مكتبة المُغالطات المنطقية (مُتجدد)

المُغالطات المنطقيه Logical Fallacies هي ببساطه أخطاء الناس بتعملها بشكل مُتكرِّر لما بيفكرو في أي موضوع وبتؤدي للوصول لنتايج غير صحيحه منطقياً حتى لو المُغالطه مكانتش واضحه أو كانت مُنتشره لدرجه تخلي مجموعه من الناس تعتبرها هي المنطق السليم. كل ما كُنت واعي للمُغالطات اللي بتعملها انت أولاً وبيعملها الناس اللي بتتكلم معاهم كل ما قدرت توصل لنتايج واقفه على أرض صلبه أكتر وتقدر تبني عليها معرفتك بشكل أفضل.
ترتيب المُغالطات مش ألفبائي (يعني مش بترتيب الحروف) لكن هابدأ بالمُغالطات الأكثر إنتشاراً في مُجتمعنا وبعدها الأقل إنتشاراً وهكذا.

فهرس المُغالطات لحد آخر تحديث:

(1) مُغالطة رجُل القش Straw man Fallacy
(2) مُغالطة الإدعاء غير القابل للنفي Unfalsifiability Fallacy
(3) مُغالطة Adverse Consequences
(4) مُغالطة الإحتكام للجموع Appeal to the People
(5) المُغالطة القَصَصيَّة The Anecdotal Fallacy
(6) مُغالطة “ماذا لو” The “what if” fallacy
(7) مُغالطة “سؤال المُطلق” أو “عدم التساؤل عن شئ مُحدد” The fallacy of asking nothing in particular
(8) مُغالطة قَنَّاص تيكساس The Texas Sharpshooter Fallacy
(9) مُغالطة إستنتاج نتيجة إيجابية من مُقدمات سلبية Affirmative Conclusion from a Negative Premise Fallacy
(10) مُغالطة الإلتجاء للطبيعي Argumentum ad Naturam
(12) المُغالطة الغائية Teleological Fallacy و (12) مُغالطة إختزال السببية The Fallacy of causal Reductionism Fallacy
(13) مُغالطة الرنجة الحمراء The Red Herring Fallacy
(14) مُغالطة الإقناع بالنيابه Persuasion by Proxy

(1) مُغالطة رجُل القش Straw man Fallacy

شرح المُغالطه:
في مُغالطة رجُل القش الشخص (أ) بيسمع إدعاء مُعيَّن (أو حُجَّه argument) من الشخص (ب). الشخص (أ) بيهاجم فكرة الشخص (ب) من خلال إنه يشوهها أو يقدمها بطريقه معينه تخليها تبدو سخيفه أو خاطئه. المُغالطه هنا إن (أ) مش بيناقش اللي بيقوله (ب) فعلاً لكن بيخلق فكره وهميه وبيتخانق معاها وبيصور للناس إنه كده بيرد على اللي قاله (ب) في حين إن (ب) بيقول حاجه مُختلفه.
مثال:
في نقاش بين المرشحين الرئاسيين في أمريكا بيرني ساندرز وجون ديلاني دار الحوار التالي:
(المثال اللي تحت هو مُجرَّد مثال للتوضيح مالوش علاقه بطبيعة برامج وأفكار المُرشحين المذكورين)
بيرني ساندرز: “الوقت جه إننا نقول إننا محتاجين نوسَّع التأمين الصحي عشان يغطي كل رجُل وإمرأه وطفل على حدى .. محتاجين نظام تأمين صحي وطني (يشمل الكل)”
جون ديلاني: “لازم يكون عندنا نظام رعايه صحيه دولي، لكن مينفعش يكون نظام رعايه صحيه بيخرَّج 115 مليون أمريكي من نظام الرعايه الصحيه. دي مش سياسه صح!”
هنا جون ديلاني بينتقد حاجه ساندرز مقالهاش. ديلاني بيحاول يقدم للناس صوره مش صحيحه عن تصوُّر بيرني ساندرز عشان يقدر ينتقدها بسهوله ويكسب تأييد الناس في نقده لساندرز بدل ما يناقش الكلام المُحدد اللي قاله ساندرز ويرد عليه.
تحليل المُغالطه:
الهدف من المُغالطه دي هو إن واحد من المُتكلمين ياخد وضع أفضل في النقاش من خلال إنه يصور إنتصار لنفسه على حساب غيره من خلال هزيمته في نقطه التاني مقالهاش. أسباب المُغالطه دي حاجه من تلاته: (1) قد يكون طرف مش قادر يفهم الطرف التاني بسبب إختلاف المُقدمات والمعلومات اللي بيتحركو منها (2) قد يكون طرف بيتعمد يشوِّه صورة التاني عشان يكسب تأييد من المُستمعين على حسابه (3) قد يكون في طرف بيفترض حاجات اللي قدامه مقالهاش بسبب توقُّع سوء نيّته بشكل مُسبق.
تقدر دايماً تكشِف مُغالطه رجُل القش عن طريق إنك تسمع كويس من الطرفين وتسأل دايماً كل طرف عن تعريفاته وتديله فرصه يشرح نفسه. لما تلاقي حد بيستخدم مُغالطة رجُل القش إلفت نظره ولو إستمر في إستخدامها ده يديك مؤشِّر إنه إما مش فاهم كويس أو لسبب ما بيتعمد يُسيء تصوير خصمه. حاول إنت كمان تتجنَّب المُغالطه دي وإدي فُرصه للي بتكلمهم يوضحو مواقفهم وكون إنت بقدر الإمكان واضح في عباراتك وأفكارك عشان الناس متعملش منك رجُل قش بسبب عدم فهمهم ليك.

