ريمونتادا الجسد

لفتره طويله كان غرور الإنسان وظنُّه المُبالغ فيه في نفسه مخليه يظُن إنه كائن ذو هَويّه أصيله تتخطّى الجَسَد اللي طاله تراث طويل من التّهميش والتَّحقير. ولكن مؤخَّراً علم الأعصاب وال Cognitive Psychology عملو “ريمونتادا الجَسَد” وأطاحو بالأطروحات الكلاسيكيّه اللي بتفصِل النَفس والهويّه عن كيميا المُخ.
سنة ١٨٤٨ الشاب Phineas Gage كان عنده ٢٦ سنه وشغال في شركة إنشاءات طُرُق. كان من ضمن شغل Gage إنه يستخدم متفجرات عشان يفضي المنطقه من الصخور قبل ما يبتدو يحولوها لطريق. مع واحد من الإنفجارات سيخ حديد طار وإخترق الخد الشمال ل Gage ودخل جمجمته ودخل في المنطقه الأماميه في المخ، غالباً في ال prefrontal cortex. قبل الحادثه دي Gage كان شاب مؤدّب وهادي و businessman شاطر، لكن لما فاق من الحادثه طباعه إتغيرت تماماً وإتحول لشخص وقح وعنيف ومهمل جداً في إلتزاماته، لدرجة إن شغله تخلى عنه وكل أصحابه وصفوه بإنه إتحول تماماً.
سنة ١٨٦٠ حصل حادث مشابه وإصابه في ال prefrontal cortex بردو للمُصور Eadweard Muybridge. لما فاق مكانش فاكر أي حاجه عن الحادثه، وشخصيّته بردو إتغيرت تماماً وبقا شخص عنيف ومُتقلِّب المزاج وإمتلاكي. سنة ١٨٧٤ قتل واحد كان شاكك في علاقته بمراته ومحاميه إستخدم تقلبات شخصيته من بعد الحادثه كدليل على جنونه.
سنة ٢٠٠٠، مدرس في سن الأربعين ظهر عنده ميل للبيدوفيليا بشكل مُفاجئ، وبالرغم من قناعته بإن البيدوفيليا غلط مكانش قادر يغيّر سلوكه، ولما الموضوع زاد تم عزله وإتهامه بالبيدوفيليا. في خلال مراحل الكشف عليه إشتكى من فقدانه للإتزان ولما عملوله اشعات إكتشفو إن عنده سرطان في ال orbitofrontal cortex في المخ ولما عملوله الجراحه وشالو المنطقه المتأثره بالسرطان رجع تاني شخص طبيعي.
في ٣ كتب مهمه جداً في ال Cognitive Linguistics هم Metaphors We Live By و The Body in the Mind و Philosophy in the Flesh (الأول ل George Lakoff و Mark Johnson و التاني ل Mark Johnson لوحده والتالت ل George Lakoff لوحده) الكتب التلاته بيركزو على الوعي واللغه والمفاهيم الاساسيّه اللي بندرك من خلالها كل شئ وعلاقتها بخبرة الوجود في الجسد. الأطروحه اللي بيقدموها هي إن الوعي مبني على شئ أسبق على الكلمات والدلالات، الوعي مبني على “الصوره” image schema.
في كتاب Multimodal Metaphor ل Forceville و Urios-Aparisi بيقول Francisco Yus عن مُمارسه بيستخدمها صانعي الرسوم المُتحرِّكه، سمّوها re-visualization of conventionalized verbal metaphors يعني إستخراج الصوره مره أخرى من إستعاره صوريّه بالأساس تم تحويلها لعبارات لغويّه. الترتيب بيمشي كالتّالي، الوعي من خلال تلاقيه بُمحيطه بيتعلِّم أنماط إسمها image schemata، بتكون non-propositional knowledge أو معرفه غير قضويَّه (غير مُرتبطه بقضيّه مُعيّنه يُمكن وصفها بالصحّه أو الخطأ)، يعني ممكن توصفها بإنها know how مش know that، حاجه كده أشبه بتمييز مارتن هايديجر لمعرفة المطرقه بالوصف ومعرفة المطرقه بالإستخدام.
