تفكيك خطاب الكراهية

مفيش أيديولوجيا قائمه على هيراركيّه لا تدعو “لفظياً” للمُساواه، ومفيش ولا أيديولوجيا منهم بتحقق المُساواه “عملياً”. أي أيديولوجيا بتقوم في دعواها على إزدواجية الخطاب، تقدر تقول كده إنها inventory of conflicting discourses أو مخزون من الخطابات المُتناقضه بتطلع من الجماعه اللي يناسب الوضع الموقف اللي بتتعامل معاه. ف في خطابها الداخلي هاتلاقي كل جماعه بتمارس فوقيّه واضحه على الآخر، يعني لو الجماعه ذكوريّه هاتلاقي خطابها الداخلي ذكوري وهيراركي ضد المرأه، لكن في موقف تُلام فيه الجماعه لعدم المُساواه هاتلاقيها بتطلّع من الدولاب discourse المُساواه وتنفض التراب من عليه وتحطه قدام أي حد زي النيش كده، وتبقا تدخله الدولاب تاني لما دوره يخلص. يعني في تحليل أي جماعه أو مؤسسه لازم تكون على قدر من الوعي يخليك متحاولش ترسملها خط واحد أو discourse واحد ومتناسق. لازم تكون فاهم إن بقاء الهيراركيات قائم على تنوُّع الخطابات وتضارُبها في كثير من الأحيان. الأيديولوجيا الاقدر على البقاء هي اللي عندها كوكتيل يخليها تأصَّل لأي شئ عايزه تأصله وفي نفس الوقت تقدر تأصَّل عكسه بعد خمس دقايق لو تطلَّب ظرف خارجي تغيير الخطاب. دي حاجه يُدركها كل شخص مُدقق في جُعبة أفكار أي جماعه، ولكنها فكره تغيب عن العامّه والتابعين، اللي بيتم توجيههم بالخطاب بدون إدراك أكبر وأعقد للظواهر اللي بيؤدّي فيها الخطاب دوره.خطاب الكراهيه ينطوي دايماً على مُتناقضين، القُرب والبُعد، الإمكانيّه والإستحاله. اللغه مليانه بتعبيرات بتعبّر عن العدو أو المُخالف بالقُرب، وفي نفس الوقت وصفُه بالآخَر القريب هو تأكيد على إنه بعيد آيديولوجيا ومش مننا. يعني هاتلاقي في الصراع العربي الإسرائيلي تعبير “أولاد العم” بيستخدمه الطرفين في وصف العدو، وهاتلاقي المصريين في الكلام عن المُختلف بيسموه “أخينا”، والشوام بيقولو “الكلام إلك يا جاره!”. التعبيرات اللي من النوعيه دي بتوضّح إن خطاب القُرب مش مُتعارض منطقياً مع خطاب التَّذميم (من الذَمّ مش الذِمَّه) والإختلاف الخَطِر بل بالعكس بيكون مُكمِّل ليه. القُرب مش قُرب وجودي ولكن قُرب مكاني، والقُرب المكاني مع الإختلاف هو بالظبط وصف الخطر والتّهديد. الآخر البعيد مكانياً مش خطر زي الآخر القريب مكانياً، وبالتّالي القُرب المكاني والبُعد الآيديولوجي بيتم التّعبير عنهم والتأكيد عليهم من خلال عبارات زي السّابِق ذكرها، وفي تحليل خطابات الكراهيه بين الجماعات مينفعش التَّشديد على مُفردات القُرب من غير ما يُحصى معاها مُفردات الإبتعاد والإغتراب والتّحقير، لإن كلهم وإن كان يبدو بينهم تعارُض إلا إنهم مُكملين لبعض في وصف ظاهرة “الخطر القريب”. الإلتجاء للتناقض الخطابي كحل لمُشكلة خطاب الكراهيه بيكون مُجرَّد آداه لإبقاء الوَضع القائم بدون الإلتجاء لأي منهجيّه للتَّهذيب الآيديولوجي.أيديولوجيا الكراهيه مش مُرادف للتحريض المُباشر على الأذى -وإن كانت بعض الأيديولوجيات معندهاش مانع مع المُجاهره بدعوات العُنف المُوجَّه- لكن هي نطاق واسِع من المُمارسات والخطابات اللي بتبدأ بالتمييز والنبذ والتحقير حتى المنع والتضييق والتجريم وأخيراً الإيذاء والقتل. يعني تلقيب شخص ما بوصف للتحقير أو تجريمه إجتماعياً هي خطوه تجاه مُمارسات أكثر عُنفاً وأكثر إيذاءاً. وبالتّالي مفيش حاجه إسمها تهاون في إستخدام عبارات وألقاب تحت مدعاة إنها مُجرَّد توصيفات descriptions بلا أي قوّه تقييميّه evaluative أو تأسيسيّه constitutive لهويّتهم اللي بيعاملهم بيها المُجتمع، بمعنى أصح هي تصنيفات categories ليها نتايج ويترتب عليها طريقة تعاطي الأغلبيات مع الفئات اللي بيتقسم تحتها الأقليات. الحَذَر ده يختلف عن الإلغاء، الموضوع مش كتم حرية الرأي ولكن في جانب مهم من الصوابيّه السياسيّه مش خاطئ منطقيّاً -التطرُّف فيه والحساسيّه المُفرطه في تطبيقه مؤذيه- لإن في أيديولوجيا معندهاش أي مُشكله بالمُجاهره بالعُنف والإقصاء الأخلاقي والإجتماعي، ولما بيتم التّركيز على عواقِب المُمارسات دي بيتم تبسيطها تبسيط مُخل oversimplification وتقليل reduction مدلولها لمُجرد مُفردات وكأن المُفردات دي بلا عواقِب إجتماعيّه وسياسيّه ودينيّه. في مُجتمعاتنا العربيّه كمان إحنا لسه ممشيناش أي خطوات تجاه تقنين العُنف الخطابي discursive واللغوي وبالتّالي التّأخُّر في وَضع خطابات العُنف تحت ضوء النَّقد هو حاجِز كبير وحقيقي في طريق الإصلاح الإجتماعي والحُريات والحقوق.