(2) مُغالطة الإدعاء غير القابل للنفي Unfalsifiability Fallacy

شرح المُغالطه:
ببساطه شديده المُغالطه دي هي إدعاء شئ مش ممكن تقدر تثبت إنه غلط (وبالتالي مش ممكن تثبت إنه صح!). يعني تخيل إني قولتلك إن عندي كائن فضائي مستخبي في دولابي لكن انت متقدرش تثبت إن كلامي غلط لإن الكائن الفضائي ده عنده تكنولوجيا متقدمه جداً تخلي محدش يقدر يشوفه ولا يسمعه غير اللي هو يختار يظهرله، وهو إختارني أنا بس. هنا أنا بحطك قدام إدعاء انت متقدرش تتحقق منه ولا تثبت إنه غلط. الإدعاءات اللي من النوع ده مينفعش تستخدمها منطقياً لإن معندكش دليل عليها ولا اللي قدامك عنده إمكانيه لفحصها والتأكد منها وبالتالي مينفعش يتبني عليها معرفه ثابته.
مثال:
تخيل مثلاً إن إحنا بنتكلم عن حضاره مفقوده نعرف عنها تفاصيل قليله جداً في التاريخ لا تتعدى إسمها ومكانها ف جه حد قال إن الحضاره دي إنهارت بسبب خلاف داخلي وحرب أهليه نتجت عن إحتكار التجاره لطبقه إجتماعيه معينه. هنا الإدعاء ده غير قابل للنفي لإن معندناش أي معلومات عن الحضاره نقدر نقول بناءاً عليها إن التحليل ده لإنهيار الحضاره هو تحليل خاطئ أو صحيح. وبالتالي منقدرش نبني معلومه على مُجرَّد فرضيه وجودها في الواقِع محل شك.
زي بردو لما أروح لمستثمر وأقوله إن عندي مشروع لإستخراج الدهب من منطقه ما وإن الأرض هناك فيها كميات دهب كبيره على عمق كبير متقدرش التكنولوجيا ترصده لكن لو مش مصدقني هات المعدات اصرف فلوس كتير في الموقع وشوف كلامي صح ولا غلط. هنا أنا بقول إدعاء غير قابل للتأكد منه أو نفيه وبحمِّل الطرف التاني مشقِّة ونفقة فحص صحة كلامي. طبعاً في سؤال بديهي وهو إن كانت التكنولوجيا متقدرش ترصد الدهب على العمق ده، انا عرفت إزاي؟ إيه مصدر معلومتي أو إدعائي؟ وإن كان مصدر إدعائي هو محض فرضيه، إيه اللي يخلي المُستثمر يرمي فلوسه ووقته ومجهوده في إنه يتحقق من فرضيتي تحديداً مش أي فرضيه تانيه مدام الكل مفيش عليه دليل؟
الفرضيات اللي بدون أساس عددها لا نهائي، ومش مطلوب من كل شخص يفنِّد أو ينفي كُل فرضيه لمجرد إنها موجوده. المعيار الأساسي هو هل الفرضيه دي عندها أساس يستحق النظر فيها ولا لأ. كإنك في محكمه وفي قتيل ومُحامي الدفاع بيقول إن القاتل كائن فضائي وبيحاول يرمي التهمه على موكله. هل هنا دور المحكمه تروح تدور على الفضائي عشان تتأكد من صحة أو عدم صحة كلام المُحامي ولا دور المُحامي إنه هو اللي يجيب دليل على إدعاؤه وإمكانية حدوث فرضيته؟
الهدف من المُغالطه دي هو تمرير الإدعاءات وإرهاق الطرف التاني في محاولة نفيها وأوقات تعجيزه عن نفيها لإنها بدون دليل أو وجود حقيقي في الواقع يكفي لتتبع أثرها والتحقق منها. لما تسمع النوع ده من الإدعاءات لازم تقف عنده وتبين إنه مش منطقي ومش مقبول ومتبنيش عليه نتايج معرفيه. وحاول بقدر الإمكان إن إدعاءاتك تسيب مساحه للي بتتكلم معاه إنه يتحقق منها، ولو لقيت إن إدعاءك unfalsifiable يبقا حاول تدور على حُجَّه تانيه لإن الإدعاء ده مش هايوصلك لمعرفه سليمه أو على الأقل معرفه تقدر تعتمد عليها في التحرُّك في الواقع. الفرضيات اللي مالهاش أثر في الواقع تقدر تتحقق منه هاتكون نهايتها إحباط لما تحاول تعتمد عليها معرفياً ومتلاقيهاش كافيه أو منطقياً مقبوله.
هاستخدم هنا مثال من كتاب Rationality from AI to Zombies بيقول إن انت بتخلي جنبك ازازة ميه عشان تشرب منها بليل لو عطشت، ولما تصحى بتمد إيدك في الضلمه وتجيب الإزازه وتشرب. هنا الإحتياج بتم سده بناءاً على الإعتقاد في وجود الإزازه ومعرفتك بمكانها حتى لو إنت مش شايف. لكن تخيل إن صحيت بليل ومفترض وجود الإزازه ومديت إيدك عشان تجيبها وملقيتهاش. هنا بقا في إحتياج والإحتياج ده متمش إشباعه والإفتراض -وجود الإزازه في متناول إيدك- طلع غلط. هنا بيحصل إحباط وعدم إتزان لإن تصورك عن حقيقة الإفتراضات بتاعتك بيطلع غلط وبتُدرك إنك متعرفش الواقع اللي حواليك كويس. وبالتالي حاول بقدر الإمكان تقلل من فرضياتك غير القابله للنفي أو الإثبات.

