تحليل لغوي للخطاب الأخير لمبارك بتاريخ 10 فبراير 2011

التحليل اللي فات كان لخطاب تنحي جمال عبد الناصر اللي كتبه محمد حسنين هيكل، وقولت فيه إن الخطاب كان مكتوب بحرفيّه عاليه وحقق المطلوب منه. المره دي هانشوف خطاب نتيجته كانت عكسيه تماماً ومن بعده بان إن موقف مُبارك ضعيف ومُهتز وكان رد الناس عليه في ميدان التحرير -على عكس تفاعُل الناس مع خطاب جمال عبد الناصر- إنهم إبتدو يقولو “إرحل يعني إمشي ياللي مبتفهمشي”. يا ترى ليه خطاب مُبارك مكانش مؤثر؟ تعالو نشوف.
لو تفتكرو خطاب عبد الناصر كان مبتدي بإنه بيجمع الناس على قلب واحد، على العكس، خطاب مُبارك -اللي معنديش فكره مين اللي كتبه لإن كان في أكتر من إسم بيكتب لمبارك- بيفصل فصل حاد بين مجموعتين: (1) الشباب، (2) الجيل السابق. دي أول غلطه كبيره إرتكبها اللي صاغ الخطاب. النقطه التاني اللي عمل فيها شئ شبه اللي عمل هيكل وكان غير موفق فيها تماماً هي إنه حاول يجنِّب مُبارك الخِلاف مع اللي في ميدان التحرير، وكأن الخلاف مع مجموعه من موظفي الدوله ومبارك بعيد تماماً عن الموضوع. وده حاول يعمله بجمل زي “لن أتهاون في معاقبة المُتسببين بها بكل الشدة والحسم، وسأحاسب الذين أجرموا في حق شبابنا بأقصى ما تقرره أحكام القانون من عقوبات رادعة”. النوع ده من التبرئه كفيل إنه يستفز الناس أكتر ما يهديهم. وطبعاً النقطه التالته الكارثيه في الخطاب إنه فصل مبارك عن الشعب تماماً بإنه لما إتكلم عن اللي ماتو في المُظاهرات “شهدائكم وجرحاكم”، أينعم تلافاها في الجُمله اللي بعدها وقال “شهدائنا” لكن الغلطه دي أكيد هاتسمَّع بشكل سلبي جداً في آذان السامعين.
بعد كده بيعمل مُقابله بين شباب التحرير اللي بيوصفهم بالنقاء والتحرر، وإنهم بيطلبو مطالب عادله ومشروعه، وبين الناس اللي بتحاول تُملي عليه –على مُبارك من خلال الشباب يعني– إملاءات أجنبيه. وطبعاً الجُمله دي غير موفقه تماماً لأنك مش هاتعرف تهدِّي مجموعه بتتظاهر بإنهم تخوِّنهم حتى وإن كُنت بتعمل ده بشكل مُبطَّن. والجُمله دي وإن كان اللي كاتب الخطاب مش مُبارك نفسه ولكنها بتعكس إنه مكانش مقدَّر لحد الوقت ده حجم الحدث وحجم الإعتراضات اللي كانت في الشارع.
في الفقرات اللي بعدها بيتكلم مبُارك بضمير المُتكلم “أنا” وبيقول إنه طرح رؤيه للخروج من الأزمه بطريقه دستوريه شرعيه تتلخص في الإنتقال السلمي للسُلطه، وبيقول إنه عمل لجنة دستوريه للإشراف على الحوار الوطني ودراسة التعديلات المطلوبه في الدستور، وبيسرد التعديلات دي بإعتبارها نتيجة عمل يوم واحد! في يوم واحد تقدم بتعديلات المواد الخاصه بصلاحيات رئيس الجمهوريه وإلغاء الماده 179 بتاعت قانون الطوارئ. واللي جه في ذهني وأنا بقرا البيان بعدها ب 12 سنه هو “طب ماهي سهله أهي، ما كان من بدري!”. والحقيقه إن الجُملتين دول كان الهدف منهم يبينو حسن النيه، لكن اللي هايوصل منهم مباشرة إن الموضوع كان يخلص في يوم واحد من بدري، بس بعد 30 سنه محصلش فيهم التعديلات دي بقت سهله ومُقترح قابل للتنفيذ بمجرد ما الناس نزلت الشارع. يعني من الآخر الجملتين دول بيبينو ضعف موقف مُبارك أكتر ما بيعكسو حُسن نواياه.
بعد بكده بيتكلم عن مخاطِر الموضوع على الإقتصاد وبيقول إن الموضوع مش شخصي وإنه مش متعلق بنفسه، قال حرفياً “اللحظة الراهنة ليست متعلقة بشخصي، ليست متعلقة بحسني مبارك، وإنما بات الأمر متعلقا بمصر في حاضرها ومُستقبل أبنائها”، والحقيقه الجُمله دي فكرتني بخطاب عبد الناصر اللي كتبه هيكل واللي قال فيه “إن قوى الاستعمار تتصور أن جمال عبد الناصر هو عدوها، وأريد أن يكون واضحاً أمامهم أنها الأمة العربية كلها وليس جمال عبد الناصر”. هل كان كاتب خطاب مُبارك في ذهنه خطاب هيكل فعلاً؟ هل كان بيحاول يمشي بنفس الخط وبيستلهم نفس البِنيه أملاً في إستخراج نفس رد الفِعل؟ ممكن في بوست جي أقارن بين الإتنين أكتر ونشوف تشابُهات وإختلافات البنيه مابينهم بالتفصيل.