خطاب الكراهيه هو بالأساس خطاب فَوقي بينظَّر لعلوُّ superiority جماعه على حساب آخرين. الكراهيه هي ميكانيزم الدفاع اللي بتحاول كل جماعه تحمي بيه أعضائها من الخروج عنها والإنضمام للآخر، وبالتّالي فالآخر لازم يتِم تقبيحه وتشويهه والحَط منُّه عشان أولاً ميبقاش مُلفت وثانياً يتم إسقاط منطقه بدون الحوار معاه. طب تيجي تسألني، ليه الجماعه تخشى الحوار مع الآخَر؟ في رأيي لسببين، الأول يتعلَّق بالحدود اللي بترسمها كل جماعه لنفسها وللآخر، الحدود اللي بتكون في أوقات كتير وهميّه، وهاتنكشف وهميتها بالحوار، وبالتّالي فالحل هو الكراهيه واللا حوار. السبب التاني هو إن أي حوار بيخلي أي شخص بيتحلّى ببعض العقل يعيد قراءة بعض الأمور، والجماعه مبتحبش تغيُّر الرأي. تغيُّر الرأي يعني أسئله جديده ودي لأي أيديولوجيا أكبر شرّ. الأيديولوجيا تتعايش على التناقُل والتنميط الداخلي، لكن يضرّها جداً أي حوار مع الآخر. وبالتّالي الآخر لازم يختفي، ولو مش هاينفع يبقا لازم يسكت، وعشان نضمن إنه ميأثرش لازم يتعزل ويتشوِّه. وبالتّالي عايز تقضي على خطاب الكراهيه إخلق حوار وإفتح أفاق التساؤل وسيب الناس تشوف أرضياتها المُشتركه وتكتشف إن الصور اللي بترسمها آيديولوجياتهم عن الآخر مشوهه وناقصه وغير مُنصفه.