(3) في مُغالطه منطقيه إسمها Adverse Consequences

المُغالطه دي بتتلخص في الحُكم على منطقية شئ من خلال النتائج المُترتبه عليه. مثلاً:
– بما ان: لو “أ” صح هاتكون التوابع كارثيه
– إذاً: لازم منصدقش إن “أ” صح عشان نتجنب التوابع الكارثيه
اتنين من الأمثله المنتشره للفكره دي هو (1) نقد “النسبية الأخلاقية” بإنها هاتتسبب في نشر الجريمه و (2) رفض ال critique اللي قدمه مارتن هايديجر ومن بعده جاك داريدا لفكرة “الحقيقه” من مُنطلق إن ده هايخلي كل شئ بلا معنى.
في الموضوعين دول في قضيتين مُختلفتين بيتم خلطهم سواء عن قصد أو غير قصد. في سؤال النسبية الأخلاقية مثلاً في شِق منطقي وهو “هل من المُمكن إيجاد حُجَّه منطقية لنسبية الأخلاق؟” الإجابه منطقياً ممكن، بل على العكس، من الأصعب إيجاد حُجّه منطقيّه على ال universality of ethics أو “الأخلاق المُطلقة”. الشِق التاني في السؤال هو “لو المقدمات المنطقيه دي سليمه، هانتعامل إزاي مع ما يترتب عليها من سلبيات؟” وده سؤال مهم لازم إجابته تكون من خلال مواجهته مش من خلال تبني بديل غير منطقي وغير قابل للبرهنه والمُحاججه. يعني مثلاً، لو في مرض مُنتشر ف ده واقِع لازم التعاطي معاه، مش هانقدر نخفف نتايج المرض من خلال إنكار وجوده.
التفكير المنطقي هدفه هو إن الإنسان يقدر يشوف الواقِع بأقل قدر من التشويش، طبعاً الوصول لإدراك كامل للواقع هو أمر مُستحيل، لكن بالأدوات المُتاحه بنحاول نتخلص من الإشكاليات المنطقيه بقدر الإمكان.
ما بعد الحداثه -مثلاً- بتقدم تصور عن الواقِع قد يكون غير مُرضي لناس كتير. “عدم وجود حقيقه مُطلقه” (هايديجر) و”لا توجَد حقائق فقط توجَد تأويلات” (نيتشه) “لا يوجَد شئ خارج ال discourse” (داريدا) و “لا توجَد روايه كُبرى metanarrative للتاريخ” (ليوتار) وغيرها من عبارات بتودينا تجاه نسبيه مُفرطه كان ليها تأثير على كل مناحي الحياه. السؤال هنا مش “هل ما بعد الحداثه نتايجها وحشه ولا لأ”، السؤال الصح هو “هل مُقدمات ما بعد الحداثه مُختله منطقياً ولا لأ؟” لو المقدمات صحيحه والنتائج صحيحه يبقا دورنا هو التعامل مع الأمر الواقِع والتفلسُف (التفكير) في كيفية التعايش معاه. لكن رفض المقدمات المنطقيه -بالرغم من منطقيتها- لتجنُّب السلبيات المُترتبه عليها بيكون أشبه بالهروب من فيضان بالنزول في حمام سباحه. العالم لم يختار أن تسوده ما بعد الحداثه، الفكر البشري بيتحرك بشكل تلقائي تجاهها، ولكن تظل عندها ميزه عن سابقاتها وهي قدرتها على نقد/تفكيك الذات. فمثلاً ما بعد الحداثه اللي ساهم في صياغتها نيتشه وهايديجر وماركس (بفكرة الماديه الجدليه) هي نفسها اللي في كتابات داريدا و بول دي مان اللي فككت ميتافيزيقا نيتشه وهايديجر وماركس.
زي ما قال الفريد كورزيبسكي “الخريطه مش هي الأرض”. ف السؤال دايماً هو لأي مدى تُشابه خريطتنا الإدراكيه الأرض اللي بنحاول نتحرك فيها. لو ما بعد الحداثه بتقدم وصف أقرب للأرض وبيقولنا إن كلها حُفَر ف الحل مش تبديل الخريطه بواحده تانيه كلها خُضره وبحيرات ميه. الحل هو إستخدام الخريطه الأقرب للواقع عشان نقدر نـ navigate في الواقع من غير ما نقع في الحُفَره. الخريطه الأجمل مش بالضروره هي الخريطه الأصلح للرحله.
اللي عايز يقرا أكتر عن المُغالطات المنطقيه يشوف كتاب Bad Arguments: 100 of the Most Important Fallacies in Western Philosophy (مُغالطة Adverse Consequences في صفحة 94).

(4) مُغالطة الإحتكام للجموع Appeal to the People

المُغالطه دي بتتلخص في تحديد منطقية المواقف بناءاً على عدد المُعتقدين فيها. يعني تكون بتناقش قضيه مُعيَّنه ف تلاقي حد بيقولك إن تبنِّي رأي الأغلبيه هو القرار المنطقي أو إن كذا مش ممكن يكون غلط أصل في كذا مليون مُقتنعين بيه، أو “يعني كل دول مُغفلين؟”.
الإشكاليه هنا هي إن الجموع مش بيحركها المنطق، في عوامل تانيه كتير لا منطقيه ممكن تحرَّك الجموع -عشان كده بيتقال عليهم القطيع- من ضمنها حاجه إسمها the herd behavior المقصود بيه إن الناس بتلاقي أمان في إنها تمشي في خُطى حد لإن ده بيعفيهم قدام نفسهم من مسئولية الإختيار. وبالتالي لو وصل لنتيجه غلط هايقول “فلان هو اللي غلط” أو “على الأقل مش أنا اللي غلطت لوحدي” أو مش هايقتنع أصلاً إنه غلط وهايقول لنفسه “أكيد كل الناس دي مش غلط”.
مثال للمُغالطه:
“فلان عنده followers كتير ف أكيد فلان بيقول حاجه مهمه”
“المنتج ده كل الناس بتشتريه وبالتالي المُنتج ده أفضل مُنتج في السوق”
“المرشح الفلاني ليه إعلانات في كل حته، أكيد الناس تعرفه كويس عشان كده بتعلق إعلانات ليه”
“أفضل أفلام في تاريخ السينما هي الأفلام اللي بتعمل أكبر عدد مشاهدات”
كل الأمثله اللي فاتت دي هي أمثله للإحتكام للجموع Argumentum ad populum والإشكاليه فيها زي ما قولت هي إنها بتتجاهل عوامل تانيه كتير ممكن تكون هي سبب إنتشار الظاهره أو المُنتج أو الشخص اللي بيتم تحليل موقفه. ف مثلاً المُرشَّح اللي صوره في كل حته ممكن يكون بيدفع رشاوي أو اللي بيدعموه ليهم عنده مصالح مُباشره. المُنتج اللي الناس كلها بتشتريه ممكن يكون منتشر بسبب شركات التسويق اللي بتسوقله أو إن سعره مناسب لشريحه أكبر من الناس، دي مش مؤشرات حقيقيه للجوده. الأفلام الأكثر مُشاهده ممكن تكون هي الأفلام الأسهل في الفهم والأكثر سطحيه مش بالضروره هي الأفضل والأكثر تقنيه والأحرف إخراجاً أو عُمقاً في مُحتواها، وهكذا.
عشان تقدر تتجنَّب المُغالطه دي لازم تبدأ بنفسك وتقرا شويه في علم النفس وعلم الإجتماع وتعرف إزاي سلوك الناس بيتأثر بعوامل كتير أوي أبعد ما تكون عن المنطق. وحاول بقدر الإمكان إن تقيِّم الأفكار بمحتواها مش بمين أو بكام شخص بيعتقد فيها. يعني من الآخر مترميش مسئولية التفكير والتحليل والنقد على شخص مشهور أو عدد كبير من الناس لإن الناس دي مش هي معايير المنطق وهم نفسهم بتحركهم دوافع واعيه وغير واعيه وبالتالي هم عندهم نفس العوائق اللي بتواجهك لما بتحاول تستخدم المنطق .. ف متبقاش واحد من “القطيع” وفكَّر لنفسك.