في الفقره من “لقد كنت شابا مثل شباب مصر الآن” إلى “يحز في نفسي ما ألاقيه اليوم من بعض بني وطني” وهي فقره من 104 كلمه، إستخدم مبارك ضمير المُتكلم 16 مره، بالإضافه بمره أشار لنفسه بإسمه. الفقره دي بيحاول فيها يسرد اللي عمله للبلد من ساعة خدمته في الجيش لحد اللحظه الحاليه. وده تشابُه تاني مُثير مع خطاب عبد الناصر. في خطاب هيكل في فقره مُشابهه من 122 كلمه، عمل فيها عبد الناصر نفس الشئ وسَرَد إنجازاته لكن مقالش إنها إنجازاته الشخصيه لكن قال “جيل الثوار”. في الفقره دي أشار هيكل ل 12 إنجاز حققهم عبد الناصر مخفياً في إستعارة “جيل الثوار”. وترتيب الفقرتين دول ورا بعض في الخطابين إشاره تانيه لإن كاتب خطاب مُبارك قد يكون حاطط خطاب عبد الناصر قدامه فعلاً.
الفقره الختاميه من 121 كلمه، بيغير فيها ال tone وبيستخدم ضمير المُتكلم الجمع “نحن”، بيردد فيهم 21 مره كلمات وأفعال بتتكلم عن فِعل جماعي لازم يقوم بيه الشعب، زي “سنثبت، قدرتنا، قراراتنا، تمسكنا، فلاحينا، عمالنا، مثقفينا، شيوخنا، شبابنا، أطفالنا، أبنائنا”، وده بيعمل contrast مع الجُزء الأول من الخطاب اللي كان مُبارك بيتكلم فيه عن نفسه ومن زاويته أكتر ما هو بيتكلم عن الشعب نفسه. لو خدت بالك الخط ده كان معكوس في خطاب عبد الناصِر، بدأ بالكلام عن الشعب وإنتهى بضمير المُتكلم المُفرد، خطاب مُبارك مشي بالعكس، بدأ بالكلام من زاوية المُتكلم المُفرد وإنتهى بضمير المُتكلم الجَمع, طبعاً قد يكون إختلاف الموقف هو اللي إستدعى الإنعكاس ده. في موقف عبد الناصر الشعب مهزوم وفي اللحظه دي مكانش الهجوم على عبد الناصر نفسه وإن كان حُكمه في موضِع إهتزاز وشك، وبالتالي هو كان محتاج يجمع الناس حواليه أكتر ما هو محتاج يدافِع عن نفسه. في حين إن موقف مُبارك هو إن الناس في الشارع already وهو محتاج يكسبهم في صفه عشان يرجعو بيوتهم وسيبيوه يتصرف في الموقف. وبالتالي خطاب مُبارك بدأ بتشديد كبير على تبرئة نفسه وإتهام اللي في الميدان بإنهم بيُستغلو في مؤامره على البلد ولكنهم حَسِني النيَّه ومُخلصين في حُب البلد.
المُنتج النهائي لخطاب مُبارك كان إن الناس شافته إستفزازي وإن مبارك بيتجاهل المطلب الأساسي المُوجه ضده شخصياً وهو إنه يتنحى، عشان كده المطلب اللي خرج من الناس بعد الخطاب كان “إرحل يعني إمشي ياللي مبتفهمشي!”، الخطاب لم يتجاوب مع مطالب الناس، وأعتقد إن الخطاب لو كان ضمن للناس رحيل مبارك في يوم مُحدَّد وإجراء إنتخابات ديموقراطيه بعد خروجه من الصوره تماماً كان ممكن يكون تأثير الخطاب مُختلف وكان وارد الناس ترجع بيوتها. لكن الهدف الحقيقي من الخطاب كان المُماطله، وإنه يستمر في الحُكم على إنه “هايبقا يظبط الدنيا اليومين اللي جايين”، وهو ده اللي الناس علقت عليه بإعتبار إنه عدم فهم للمطلب الأساسي. انت طالع تقولنا إنك هاتجيب حق اللي ماتو، لما أساساً انت اللي متهم فيه، ف بأي منطق طالع تقول إنك انت هاتقتص من الجُناه! سوء صياغة خطاب مُبارك خلى موقف مُبارك أسوأ بكتير لأنه أظهر ضعف موقفه وأكد قوِّة المُطالبات اللي كانت في الشارع، ويمكن صياغه مُختلفه مُحدده أكتر وحاسمه أكتر في تنحيه كان ممكن تحل الموقِف أسرع وبشكل أفضل بالنسباله.

Similar Posts