يوم 7 ابريل كاهن قبطي إتقتل بسكينه على الكورنيش في إسكندريه وهو ماشي مع مجموعه من الشباب من الكنيسه. في فيديوهات ظهرت بعد كده للقبض على القاتل وباين من شكله إنه homeless. بغض النَّظر عن إيه اللي هايحصل في الموضوع ف الموقف ده كاشف لنقط كتير هاتكلم عن شويه منها هنا وهاسيب أسئله كتير مفتوحه والإجابات متروكه لقراءة وتحليل كل واحد.

1- “الخلل النفسي”
الشَّخص ده من مظهره ممكن يكون مُختل فعلاً، ولكن الإشكاليه هنا تتخطى حالته النفسيه والعقليه. لو ده واحد homeless فعلاً ف هو شخص طول اليوم في الشارع. الشخص ده قرر في لحظة ما إنه يهاجم حد، وإختار يهاجم شخص له هويه مُحدَّده باينه من لبسه. ده معناه إن القاتل عنده معايير مُعيّنه بناءاً عليها إختار يسيب الآلاف اللي بيشوفهم في الشارع ويهاجم كاهن مسيحي.

وده ينقلنا للنقطه اللي بعدها، هل معايير الإختيار اللي بناءاً عليها تم إستخدام العُنف هي معايير شخصيّه ولا هي بناء إجتماعي؟ هل إشكالية الهويّه هنا هي مُجرَّد موقف فردي ولا إشكالية الهويّه هي مُنتج تصدير صُوره مُعيّنه بتُحفِّز العُنف الفئوي والهوياتي بيقدر كتير من المُتزنين نسبياً يسيطرو عليها -يمكن ببعض الجَهد النفسي والخوف من القانون- ولكن مقدِرش الشَّخص المذكور يعمل ده لسبب نفسي أو عقلي وحوِّل الإستهداف الهوياتي اللفظي لمُمارسه؟ صيغه تانيه للسؤال، هل الجريمه دي هي الظاهره الكامله ولا هي مُجرَّد the tip of the iceberg؟ هل المُتهم هو اللي ضرب بالسكينه ولا كل من شارَك في تحويل تقديم هويّه مُعيّنه بصوره تجعَل منها هدف؟

2- التحرُّش وال trigger
في تشابُه بين اللي حصل وبين مواقف كتير من مواقف التحرُّش بيستخدم فيها فكرة ال trigger. لما بتروح بنت تشتكي من موقف حصل معاها في الشارع بتكون أول حاجه بتتقالها “أكيد إنتي عملتي حاجه لفتت النظر” وكأن المطلوب من الفئات الأقل قدره على إستخدام العُنف إنهم يفضلو دايماً في الضل، ومُجرَّد ظهورهم في أي مكان يُعتبر بمثابة “إستفزاز” أو “دَفع” لمسار مُعيَّن من العُنف.
القصه اللي من الوارد إنها تنتشر اليومين الجايين هي إنه مُختل وإنه was triggered بسبب هويته، والإشكاليه هنا زي ما قولت في النقطه اللي فاتت مش في كونه مختل، لإن المُختل ده مهاجمش الآلاف من اللي بيعدو قدامه في الشارع ولكن في ال social construction اللي خلّى هوية مواطن مصري تتحول لعدوّ. يعني التمييز بييجي الأول وبعد كده بيحصل ال trigger، ووجود ال trigger مش معناه إن الظاهره بدأت من عند ال trigger ولكن السؤال هو إيه اللي خلى ده يبقا triggering من الأساس.