(5) المُغالطة القَصَصيَّة The Anecdotal Fallacy

النوع ده من المُغالطات مُعقَّد شويه ولكنُّه مُنتشر. مُمكن نلخّصها في المُبالغه في تقدير إحتمالية شئ بُناءاً على “خبَر” أو قصَّه أو موقِف شَخصي مُعيَّن غير قابل للتّحقُّق منه. في علم النَّفس في مبدأ بيقول إن بالنسبه لوعي الفرد كل ما كان الحدث مُمكن (بالنسبه لرؤية الفرد للعالم worldview) وسَهل في تَصوُّره كل ما كانت إحتمالية الحدث أكبر (بالنّسبه للفَرد)، وبالتّالي الفَرد بيتعامل مع الحدث ده كحقيقه مُسلَّم بيها وبياخد خطوات فعليه بناءاً عليه.
مثال لطيف للموضوع ده، الساعه 8 مساءاً يوم 30 اكتوبر سنة 1938 إتذاع مسلسل إسمه The Mercury Theatre on the Air وكانت الحلقه بعنوان The War of the Worlds بتتكلم عن غزو فضائي من المريخ لكوكب الأرض. جُزء من المُستمعين للإذاعه دي (عددهم مُختلف عليه) إفتكرو الغزو الفضائي ده حقيقي والبعض دخل في حالة هلع خصوصاً إن البرنامج الإذاعي ده مكانش ليه دعم مادي ومكانش فيه فواصل إعلانه ف الناس إتعاملت مع المُحتوى على إنه تقرير للحقيقه مش دراما مبنيه على خيال علمي.
تحليل الموقف هو إن اللي دخل في حالة الهلع هو كان مؤهل مُسبقاً لتصديق الحدث لإن رؤيته للواقِع بتحتمل وجود الكائنات الفضائيه. لو هو مش بيصدق في وجودها ف الطبيعي إنه هايفهم اللي بيسمعه على إنه خيالي أو غير واقعي أو بإفتراض إنها كانت خبر إذاعي فعلاً إنها كدبه. لكن لإن الحدث وارد في وعيه ف إتعامل معاه على إنه واقِع وحقيقي.
مثال تاني لنفس الظاهره دي إن حد يقول “فلان كان مدخن وفضل يدخّن لحد سن ال 90، وبالتالي التدخين مش مُضرّ” أو “فلان شاف كذا وفلان ثقه وبالتالي كذا حصل”. المعيار هنا هو مدى إستعداد اللي بيسمع للتصديق، لإن الأحداث اللي في الرّوايه مش بالضروره تكون أسبابها وحقيقيّتها بالمُباشره اللي بتتحكي بيها. ف مثلاً الشخص اللي فضل يدخن لحد سن ال 90 ده ممكن يكون عشان لحد ال 90 بأمراض كتير بسبب التدخين، ف مش معنى إنه عاش لسن ال 90 إنه وصل للسن ده وهو في حاله صحيه كويسه. وبالنسبه للمثال التاني ممكن يكون الشخص اللي نقل الحدث هو نفسه سمعه من حد تاني قبله بيثق فيه وسلم بصحته من غير ما يتأكد منه، أو إختلط عليه الأمر سواء بالنظر أو بفهم الحدث، أو وصلتله معلومه غير صحيحه وده وارد جداً. وبالتالي الأحداث والمعلومات مبيتحكمش عليها من منطلق إحنا عايزين نصدقها ولا لأ أو هل هي تتفق مع “خبراتنا” ولا لأ ولا هل ده يتفق مع ال worldview بتاعنا ولا لأ.
عشان تتجنب المُغالطه دي لازم تكون واعي لدوافعك -ودوافع اللي بتناقشهم- في التعامل مع المعلومات اللي بتكون متاحه قدامك. إستعدادك الفكري لقبول أو رفض شئ مش بالضروره معناه إن الشيء ده صحيح أو خاطيء. المعيار في الأول وفي الآخر هو الدَّليل المُتاح وتحليله عشان نقدر نبني عليه نتائج غير خاضعه للذاتيه المُطلقه لإن خيال الفرد، أو وعي الفرد، أو رغبة الفرد مش هي اللي بتكوِّن المعلومه الصحيحه.

(6) مُغالطة “ماذا لو” The “what if” fallacy

المُغالطه دي بتتمثل في إن حد يفترض إن مسار مُعيَّن للتاريخ كان هايحصل “لو كان” كذا حصل. يعني مثلاً لو الملك فلان عمل كذا كان هايحصل كذا. المُغالطه هنا تكمُن في إفتراض حتميه تاريخيه مبنيه على تصوُّر خاطئ عن إن الشخص يُدرك بشكل كامل المُعطيات اللي كونت الظرف التّاريخي ويقدر يحسب النتايج بشكل يقيني لو واحد من المُعطيات إتغير. المُغالطه التانيه في نفس الطرح هو إن الكلام هايكون غير قابل للفحص أو التكذيب، يعني واحد يدعي إن حاجه معينه كانت هاتحصل لو حصل كذا في الماضي، طيب نقدر إزاي نتأكد إن كلامه كان هايحصل؟ التاريخ مفيهوش إمكانيه للتجريب، ومفيش في الحاله دي إمكانيه للبحث الإمبريقي أو الإحصائي، ف إحنا قدام شئ لا يتعدى كونه إدعاء بلا أساس وبلا وسيله للبرهنه عليه.
المُغالطه دي مُنتشره أوي عند مُحللين الكوره. إن تلاقي واحد ييجي بعد ما الماتش يخلص ويقول لو المدرب كان لعب بخطة كذا كان هايحصل كذا وكذا وكانت النتيجه هاتبقا إنه يفوز بدل ما هو خسر الماتش. طبعاً هنا في إفتراض تالت مُعضل وهو إن التاريخ ثابت ومفيهوش مُتغيرات. لو رجعنا للمثال بتاع ماتش الكوره ف مثلاً “لو كان” المدرب لعب بخطة كذا في شئ تاني منطقي وارد الحدوث، وهو إن المُدرب التاني يغير خطته ويلعب بخطه غير اللي لعب بيها، وفي الحاله دي لما إنت بتغير واحد من المؤثرات بيكون في رد فعل مُختلف من العوامل التانيه المؤثره وبالتالي بتكون قدام ظاهره مُختلفه تماماً عن الظاهره اللي بتحللها وبتفترض إن كان هايبقا ليها نتيجه مُختلفه.
مثال تاني كان في مصر أيام الثوره. المثال بيقول إن لو الثوره كملت ومحصلش ميل شعبي ناحية الجيش كان وضع مصر هايبقا أحسن. هنا بردو إنت بتفترض إن كان هايبقا في مسار واحد ثابت يقيني للتاريخ، وده شيء غير قابل للفحص ولا يتعدى التصورات الحالمه عن ما كان “يُمكن” أن يكون مش عن “ما كان ليكون” لو حل الحدث اللي بتفترضه.
التاريخ مش ممكن تحليله بفرضية “لو كان كذا حصل كانت النتيجه هاتبقا كذا” لإنك متعرفش أبعاد الظاهره بشكل كامل ومتقدرش تفترض إن لو عامل واحد فيها إتغير كل العوامل التانيه هاتفضل ثابته ومش هاتتغير هي كمان.