ال image schemata دي بتتكون في الوعي من الطفوله نتاج خبرة الوجود في جسد (بحسب ال embodiment theory)، وبتشكِّل قطاع عريض من تعبيراتنا، ف مثلاً لما تتسأل عن حاجه وتقول “الموضوع ده خارج نطاق معرفتي” هنا بتستخدم CONTAINER image schema بتوصف معرفتك بإعتبارها “وعاء” بيحتوي على معلومات، اللي متعرفهوش يُعتبر خارج “الوعاء” ده.
نرجع تاني لكلام Forceville و Urios-Aparisi. بعد ما ال image schemata دي تدخل في اللغه verbalization والناس تعتاد إستخدامها عبارات وتراكيب لغويه مبيبقوش واعيين ليها ولا لأصلها في الوعي خالص، بيحصلها حاجه إسمها conventionalization والبُعد الإستعاري metaphorical فيها بيبقا فاعل ولكن غير ملحوظ تماماً. مع الإعتياد ده الإستعاره بتفقد قوّتها والناس بتبدأ تقراها كعبارات حرفيَّه literal. إنت نفسك عملت ده دلوقتي مثلاً لو قريت كلمة “الناس بتبدأ تقراها …” ومخدتش بالك من وصف عملية القرائها بإعتبارها طريق له “بدايه ومسار ونهايه”، ومخدش بالك لما قريت تعبير “أصلها في الوعي” اللي بردو بيفترض إن الوعي CONTAINER في داخله تصوُّر عن الأشياء.
اللي بيعمله رسّام الكارتون إنه بيرجع يحوِّل العبارات اللغويّه دي لصُوَر تاني، وهنا بيبدأ الوعي يتعامل معاها في صورتها الأوضَح ويُدرك ال image schema اللي وراها. بالمنطق ده ممكن تفهم الأطفال أكثر تفاعُلاً مع الكارتون ليه، لإن في سن صغيَّر رؤيتهم للأشياء مش مبنيّه على verbalizations أو توصيفات منطوقه ولكن على نوع أسبق وأكثر تَجذُّراً في الوعي وهو الصوره! الصوره مش الثابت، الصوره ممكن تكون صورة الحركه، وهو ده بالظبط المقصود بال image schemata اللي بتعبَّر عن علاقات الأشياء ببعض وبالحركه من غير ما تحتاج تعبَّر عنها بالكلمات. وكل ده أساسه الجسد، مفيش هنا وعي مُفارق تقدر ترسم بينه وبين الجسد خط فاصل.
ثورة مركزية الجَسَد ومُقاومة الفصل بين الجسد وما سُمِّيَ سابقاً بالنَّفس هي واحده من أهم الخطوات اللي مشيتها العلوم سواء الطبيعيّه أو الإنسانيّه في تجاه تحقيق فهم أفضل للهويّه والسلوك الإنساني. التقسيمات الكلاسيكيّه ال essentialist اللي إستغرقت في تقسيم الإنسان لجسد ونفس وروح أو جسد ووعي مُفارق وغيره حالياً مالهاش مكان في العلوم لإن الحدود الفاصله اللي تم التنظير ليها لقرون ما بين المادّه وما وراء المادّه بتدوب تدريجياً وبنلاقي إن الهويّه والوعي مُرتبط إرتباط وثيق بالمُخ. إصابه في المخ قادره على تحويل سلوك الشخص وتصُّوراته عن اللي حواليه، قادره على إفقاده بعض مكوِّنات لغته، وقادره على خلخلة الروابط السيميوطيقيه ما بين الأشياء والدلالات، ف ممكن اللي عنده إصابه في المخ ميعرفش يسمّي الأشياء بأسمائها أو ممكن يسميها بأسماء أشياء أخرى.

Similar Posts