نفس الفكره تنطبق على موقف البنات في الشارع من ظاهرة التحرُّش. السؤال مش البنت عملت إيه triggering ولكن إيه اللي خلى واحد في الشارع يبقا triggered لمجرد مرور بنت في الشارع. المُغالطه دايماً هي الوقوف عند الموقف بدون تحليل مُسميات الأشياء. البنت ببساطه بيتم التحرٌّش بيها لإن ال social construction اللي بيتقدم عنها هو إنها كائن منزلي وخاص، مُجرَّد خروجها للمساحه العامّه بيُعتبر إقرار منها بتعدّيها للحدود الآمنه لوجودها، بتخرج من الخاص للعام، وبالتّالي اللي في الشارع بيعتبر ده consent أو موافقه منها على أي ردّ فعل منّه ويمكن كمان “رغبه” في إنه يتقرَّب منها. والسؤال هنا هو “إيه هي الصوره اللي بتتقدم عن الفئتين دول في المُجتمع: المرأه والأقليات الدينيه؟”.

3- أزمة الخطاب
المُجتمع المصري مُجتمع مسحوق بين حجرين. هو مُجتمع بيحاول يتحرَّك تجاه الحداثه، وفي نفس الوقت مُجتمع متكتّف بأزمات الهويّه. إحنا مُجتمع مفيش فيه أي إتفاق عن “إحنا مين”. أزمة الهويّه بتخلّي كُل مجموعه هدف مُباشر وسهل لمجموعه من ال influencers، وأي خطاب بيستهدف مجموعه هايبتدي يشكّلهم كمجموعه في مواجهة “الآخر” أو “الآخرين”. من الآخر، كل influencer لو مصدَّرش للي بيسمعوه هويّه تحسسهم بالفوقيّه هاييجي influencer غيره يحققلهم ده وهايستقطبهم. في ضوء غياب الهويّه وتداول مصادر الفوقيّه (الأخلاقيّه والسياسيّه والدينيّه والإقتصاديّه) هايكون في قطاع كبير معندوش مُشكله يفهم الفوقيّه دي بإعتبارها الخطوه الأولى تجاه “القمع”. لو أنا superior عليك ف أنا من حقّي أكون superior بالفعل مش بمُجرَّد القناعه. الدايره دي بتفضل توسع لحد ما يقرر يمارس الفوقيّه دي على بنت في الشارع، أو على مُخالف ليه في الفكر، أو على مُخالف ليه في الرأي السياسي. لحد ما هاييجي واحد هايحوّل ده لعُنف ماديّ … لإنك ببساطه شديده متقدرش تصدَّر العُنف للنّاس وتقول أصل أنا قولتله إنه الأفضل والأقوى والأقرب للحقيقه والأكثر إستحقاقاً والأصدق إعتقاداً والأبَر أخلاقياً والأكرم موتاً وإن الآخر مُنحلّ ومنزلي ويكمُن الضَّغينه وكذوب وأقل إنتماءاً للوطن ولصحيح الإعتقاد بس مقولتلوش إقتل. البشر معندهاش الفواصل القاطعه بين العُنف اللفظي والبدني، ومُجرَّد ما إديته مفاتيح دونية الآخر إنت بتديله ال selection criteria اللي يستهدف بيها أي حد وقت ما يشوف في هوية الآخر “trigger”.

بناءاً على ما سبق، الحل في مفهوم الدَّوله والقانون مش في الطبطبه على المُجتمع والكدب عليه بإنه صالح وخيِّر ومن أكثر المُجتمعات تماسُكاً وهو من الأصل مفيهوش فئه مش بيتم إغتيالها سواء على الهويه أو النوع. خطاب الكراهيه لا يختلف عن خطاب العُنف والإستهداف الفئوي والقانون لازم يسري على الإتنين.

في كتاب Discourse Dynamics: Critical Analysis for Social and Individual Psychology بيقول Ian Parker “الثقافة مُتناقضة! نحنُ دائماً مُضطرُّون للإقرارِ بوجودِ خطاباتٍ [discourses] مُتناقضة في نصوصها، وهذا التناقُض هو ما يفتح باباً للمُقاومة، لرفضِ الإستجابة للمعانِي السائدة” (2014:p.49). فكرة Parker هنا مبنيّه على تفكيكيّة Derrida اللي أساسها هو إكتشاف التناقض الفلسفي والخطابي في دواخل الأفكار والنّصوص، عشان نقدر من خلال ده نتحرَّك تجاه رؤى جديده أبعد عن الأصوليّه والرؤى والمعارِف المحصوره في لحظه مُعيّنه من التّاريخ synchronic.