(7) مُغالطة “سؤال المُطلق” أو “عدم التساؤل عن شئ مُحدد” The fallacy of asking nothing in particular

واحده من أشهر وأهم المُغالطات وناس كتير بتستخدمها من غير ما تُدرك الإشكاليه اللي فيها. تخيل مثلا إنك بتدور على كلمه زي watch في قاموس إنجليزي. هاتلاقي على الأقل ٣ معاني مُختلفه: (١) يُشاهد/يُراقب (٢) ساعة اليد (٣) نوبة حراسه. هنا سؤالك عن معنى كلمة watch في المُطلق مش هايوصلك لإجابه مُحدده لإن لو قولت إن watch معناها فقط هو ساعة اليد ف إنت كده بتستثنى باقي المعاني أو بتقول إن المعنى “الأقرب” أو “الأصح” للكلمه في المُطلق هو إنها “ساعة يد”. طبعاً ده غلط لإن المعيار هنا مش أفضلية معنى على التاني بقدر ما هو معنى الكلمه في الجُمله اللي بتظهر فيها. يعني الجُمله هنا هي السياق اللي بيتحدد فيه معنى كلمة watch وبالتالي السياق هو اللي بيرجّح واحد من المعاني التلاته، ولو إختلفت الجُمله إختلف السياق وبالتالي إختلف المعنى وإختلفت إجابة سؤال “يعني إيه watch؟”.
المُغالطه دي بتظهر دايماً في الأسئله اللي من نوعية “إيه هي الحقيقه؟” أو “إيه هو العدل؟” أو “إيه الحل لكل مُشكلات المجتمع؟” أو “إيه هي الأخلاق؟” وما إلى ذلك من الأسئله اللي بتحاول تحدد ماهية شئ بدون الإلتفات تماماً لمُحددات معناه والسياق اللي بنحاول نفهمه فيه.
في ورقه بعنوان The Meaning of a Word بيقول John L. Austin ان مُحاولة حصر مدلول كلمه بدون سياق هي نفس المُغالطه اللي بتظهر في الفكر الأفلاطوني اللي بيعبَّر عن الأفكار ككيانات مُنفصله موجوده بمعزل عن الواقِع المادي وبالتّالي بتفتح باب للكلام عن الأفكار في المُطلق وبدون أي ضوابط ماديّه. لما تيجي تسأل سؤال أخلاقي مثلاً مينفعش تسأل السؤال عن أخلاقية فِعل من غير ما تطرح السياق اللي بتقيّم الفعل فيه. الأخلاق مش مُطلق قابل للوصف والتحليل بدون سياق. ف مثلاً لو سألت حد عن إستخدام ماده مخدره هايقولك إنه غلط، لكن لو غيرت السؤال لإستخدام ماده مخدره في حالة الجراحه هاتتغير الإجابه للعكس، وكمان هايبقا عدم إستخدام المخدر في الجراحه خطأ أكبر لإنه بيعرض حياة المريض للخطأ. وبالتالي مينفعش تسأل أسئله بلا سياق لإن مفيش شيء في الواقع موجود بشكل decontextualized أو معزول عن المحيط بتاعه ومش مترابط معاه ومعتمد عليه.
الكلام مش بس في حالة التساؤل لكن كمان في حالة وصف الأشياء. مينفعش تكون بتكلم حد وبتحاول تنظّر لحقيقه مُطلقه أو صواب مُطلق أو فهم مُطلق .. كل عباره معرفيه لازم بالضروره تكون في سياق ومحددات تضبطها. الكلام عن المُطلق دايماً قاصر وخاطيء ومُخادع.

