موثوقية ذاكرة وشهادات شهود العيان (١)

إتنين من أهم وسائل إضفاء الموثوقيّه على الإدعاءات في العالم القديم -وحتى اليوم- هم حُجّة شهود العيان (فلان شاف أو سمع كذا وفلان مشهور بالصدق، إذاً كذا حصل)، وحُجّة التَسَلسُل الروائي (فلان قال لفلان وفلان قال لفلان وكلهم مشهود لهم بالأمانه إذا المعلومه يقيناً إتنقلت بشكل سليم). في المقال ده هاتكلم عن شهود العيان وإشكاليات الإعتماد عليهم من منظور السايكولوجي والتاريخ، وفي المقالات الجايه هاضيف البُعد الأدبي وإستخدام الكاتب ل literary trope يسمحله بإختلاق مُعطيات تدي القارئ إنطباع إن الكاتب أو الراوي شاهد عيان.

سنة 1975 تم خطف روبرت هينسون المدير المساعد لفرع من فروع Collin’s Department Store. الخاطفين (كانو اتنين) حطوه في عربيه Dodge Dart لونها أبيض وراحو بيه على الفرع عشان يفتحلهم الخزنه. لما قالهم إنه ميعرفش أرقام الخزنه سابوه يمشي بعد ما خدو الفلوس اللي في جيبه (35 دولار).

لما هينسون إتخطف في العربيه شاف وش اللي خطفوه للحظه قبل ما يلبسو حاجات يغطو وشهم بيها، وطبعاً هينسون راح بعد ما سابوه بلغ الشرطه وقالهم إن واحد من اللي خطوه كان شكله Hispanic وإن واحد منهم كان شبه واحد قدم في وظيفه في الغرع عنده من فتره. بناءاً على التفاصيل دي الشرطه رسمت صوره للخاطف ووزعتها، وبعد 3 أيام تم القبض على إتنين إخوات سايقين عربيه Dodge Dart بيضا، الإتنين كان إسمهم Lonnie Sawyer (18 سنه) و Sandy Sawyer (20 سنه).

في المحكمه هينسون قال إن لوني وساندي هم اللي خطفوه فعلاً وإنهم هددوه بالسلاح. وبالرغم من إن لوني وساندي قدمو دليل على تواجدهم في أماكن تانيه وقت الحادثه تمت إدانتهم بالفعل وإتحكم عليهم ب 28 – 32 سنه للوني و 32 – 40 لساندي عشان كان عليه جريمه قبل كده ف خد حكم مُغلَّظ.. بعد مُحاكمتهم لوني وساندي قالو لأهلهم إنهم لازم يطعنو في الحكم ده لإنهم معملوش أي جريمه.

الأهل فضلو ورا الموضوع وإستعانو بمحققين عشان يحاولو يكتشفو الحقيقه. وبعد فتره واحد من المسجونين في السجن اللي كان فيه لوني وساندي قال إن في واحد إسمه روبرت توماس كان واحد من اللي خطفو هينسون. واحد من المحققين قرر يمشي ورا المعلومه دي ولقا إستماره بإسم توماس كان ملاها عشان يقدم على وظيفه في Collin’s Department Store وكمان لقا واحد صاحب توماس كان عند اهله عربيه Dodge Dart بيضا. سنة 1977 تمت إعادة مُحاكمة الأخين وتم الحكم ببرائتهم يوم 7 يناير.

لوني وساندي كانو محظوظين أكتر من المتهمين في جريمة القتل اللي حصلت يوم 15 ابريل 1920. في اليوم ده كانت Annie Nichols واقفه في الشباك وبتريح شويه من شغل البيت. في اتنين رجاله ظهرو، واحد كاشير في مصنع شايل شنطة فلوس والتاني الحارس بتاعه. وفجأه واحد من اتنين كانو ساندين على السور في الشارع طلع مسدس وقتل الحارس. الكاشير كمان إتقتل وهو بيحاول يحمي الشنطه اللي كان شايلها. كل ده و آني نيكولز متابعه الموضوع من الشباك، وفجأه جت عربيه خدت الإتنين اللي إرتكبو الجريمه وخدو الفلوس وهربو.

آني وباقي الناس معرفوش يدو الشرطه أي تفاصيل عن اللي عمل الجريمه. واحد قال إن واحد منهم كان أسمر، لكن شاهد تاني قال إنه كان شعره فاتح جداً وغالباً سويدي أو فنلندي. شاهد تالت قال إن اللي كان سايق العربيه كان عنده شنب، وبعد كده غير كلامه وقال إن مكانش عنده شنب وكان حالق دقنه كويس.

بعد كام إسبوع إتقبض على نيكولا ساكو (صانع احذيه) وبارتولوميو فانزيتي (صياد سمك) وإتهموهم بالقتل والسرقه. الإتنين كان بالفعل معاهم سلاح، وساكو كان معاه نفس نوع السلاح اللي إتعملت بيه الجريمه. لكن محدش منهم كان عنده أي سجل إجرامي.

على الرغم إن الشهود معرفوش يدو أي تفاصيل عن اللي عملو الجريمه وكان كل كلامهم متناقض وكذا حد منهم قال إنه مشافش كويس، وقت المُحاكمه الخمس شهود قالو إن ساكو واحد من اللي عملو الجريمه. أربعه من الشهود قالو إن فانزيتي كان واقف قريب من الجريمه، على الرغم إن واحد من الشهود قال لصديق ليه إنه إستخبى أول ما شاف المسدس وإنه مش هايعرف اللي عملو الجريمه لو شافهم تاني. بالرغم من إنهم قالو إنهم مشافوش كويس إلا إن كل الناس اللي كانت مش متأكده كلهم تحولو لناس واثقه تماماً من كلامهم وإتهمو ساكو وفانزيتي.

بالرغم إن ساكو وفانزيتي قدرو يقدمو دليل على إنهم كانو في أماكن تانيه وقت الجريمه (ساكو كان في القنصليه الإيطاليه وكان واخد معاه صوره عائليه يجدد بيها الباسبور بتاعه والموظف إفتكره لإن الموقف كان غريب ومضحك، وفانزيتي كان بيصطاد في منطقة Plymouth وفي تاجر إفتكره هناك) إلا إن محدش أخد بشهادة الشهود دول وإعتبرو شهود الإثبات شهادتهم أقوى وإتحكم عليهم بالإعدام وتم التنفيذ يوم 23 أغسطس 1927.

المواقف دي مهمه لإنها بتبين إن شهود العيان مش مُجرد ناس بتشوف حقائق وبتنقلها بشكل مُجرّد مُباشر غير قابل للخطأ. حتى وشهود العيان موجودين وبيتم التحقيق معاهم لسنين، بتفضل المعلومات اللي بيقولوها بتتغير، وبتفضل شهادتهم تتناقض، وبيفضلو يقولو كلام جديد مقالوهوش في وقت التحقيق القريب من الحدث. عدم اليقين بيتحول ليقين، مواصفات الأشخاص بتتغير، المعلومات بتزيد تفاصيلها بشكل أكبر مع الوقت. دي حاجه دراسات الذاكره والسايكولوجي وعلم الأعصاب بتأكدها، ده بالإضافه لإشكاليات تانيه زي الذكريات الوهميه أو false memories.

في المقال الجي من السلسله دي هاتكلم أكتر عن مُشكلات الذاكره، وفي اللي بعده عن شهود العيان كإسلوب “أدبي” لتعزيز الموثوقية التاريخية للمرويات.

Similar Posts