عشان تقدَر تغيَّر القراءه الكلاسيكيّه أو الفهم الكلاسيكي لمجموعه أو نصّ، الخطوه الأولى هي إنك تراقب ال patterns اللي بتتبني بيها الأفكار، وتطرح على الأبنيه الفكريّه دي مجموعه من الأسئله، ويكون عندك منهجيّه في إستخراج إجابات سواء من الأشخاص أو النصوص body of literature. كل ده يتطلَّب إن الشّخص يتكلِّم أو إن النَصّ يُستحضر للنِّقاش، الصَّامِت مجهول، والمجهول لا يُمكن تفكيكه … خليه يتكلِّم ويظهَر وينتَشِر عشان تعرَف تشوف تناقضاته وتفككه.

في دراسه إتعملت سنة 2014 وإتنشرت في SAGE بعنوان Conflicting Discourses in Qualitative Research: The Search for Divergent Data within Cases لاحظ الباحثين التلاته Antin و Constantine و Hunt بعد ما عملو مُقابلات و surveys مع 20 واحده من ال African Americans إن آرائهم بخصوص جسمهم بتنطوي على خاطبين مُتضادّين، الأول هو موضوع “حبي نفسك زي مانتي” و “شكل الجسم حاجه طبيعيّه وهاتحصل هاتحصل” والتاني خطاب “أنا شكلي وحش” و “لازم وزني يقل” و “الناس الرفيعه معرضين بنسبه أقل للإكتئاب”. اللي لاحظوه كمان في الدراسه دي إن في بعض الأحيان كان نوع الخطاب ليه علاقه بنوع الأسئله اللي في ال survey. وبالتالي نقدر من الدراسه دي نشوف أهمية “طرح الأسئله” و “إستخراج الإجابات” لرَصد التناقُضات والبناء عليها.

في دراسه تالته كنت إتكلمت عنها قبل كده، موجوده في كتاب Mapping the Language of Racism: Discourse and the Legitimation of Exploitation بتحكي Margaret Wetherell و Jonathan Potter نقدر نشوف فيها إن الخطاب دايماً متناقض ولو إنه لو مش متناقض تأثيره هايقل! أو بعباره اخرى أكثر دقّه، من علامات إحتمالية بقاء الخطاب وإنتشاره إنه يكون مُتنوّع بدرجه كبيره تخلي ناس كتير َتتعاطف معاه وتتبناه على إختلافاتهم وتنوّعهم، وده يتطلّب آن الخطاب يكون بيعرض أفكار كتير منهم مش بالضّروره مُتّسق لكن قابل للتأطير في الخطاب. واحد من الأمثله اللطيفه للتعارُض ده إتكلمت عنها Margaret Wetherell و Jonathan Potter موجود في تحليل خطاب بعض السكان النيوزيلانديين المنتمين للسكّان ال Pākehā في كلامهم عن أحفاد ال Māori. في تحليل خطاب واحد من ال Pākehā إسمه Sargeant كان بيتكلم عن التغيرات اللي حصلت في مُجتمعه ف كان بيقول إن الزمن الحالي بقا فيه الشباب بيقاومو السُلطه العائليه والتقاليد ووصف ده بشكل سلبي جداً. على الجانب الآخر، في حوار تاني ليه Sargeant إتسأل عن إزاي يقدر يوصف ال Pākehā وآزاي هم مُختلفين عن ال Māori والأمريكان والبريطانيين ف كان من ضمن النقط اللي إمتدحها في ال Pākehā إنهم مش بينفذو الأوامر لو مش مقتنعين بيها. هنا Sargeant عنده خطاب موجه للشباب بيتبنى فيه قراءه سلطويه وعايز الشباب تخضع لضوابط العائله والتقاليد، بس في نفس الوقت بيتمدح في جيله أو بالأصح في جماعته هو في مُقابل الآخر ال Māori اللي هو بيوصفه بالبربريّه وضعف الذكاء بالمُقارنه بال Pākehā الأبيض وفي مُقابل الأمريكي والبريطاني إنه مش بيخضع ومش بيسمع ومش بينفذ لو مش مقتنع.