(8) مُغالطة قَنَّاص تيكساس The Texas Sharpshooter Fallacy

إسم المُغالطه جي من قصّه عن واحد ضرب رصاصه على جدار وبعد كده راح رسم علامة الهدف حوالين الرصاصه على الجدار، وبعد كده إستخدم الرصاصه ورسمة الهدف عشان يقنع النَّاس إنه قنَّاص مُحترف.
المُغالطه دي تقدر تشوفها دايماً لما واحد يكون قدامه data كتير ف يبدأ يحط معايير من عنده عشان يختار اللي يناسبه من ال data ويستثني منها اللي ميفيدش آراءه أو مصلحته، وبعد كده يبدأ يستدل بإن ال data -اللي هو إختارها أساساً- بتأكد كلامه. الإشكاليه هنا منهجيّه، ومُرتبطه بمُغالطة الكرز Cherry Picking، الشَّخص ده معندوش منهجيه واضحه في تقييم المُعطيات والمعلومات وال data، ومعياره الوحيد هو “اللي يناسب فكرتي يبقا ذو قيمه، واللي ميناسبش فكرتي يبقا بدون قيمه” وبالتالي يستثني أي حاجه من ال data ممكن تتعارض مع طرحه ومع فكرته، وبعد كده ييجي يقول “بما إن ال data تتوافق مع فكرتي تبقا فكرتي صح” ويحاول يشغل اللي بيسمع عن إن ال data أساساً تم تحديدها بناءاً على اللي يخدم فكرة المُتكلم.
مثال: لو أنا جيت مثلاً وقولت إن في دراسه إتعملت على 20 لاعب تنس عشان تحدد العلاقه ما بين عدد سنين ممارسة التنس وسرعة ضربة الكوره، وإن الدراسه بينت positive correlation بحيث إن كل ما زادت سنين التدريب زادت سرعة ضربة الكوره، وإستدليت على ال correlation ده بإن في لاعب إتمرن سنه ولاعب اتمرن سنتين ولاعب اتمرن 3 سنين ولاعب إتمرن 4 سنين ولاعب إتمرن خمس سنين ولاعب اتمرن 6 سنين وكلهم سرعة الكوره عندهم أقل من لاعب إتمرن 7 سنين. ده ممكن يبان إنه كلام مقنع ومنطقي، كل ما اللاعب إتمرن أكتر كل ما كانت ضربة الكوره عنده أسرع. لكن لو بصيت على ال graph اللي في أول كومنت هاتكتشف إن باقي ال data مش بتأكد ال correlation ده وإن في ناس إتمرنت 3 و 4 و 5 و 6 سنين وسرعة ضربة الكوره عندهم أقل من اللي إتمرن سنه أو سنه ونص.
كل اللي أنا عملته هنا هو إني إختارت معطيات من ال graph عشان تأكد فكره مُسبقه عندي، وقدمتهالك وقولتلك إن فكرتي صح بناءاً على المعطيات دي. لكن لما تبص لل data كلها على بعضها هاتكتشف إن ال pattern اللي أنا مفترضها مش بتعبر عن كل ال data ولكن جُزء معين منها والباقي كله لا يتوافق مع فرضيتي.
عشان تقدر تتعامل مع المُغالطه دي لازم تركز في المنهجيه اللي بيكلمك بيحدد بيها ال data اللي عايز يناقشها وال data اللي عايز يتجنبها. يعني من الآخر متسلمش بأي pattern بتسمعها إلا لما تتحقق من إنها تنطبق على كل ال data المُتاحه مش مُجرّد عيّنه غير عشوائيه تم إختيارها بمعايير غير واضحه عشان تخدم إفتراضات المُتكلم.

(9) مُغالطة إستنتاج نتيجة إيجابية من مُقدمات سلبية Affirmative Conclusion from a Negative Premise Fallacy

**البوست ده هايكون صعب شويه، ف حاول تقراه بالراحه وممكن تحتاج تقراه كذا مره**
في المنطق الصوري formal logic عشان تقدر توصل لإستنتاج سليم لازم يكون عندك 3 حاجات:
1- مقدمه أساسيه
2- مقدمه ثانويه
3- نتيجه
ف مثلاً لو إستخدمت المثال الشهير:
1- كل إنسان بيموت (مقدمه أساسيه)
2- فلان إنسان (مقدمه ثانويه)
3- إذاً فلان هايموت (نتيجه)
مُغالطة Affirmative Conclusion from a Negative Premise بتحصل لما واحده من المُقدمات تكون سلبيه (بالنفي) وتحاول تستنتج منها نتيجه بالإيجاب. الصح هو إن لو في واحده من المقدمات سلبيه متقدرش تستنتج منها غير نتيجه سلبيه.
ف مثلاً:
1- في مصر سن المعاش هو 60 سنه (مقدمه بالإيجاب)
2- مفيش حد على المعاش من الأطفال (مقدمه سلبيه)
3- إذاً كل اللي تحت ال 60 أطفال (نتيجه بالإيجاب)
طبعاً واضح هنا إن النتيجه دي مش حقيقيّه لإن طبعاً مش كل اللي تحت 60 سنه أطفال. السبب في خطأ النتيجه هو إني حاولت إستنتج نتيجه إيجابيه من المقدمات اللي واحده منها منفيّه، في حين المنطقي كان إني أقول:
1- في مصر سن المعاش هو 60 سنه (مقدمه بالإيجاب)
2- مفيش حد على المعاش من الأطفال (مقدمه بالنفي)
3- إذاً مفيش طفل عنده 60 سنه (نتيجه بالنفي)

(10) مُغالطة الإلتجاء للطبيعي Argumentum ad Naturam

المُغالطه دي مزيج من الخطأ المنطقي والإلتباس اللغوي وهي مبنيّه بالأساس على conceptual metaphor معقده شويه ممكن نعبّر عنها بإن “الثبات إيجابي، والتغيُّر سلبي، الطبيعي ثابت، غير الطبيعي هو نتاج تَغيُّر في الطبيعي، يبقا الطبيعي إيجابي، وغير الطبيعي سلبي”.
الحدس والبديهه بيتم وصفهم بالطبيعي، العقل الجمعي بيتم وصفه بالطبيعي، التُراث بيتم وصفه بالطبيعي، البسيط بيتم وصفُه بالطبيعي، وبالتالي بيتم وصف كل ما لا يخضع للحدس والبديهه والإتفاق الشعبي والإختزال بغير الطبيعي وبالتالي بكونه أقل “حقيقيّه” أو أقل قيمة.
المُغالطه ممكن تتلخص في الصيغه دي:
1- (ا) طبيعي
2- (ب) مش طبيعي
3- إذاً (أ) أحسن من (ب)
كمية الأخطاء هنا كتير. أولاً بفرض إن فعلاً (أ) طبيعي و (ب) مش طبيعي، ده مش بالضّروره معناه إن (أ) أحسن من (ب). يعني لو انت مصدع مش هاتقدر تقيس جودة علاجين بناءاً على أنهي الطبيعي وأني اللي “مُركّب”، ولكن بناءاً على فاعلية كل واحد منهم والأعراض الجانبيه ليه. وبالتالي تعميم أفضلية الطبيعي هو مُجرَّد مُقدِّمه إفتراضيّه غير مُثبته في المُطلق.
ثانياً، مش كل ما يُمكن توصيفه بالطبيعي هو طبيعي فعلاً، يعني مثلاً من الطبيعي في العالم القديم إن الشمس تدور حوالين الأرض، ده اللي تقدر العين تشوفه وتأكده البديهه ولا يتطلَّب برهنه، وأي صياغه لطبيعة الأجرام السماويه وموقعها من الأرض كانت هاتبدو counter-intuitive ومُعارضه لما هو طبيعي. الطبيعي هنا هي metaphor أقرب للبديهي والمُستقرّ والمحسوس. ولكن مع تطوُّر أدوات العلم وإدراك أن المعرفه بالحواس قاصره وتحتاج extensions (بتعبير Neil deGrasse Tyson) بدأنا نكتشف إن ما كُنّا نظُنّه طبيعي هو مُجرَّد مُنتج قصور الأدوات بتاعتنا.
ثالثاً، المُستقرّ كطبيعي أوقات كتير بيكون مُنتج تاريخي-إجتماعي-لغوي. ف مثلاً لقرون كان بيتم النظر للمرأه بإعتبارها “أحدث” على الرجُل، ومن المُنطلق ده يُعتبر الرجُل “طبيعي” والمرأه صوره “غير حقيقيّه” منه. بناءاً على التصوُّر ده كان بيتم قَمع مُمنهج ليها ومُحاولات للسيطره عليها بإعتبارها مُمثِّل لغير الطبيعي، للمنزلي domestic، ولغير الناضِج immature. لدرجة إن ممكن تلاقي المرأه هي اللي بتمارس خطاب ذكوري يقمَع المرأه لإنها هي نفسها بقت مُنتج الفِكر الذكوري وهي نفسها تنادي بإن مكانها “الطبيعي” هو البيت.
بإختصار شديد، المُغالطه دي بتفترض إن في هيراركيّه يتفّوق فيها المنسوب “للطبيعه” على ما هو منسوب “للظرف التّاريخي” و “التدخُّل البشري” و “التأخر الزمني”، ولكن الإشكاليه هي إن الطبيعي وغير الطبيعي هي تصنيفات categories غير قابله للتعميم و elusive بحيث إنها تتطلَّب بحث وتوثيق شديد جداً قبل الإلتجاء ليها ويجب التّعامُل معاها حاله بحاله من غير ما نعمم إن كان ما يُمكن نسبُه للطبيعه هو بالضّروره مُتفوِّق.

