيحاول يقدِّم أي مُحاوله لإصلاح وضع المرأه في المُجتمع بإعتبارها مفسده ودعوه لتفكيك المُجتمع، وده من خلال ربط إستقرار المُجتمع وتقدمه بخطاب يتبنّى اللفظه العامّه woman وبالطبيعة والتقليد، في حين إن أي فكره بتحاول تتحدى هيراركية المُجتمع ومركزية الرجُل تم وصفها بتعبير feminist بدلاله سلبيه كنوع من التقليل والتحقير. وبالتالي يقدر براحته يقول إنه مع حقوق المرأه بس مش مع ال feminism، لكن اللي بيدعوه هو حقوق المرأه ما هو إلا التصوُّر الذكوري عن اللي يحقّ للمرأه، لكن أي واحده هاتطالب بحقوقها من منظورها هي هاتتسمّى feminist بما للفظ من دلاله سيئه أسس لها Gairdner. فهمت اللعبه؟
اللي بيعمله Gairdner وأي حد بيتبنّى خطاب مُشابه هو إنه بيحاول يحافظ على عدم المُساواه من خلال التنفير من أيّ صوت بيختلف معاه، وده بيحصل عن طريق جّمع كُل المُخالفين تحت لقب واحد مع وصفهم بالراديكاليه ومُخالفة ما هو مُستقِر وثابت. هنا في metaphor مرتبطه بإعتبار الثبات شئ إيجابي والتغيير بإعتباره شئ سلبي. الدعاوى المُستمره لبقاء الأمر على ما هو عليه هي مُجرد ستار للإبقاء على الإنحيازات والتمييز وغياب المُساواه.
_____________
من كلام Gairdner اللي بيوضح صحّة التحليل ده كان paragraph بيوصف فيه المُطالبه بحقوق المرأه بإعتباره سرطان بيضرب المُجتمع. بس بدل ما يقول العباره بصوره واضحه كده بيوجهها لحقوق المرأه من منظور المرأه أو ال feminism. الهدف إنه يصدَّر تصوُّر ذكوري ومُعادي للمرأه لكن يسميّه حمايه ومُجتمع آمن، ويوصم أي تصوُّر مُخالف للمُستقر والقديم تاريخياً بإعتباره خطر وتفكيك للإستقرار وحديث زمنياً.
_____________
الخطاب ده يجب التعامُل معاه بحذر لإنه جذّاب جداً للي في الأصل عندهم إنحياز ذكوري وتصوُّر مُعادي للمُساواه، وفي نفس الوقت مبيقولش فكرته بشكل مُباشر لكن بتلاعُب بالألفاظ يبرر إنحيازه ويسمحله يعمل إدّعاءات يُسيء المُستمع فهمها، بحيث يبدو من ظاهرها إنه مُحايد وموضوعي، ولكن في الحقيقه هو بيهاجم كل أنواع الحقوق اللي تؤدّي للمُساواه.
_____________
وده ينقلنا للوضع المصري. في مجهودات كبيره للتعاطي مع الآراء اللي فيها تمييز، ولو خدت بالك أنا تعمدت أوريك إن في السياق المسيحي كان في أدله تقليديه من نوعية الكنيسه قالت والآباء قالو. ولكن تم تخطي الآراء دي بنسبة ما لما تم تفكيكها لسياقها التاريخي والفلسفي. ومع الوقت بقت سلطة الكتابات دي محصوره في النقاشات اللاهوتيه، ولكنها لا تقود المُجتمعات ناحية هيراركيات أو تمييز. ده طبعاً الوضع في أوروبا حتى في الأوساط المُتديِّنه. الأسئله المطروحه علينا في سياقنا الشرق أوسطي دلوقتي هي إزاي نتعامل مع التُراث الديني والإنساني ونقدر نعيد قراءته بحيث يكون تأثيره إيجابي في حياة الناس وفي تقدُم الحضاره. والسؤال التاني هو إزاي نقدر نميِّز بين مشروعية المَطلب وبين اللي بيستغلو المطالب المشروعه لمصالح شخصيه فرديه. خصوصاً لما تلاقي ناس بتستغل النسوه ذكوريات الفكر والنسويات اللي بتستغل المطالب لمصالح ماديه عشان يشوهو المطلب نفسه.

Similar Posts