هنا الخطاب فيه تناقض داخلي، ولكن كل discourse ليه ناس معينه بيأثر فيهم وبيسمعوه ونفس الشخص ممكن يتبنّى الإتنين في نفس الوقت، واحد في التعامُل مع جماعته وواحد في التعامُل مع الآخر. ف مثلاً Sargeant ك واحد متقدم في السن بيعيب على الشباب تحررهم من التقاليد، وكواحد من ال Pākehā بيشوف التحرر وعدم الإنصياع واحد من القيم اللي بتميّزه عن الآخر الأمريكي والآخر ال Māori عديم التحضُّر. من الآخر، الخطاب هو سلّه كبيره مش من مصلحتها تكون محدوده ومتّسقه، لازم تكون repertoire متنوّع ومتضارب عشان توصل لأكبر قدر من الناس وينشر الأيديولوجيا الأساسيّه بتاعته.

أفكار البشر ومحتويات النصوص في أي لحظه من الزمن هي مُنتج تراكُمات تاريخيّه كبيره. ولأن التاريخ هو “عمليه” أو “حركه” مُستمرَّه ف كل مرحله فيه بتنتج خطاب مُختلف عن اللي قبلها واللي بعدها. الخطابات دي بتتراكم وتتناقض وتتوافق وتختلف لحد ما بييجي حد يحتويها كلها في نص أو في نمط فكري واحد. ولما ده بيحصل بيظُن الجَمع إن الإحتواء ده بينتُج عنُّه إتساق داخلي وإن كل الأفكار دي يُمكن قراءتها قراءه واحده صحيحه لا يتعارض فيها فكرتين. ولما ده بيستقر بتبدأ الأصوليه والجمود ومُقاومة التَّغيير.
من أدوات الأصولية في البقاء هي إن كُل ما تنشأ مُشكله إجتماعيّه أو فكريّه بسبب خطاب أصيل فيها تروح تفتح ال inventory بتاع كوكتيل الخطابات تستخرج منه خطاب مُعاكس وتقلل من تأثير الخطاب الأول بالتّاني، ولكن ده مبيحلش مُشكلة وجود الخطاب اللي سبب المُشكله بالأساس، ده مُجرَّد مُسكِّن أو diversion “إلهاء” لحد ما المُشكله تهدا (مش تتحل). وبعد ما المُشكله تهدا شويه بيرجع الخطاب الأول -سبب المُشكله- للسطح تاني وتُطرح نفس الجدليات ف يُستخرج الخطاب المُضاد مؤقتاً ف تهدا المُشكله وهكذا وهكذا. وبالتالي الحل مش نفي خطاب بالتّاني ولكن إدراك إن التناقُض قائم وحقيقي وإنه مُنتج التراكُم التاريخي.

التخلُّص من الجمود بيتحقق بإعادة إستدعاء الحركه داخل النصّ. Derrida إقترح فكرة “اللعب الحُرّ” jeu libre، وهو نوع من إعادة القراءه وإعادة التفسير وإعادة طرح الأسئله من زوايا متنوّعه ومن خلال ده هاتقدر تشوف الأفكار المُتناقضه وغير المُترابطه اللي بيقوم عليها النَّص والنَّمط الفكري، ولما تقدر ترصُد الظواهر دي تقدر تستعيد زمنيّة النصّ وزمنيّة الفِكر ومن هنا تفتح الباب للحركَه ناحية “الجديد” وناحية قراءات أكثَر قبولاً للواقِع وللحاضِر وللحياه.

#johns_literary_bites

Similar Posts