(11) المُغالطة الغائية Teleological Fallacy و (12) مُغالطة إختزال السببية The Fallacy of causal Reductionism Fallacy

المُغالطتين دول ليهم علاقه بتحليل الظواهر، الأولى بتفترض دايماً إن كل ظاهره ليها telos أو غايه معينه. من المهم هنا تمييز الغايه عن السبب عشان أوقات كتير الناس مش بتعرف تميِّز بينهم. أما المُغالطه التانيه ف هي إختزال ظاهره مُعقّده في “سبب” واحد بس، في حين إن الظاهره دي على الأرجح هي مُنتج مُعطيات كتير وأشبه بشبكه مُعقده من العوامل.
مثال للمُغالطه الغائيه الكلام عن التطوُّر Evolution بإعتباره عمليّه مُستمرَّه وبتتحرَّك تجاه نقطه مُعيّنه من الإكتمال بتتوقف عندها عن كونها عمليه. التطوُّر كظاهره مرتبط بالمُحيط اللي بتعيش فيه الكائنات الحيّه، وبالتالي طول ما في تغيُّر في المُحيط هايحصل تغيُّر في الكائنات الحيه عشان تُلائم الحياه في المُحيط. وبالتالي التطوُّر مش “تصاعُد” تجاه شئ مُعيَّن أو نقطة ثبات هاتنتهي عندها “عملية” التطوُّر.
المثال تاني هو التصوُّر الماركسي اللي بيشوف صراع الطبقات الإجتماعيه والإقتصاديه بيتحرك ناحية يوتيوبيا هاتتحقق فيها العداله. مُشكلة التصوُّر ده إنه مُفترض إن الحِراك أو الصراع ده هاييجي عند نقطه معينه وينتهي وإن النقطه دي هي الهدف اللي بيتحرك ناحيته كل التاريخ.
المُشكله في المثالين اللي فاتو إنهم أطروحات إفتراضيه غير قابله للبرهنه، محدش عارف مسار التاريخ، ومن غير المُمكن إختزال “حركه” أو “عمليه” في كونها مُجرَّد خطوه تجاه “ثبات”، بناءاً على إيه تقدر تفترض إن الظاهره هاتتوقف عن كونها process وهاتنتهي لكونها وضع ثابت مُستقر؟
أما مُغالطة إختزال السببيه ف تقدر تشوف أمثله ليها كل يوم لما حد يحاول يحلل ظرف إقتصادي أو سياسي أو إجتماعي بإعتباره نتيجه مُباشره لعامل واحد فقط، وكأن الظاهره هي نتيجه مُباشره وحصرّيه جداً للسبب ده وإن السبب ده لو إتكرر في مكان تاني ووقت تاني هاينتج عنه نفس الظاهره.
شكل المُغالطه دي ممكن يكون كالتالي:
1- (ب) حصل بعد (أ)
2- إذاً (أ) فقط هو سبب ل (ب)
تخيل مثلاً إختزال الموقف الشعبي من الإخوان في 2013 في دعوات حركة “تمرُّد”، أو وصف الوضع الإقتصادي الحالي بإعتباره مُنتَج الحرب الروسيه الأوكرانيه فقط. اللي بيحصل هنا إنك بتتجاهل عوامل كتير جداً بتشكِّل الظاهره اللي بتحاول توصفها وطبعاً ده مش دقيق. المُشكله دي مُنتشره جداً في الإعلام والعلوم الإنسانيه بشكل عام، لإن تحليل الظواهر بيتطلب مُعالجة مُعطيات كتير جداً ودراستها كلها سواء بالبحث الكمي quantitative أو الكيفي qualitative بتكون شديدة التعقيد وبتاخد عقود من المراجعه والمُتابعه عشان تبدأ تبني تصوُّرات عن الظواهر المُركّبه.

