|

في ذكري الإصلاح .. عفواً، النَّص وَحده لا يكفي

واحد من النقاط الكُبرى اللي أسهم بيها الإصلاح في الهرمنيوطيقا كانت أطروحة إن النصّ يُمكن تفسيره بنفسه ومن داخله، كبديل للطرح التقليدي الأرثوكاثوليكي اللي بيُحيل قراءة النصّ لسُلطان الكنيسه المُتراكم والمُتمثِّل في سلسلة التقليد المُقدَّس. نفس الطرح ده موجود تقريباً في كل جماعه دينيه، ف مثلاً ده نفس طرح أحمد صبحي منصور والقرآنيين، ونفس طرح جماعه يهوديه إسمها The Karaites ومعناها القارئين -أو مُتَّبعي الكتاب- إنفصلو عن التقليد الرابيني وإتشكل فكرهم في بغداد ما بين القرن السابع والتاسع الميلادي. في كل الأحوال دي الإدعاء هو إن تفسير النصّ مينفعش يتبنَّى أيّ مُعطى من خارج النَصّ، وإن النَصّ قادر على تفسير نصوصه الغامضه بنصوصه الواضحه.
____________________________
في البوست ده هاناقش الفكره بدون الإحاله لأي بُعد لاهوتي، هاحاول بقدر الإمكان التزم بالبعد الأدبي واللغوي للظاهره.
____________________________
في مقوله لطيفه بتقول “نحنُ لا نذهب للنصوص عرايا”. الفكره هنا إنك مهما تصورت إنك مُتجرِّد من الإنحيازات ومن التصوُّرات والقرارات المُسبقه وانت رايح للنص ف انت دايماً شايل معاك معطيات انت مش مدرك وجودها. بعض الباحثين زي Wetherell و Potter بيسموها Interpretative Repertoires، مش عارف أترجمها إيه بس ممكن أشرحها بإعتبارها الأدوات والمعارف والمعطيات اللي بتفهم بيها أي حاجه بتتعامل معاها. الفرق ما بين شخصين مش إن واحد عنده إنحياز والتاني لأ، ولكن إن واحد مدرك إن عنده إنحياز والتاني لأ، أو بمعنى أصح واحد مدرك إنه بيتعاطى مع الظاهره من خلال عدسة ال Interpretative Repertoires والتاني مش مدرك ومتخيل إن مفيش أي شئ بيفصله عن الظاهره اللي بيدرسها.
____________________________
اللي حصل في الإصلاح هو إسقاط لسُلطة نوعيه معينه من ال Interpretative Repertoires وهي التَّراكُم الطويل من أقوال الآباء والإقرارات الكنسيَّه مع الإحتفاظ بجُزء منها وهو قانون الإيمان (!) اللي هو في حد ذاته إقرار كنسي (!). السؤال المهم كان بعد ما نُسقط سُلطة المؤسسه نجيب التفسير منين؟ في لاهوتيين ومُفسِّرين كتير حاولو يحلو السُّؤال ده، ويبدو إن اللي حصل كان تبنِّي للعقائد الأساسيَّه وإعادة قراءه للنص في ضوئها، وكأنها retrospective reading، إحنا هانرفض سلطة المؤسسه بس هاناخد قراءاتها ونقول إننا بنوصلها من جوا النص نفسه. يعني من الآخر بتقول أنا معنديش مُعطيات خَارجه عن النص وانت عندك جوا.
واحد من اللاهوتيين دول كان لاهوتي من ما يُسمى كرواتيا حالياً إسمه ماتياس فلاتشيتش ولقبه فرانكوفيتش، في مقدمة كتابه حدد منهجيه صارمه للتفسير من ضمنها عدم الإلتجاء لقراءات آباء الكنيسه تماماً. بعده بقرن جه لاهوتي فرنسي إسمه ريتشارد سايمون وعلق على كتابات ماتياس فلاتشيتش وقال إنه إستخدام جزء كبير جداً من نفس القراءات الآبائيه اللي هو في مقدمة كتابه كان بيحذَّر من الإلتجاء ليها (راجع Grondin and Weinsheimer 1997, p.43). النقطه دي مثال -في وجهة نظري- بيعبَّر عن إشكالية الإصلاح ككل، إن الإدعاء الكبير Sola Scriptura أو “الكتاب وحده” غير قابل للتطبيق، والتطبيق الفعلي مُعاكس ومُخالف تماماً للشعار الكبير، وفي نفس الوقت الكل بينادي بيه ومُتوهِّم إن في قراءته قدر كبير من الموضوعيَّه والتنزُّه عن الإنحيازات والتراكُم التَّاريخي.
____________________________
يوم ٣ ديسمبر ٢٠٢١ كان في مناظره ما بين اتنين لاهوتيين بروتستانت هم ويليام لين كريج وجيمس وايت في برنامج Unbelievable عن مُعضلة الشر، وفي اخر المناظره دي وتحديدا بعد ساعه وعشر دقايق جيمس وايت كان بيعترض على إستخدام لين كريج لطرح اللاهوتي الكاثوليكي اليسوعي Luis De Molina وقال إن مولينا بيستخدم طرح مش كتابي وإنه كان ضد ال Sola Scriptura بإعتباره كاثوليكي، ف رد عليه لين كريج وقاله إن اللاهوت الإصلاحي يحتوي على نماذج ونظريات عن الله مش مبنيه على الكتاب المقدس ولكنها مُتَّسِقه معاه، وبعد كده قاله إن أي واحد متخيل إن الدوجما الإصلاحيه تم إستخراجها فقط من الكتاب فهو أكيد ميعرفش تاريخ اللاهوت الإصلاحي.
____________________________
الفكره بإختصار شديد إن مش هاتقدر تقرا نص بدون أدوات من خارج النص. الكلام اللي فوق ده كله مش معناه إن البديل التقليدي هو البديل الصحيح، ولا إن كل البدائل التانيه متساويه في القيمه بما إن في كل الأحوال القارئ هايحتاج منهجيه تفسيريه خارجه على النص، ولكن الخطوه الأولى في البحث هي إن الشخص يُدرك محدودية أدواته وطبيعتها، وإن الواحد ميناديش بشعارات هي في حد ذاتها من المُستحيلات ولا يُمكن تطبيقها لا منهجياً ولا منطقياً.
____________________________
حتى لو قررت تشتغل على النص لوحده من غير تاريخه التفسيري ف البحث المعجمي في معاني الكلمات هايحيلك ل corpora كبيره من النصوص المُعاصره اللي منها هاتحدد معاني الكلمات في كل حقبه زمنيه، وبعد كده محاولات التفسير هاتُحيلك للنصوص المُعاصره عشان تشوف فيها أساليب البلاغه المُستخدمه في العصر ده. وحتى سؤال التاريخ نفسه لما يتقاطع من الأدب هايخليك تدرس المُجتمعات والآثار ومنهجيات التأريخ وفلسفة العصر وكل ده هايشكل فهمك للنص موضع البحث. ف في كل الأحوال انت مش هاتقدر تقرا “النص وحده” واللي بيقنعك إنه بيعمل كده هو مجرد يجهَل إنه ميقدرش يعمل كده.
____________________________
يُتَّبَع …

Similar Posts