(13) مُغالطة الرنجة الحمراء The Red Herring Fallacy

دي واحده من 13 مُغالطه إتكلم عليهم أرسطو في كتاب On Sophistical Refutations. الإسم بتاع المُغالطه جي من مُمارسه كان بيعملها اللي بيهربو من السجون، كانو بيستخدمو نوع مُعين من الرنجه الفاسده (لونها بيبقا أحمر أو بني لما متبقاش صالحه للأكل) على جسمهم عشان الكلاب بتاعت الشرطه متعرفش تتبع أثارهم وتجري وراهم.
المقصود بالمُغالطه هو إستخدام مجموعه من المُقدمات اللي مالهاش علاقه بالنتيجه. يعني مثلاً أنا عايز أوصل لنتيجه مُعيّنه وعايز أثبتها، ف عشان أحسسك بمنطقية اللي بقوله أستخدم مجموعه من المُقدمات اللي منطقياً مش بتوصل للنتيجه اللي أنا عايزها، بس انت هاتتشغل في مُناقشة المُقدمات ومش هاتاخد بالك إن مفيش رابط منطقي بينها وبين النَتيجه اللي أنا طرحتها. الهدف ببساطه شديده هو تشتيت إنتباه اللي بيسمع عن مشاكل تانيه في الحُجَّه.
في أشكال كتير من ال Red Herring في النّقاش، من الوارد إن الشخص يستدرجك للإصطلاح عشان يتجنَّب إشكاليه أكبر في كلامه، أو يستدرجك لجدل تاريخي عشان يبعدك عن سؤال أخلاقي، أو يسألك أسئله abstract عشان يدخلك في جدليّه مالهاش إنعكاس مُباشر على سياق المعلومه أو السُّؤال المُختلف فيه، وهكذا.
عشان تقدر تتعامل مع المُغالطه دي حاول بقدر الإمكان إنك تخلي اللي قدامك يشرح علاقة مقدماته بنتايجه ولما يستحضر نقطه جديده للنقاش إسأله بشكل مُباشر عن علاقة ده بالنقطه المُختلف فيها، لو النقطه فعلاً ليها علاقه هايقدر يشرح ده والفكره هاتوصلك، ولو مالهاش علاقه هاتلاقي ببساطه موضوع جديد بيتفتح لمجرَّد تجنُّب السُّؤال الأول. في أوقات كتير ال Red Herring هاتحصل في مناقشة الأمور المُجرَّده، وبالتالي حاول دايماً يكون في تطبيق مُباشر أو سياق مُباشر قابل للفحص والبحث لإن النقاش في المُجرَّدات عادة مبيوصلش لأي نتيجه.

(14) مُغالطة الإقناع بالنيابه Persuasion by Proxy
أنا هنا هاشرح مقصودي من المُصطلح لأني بعد ما رتبت الفكره في دماغي طلع المصطلح موجود فعلاً. الإقناع بالنيابه هنا هو إنك تتخطَّى قدرة الفكره على الإقناع وتلجاً لإقناع المُستمع من خلال سُلطة اللي إقتنعو بالفكره قبله. يعني خليني مثلاً إني عايز أقنعك تدخّن pipe، ف بدل ما أناقشك ف ليه التدخين شئ كويس هاحاول أقولك إن في ناس كتير قبلك إقتنعت بالتدخين وإعتادته، وبالتالي ف بالتأكيد تدخين ال pipe له وجاهه وإنت المفروض تقتنع بالفكره على إقتناع الآخرين بيها. والآخرين دول أنا ممكن أقولك إن منهم فلاسفه ورجال دين وسياسيين أدارو بلاد بحالها. بإختصار، الشخص اللي في موضع سُلطه ده بينوب عنك في الإقتناع بنتائج حجج معينه أنا بحطها قدامك.
هنا أنا بحاول أستدرجك لتخطِّي عقلك، وقبول أطروحتي بناءاً على قبول ضمائر وعقول الآخرين ليها. الفكره دي بتحاول تجنِّبك الصِراع مع عيوب الفكره نفسها، وبتمثلك رفض أطروحتي على إنه تشكيك في عقول وضمائر الآخرين ذوي المكانه والسُلطه الفِكريه/الأخلاقيه/الدينيه في المُجتمع. أصلك مش هاتبقا أعقل من فلان، ولا هاتفهم في أمور الصحه وما إلى ذلك من الدكتور اللي بيدخن، ولا هاتعرف تقيس أخلاقية الفكره أحسن من الفيلسوف فلان اللي كان بيدخن pipe.
ممكن تكون شايف الحيله ساذجه، لكن أؤكدلك إنك لو ناقشت أي فكره كلاسيكيه مُستقره هاتلاقي الفكره دي تُصاحب الإستدلال بالسُلطه، وتكاد تكون هي الغايه الأصليه من الإحتكام السُلطه، إنك تقتنع لمجرد إن فلان إقتنع، وبما إن فلان مكانه في الهيراركيه الأخلاقيه أو الفكريه أو الدينيه أعلى منك ف بالتالي قدرة الفكره على للتأثير في فلان تستوجب تأثُّرك انت كمان وتجبرك على الإقتناع بيها.
ده فلان غير تفكيره بسبب كذا، وفلان غير إنتماءه السياسي أو الديني بسبب موقف ما، يبقا أكيد الموقف ده كان مقنع وإلا تبقا بتشكك في فلان وفي ضميره وفي عقله. ببساطه يا جماعه كل الناس عندها أنماط فكريه يشوبها العوار والنقص، وكل الناس أنماطها دي ليها مداخل ونقاط ضعف، وبالتالي الناس بتكون أفكار وتهدمها طوت الوقت، وإن إختلفت مدة تكرار ده على حسب الشخص وحسب محورية الفكره، لكن الطبيعي إن الناس بتصدق في حاجات طول الوقت، ومينفعش تصدَّق لمجرد عقل أو ضمير ضمير حد تاني لفكره ما.
في مقوله حلوه في الرياضه بتقول “حتى مارادونا مكانش مارادونا كل يوم”. المعنى هنا إن الناس كانت راسمه صوره اسطوريه عن مارادونا، في حين إن مارادونا نفسه مكانش كل يوم بنفس المستوى اللي الناس رسمت صورته عليه. الفلاسفه كده، والمفكرين كده، والسياسيين كده، والعلماء كده. مش معنى إن الشخص حقق كفاءه عاليه في مجال ما إنه كان بيُعالج الأفكار والمواقف بنفس الدقه والكفاءه والعقليه النقديه طول الوقت. ومش كل تقصير معناه بالضروره إنه شخص كذاب أو جاهل. العقل مُعقد جداً، وزي ما بنتعلم من ال Neuroscience في عوامل كتير أوي بتتحكم في تفكيرنا وآلياته وسلوكنا كله نفسه.
بإختصار، من حقك عقلياً ومنطقياً وأخلاقياً ترجع خطوه لورا وتدرس معطيات أي أطروحه ومتقبلهاش لنفسك إلا لما تكون متيقِّن من إنها مقنعه ليك مش إنك واخدها على ضمير أو عقل حد تاني. وزي ما ده بيحميك من مغالطة الإحتكام للسُلطه هايحط عليك عبء كبير إنك تبحث بشكل صادق وتقرا بذهن واعي عشان تقدر توصل لنتايج عقلك يقبلها.

Similar Posts