المسيحية وفقه العُنف: من المسيح لأغسطينوس والأكويني

(1) مُقدمة ومدخل لموقف المسيح من العُنف
في الكذا بوست اللي فاتو على فيسبوك إتكلمت عن إن المسيحيه بتقدِّم نُسخه pacifict (هاعرَّبها ل “سلاميَّه” في المقال ده) ومعندهاش نظريه للعُنف. في حين إن الإمبراطوريه الرومانيه اللي إقتحمتها المسيحيه في الأربع قرون الأولى كانت وارثه نظرية الحرب العادله من سيسرو (قبل المسيح بحوالي قرنين). بالنسبه للرومان كان في ٣ أبعاد للحرب العادله، الأول هو Jus Ad Bellum أو فقه ما قبل الحرب، وهو دراسة الظروف اللي يُسمَح فيها ببدء الحرب، أو تحديداً إمتا الحرب تكون عادله ومُبرَّره. التاني هو Jus In Bella وهو فقه أثناء الحرب، أو إيه هي المُمارسات المسموح بيها للجنود المُحاربين وتندرج تحت عدالة الحرب. والتالت هو Jus Post Bellum وهو بعد ما الحرب تخلص إيه هي المُمارسات المسموح بها للجيوش تجاه الشعوب والمدُن اللي هاجموها. المسيحيه معندهاش رؤيه لولا واحد من التلاته دول! والسبب الرئيسي هو إن المسيحيه مكانتش محورها الإستمرار في الأرض والإستثمار في سياساتها، ولكن كان يسود تفكير الناس تصوُّر إن النهايه قريبه جداً وإن المجيء التاني هايحصل في خلال جيل بحد أقصى من وقت المسيح. ممكن تقدَر تشوف أصداء الفكره دي في الأناجيل الإزائية وكتابات بولس. في كتابات بولس التعزيه المسيحيه هي “الربُّ يأتي” اللي بتعبر عن إن الجيل ده نفسه مستني المسيح ييجي سريعاً، وفي الأناجيل الإزائية المسيح بيوعد الحاضرين معاه إن منهم ناس هاتُعاين مجيء ملكوت الله (مرقس ٩: ١) (متى ١٦: ٢٨) (لوقا ٩: ٢٧).
قطاع كبير من آباء الكنيسه، يمكن لحد أغسطينوس، كان مُتبني طرح سَلامي بيبعد نفسه تماماً عن العُنف وبيسيبه تماماً لسُلطة الدوله ومش بيحاول يبرره أو ينظَّرله بإعتباره داخل المنظور المسيحي. لدرجة إن منهم -أمبروسيوس مثلاً زي ما ذكرت قبل كده- اللي قال إن المسيحي مينفعش يرُد عُنف السَّارِق المُسلَّح لئلَّا في دفاعه عن نفسه يدنِّس محبته لأخيه (اللي هو السَّارِق هنا). طبعاً الطَّرح ده يبدو رهباني بزياده عن اللزوم، ومن المُستحيل الإنسان يعيش بيه وسط العالم لأنه هايحول المسيحي لمُستباح مُكبَّل بمُعتقده قبل ما يكون مُكبَّل بالسُلطه اللي بتُمارس عليه.
وبالتالي أغسطينوس قرر يُعيد صياغة نظرية العُنف العادِل عشان يسِد فراغ غياب النوع ده من الفِقه في الفكر المسيحي. اللي أغسطينوس عمله مكانش شَرعنه للحَرب ولكن بالأحرى تحديد ليها، يعني في مرحله ما الإمبراطوريه الرومانيه تبنِّت المسيحيه، إزاي الجُندي المسيحي هايقدر يدافِع عن بلده ويروح يحارب من غير ما يكون مُكبَّل الضمير ف يفشَل في الدِفاع عن بيته وأهله وبلده، ومن غير ما الحَرب تحوِّله لمسخ يستغرِق في سَفك الدم.
هانِرجع لأغسطينوس تاني لاحقاً، لكن خلينا في الأول نتحرك من النصّ المؤسِّس بالنسبه للمسيحي وهو العهد الجديد. في العهد الجديد بعض الإشارات المُهمه لعلاقة المسيح بالعُنف، واحده من الإشارات المُلفته تطرَّق لها اللاهوتي Paul Badham في ورقه بحثيه بعنوان The Contemporary Relevance of the Just War Tradition in Christianity. بيقول في الورقه دي إن في تلاته على الأقل من أتباع المسيح ألقابهم بتوحي إنهم كانو من دُعاة العُنف. الأول هو سمعان الغيور، اللي واضح من إسمه إنه كان من الغيورين zealots، واللي كانو جماعه يهوديه بتقود مُقاومه مُسلحه للإحتلال الروماني. التاني هو يهوذا الإسخريوطي، وهنا Badham بيفكك الإسم ل “man of the sicarii” ومعنى الإسم بيُشير لجماعه إسمها “men of daggers” أو رجال الخناجِر، ودول كان بيمارسو الإغتيالات السياسيه. التالت هو سمعان بطرس، اللي بردو Badham بيفكك لقبه “باريونا” لكلمه أكاديه بمعنى “الإرهابي”. طبعاً في قرائتين مُختلفتين لآخر شخصين، في قراءات بتنسب الإسخريوطي لمدينة “كيريوت” وفي ناس بترد الكلمه لكلمة خنجر من اللاتيني sicarius. وبالنسبه لسمعان بطرس ف اللقب بار يونا ممكن يكون من مقطعين بار بمعنى إبن ويونا إسم، وبالتالي يُترجَم لإبن يونا. في أي الأحوال اللي نقدر نلاحظه في الأناجيل إن المسيح كان ضِد العُنف وتجنَّب أي صِدام عنيف مع الرومان حتى لما بطرس سحب سيف وقطع ودن عبد رئيس الكهنه. لما تقارن موقف الأربع أناجيل هنا هاتلاحظ شئ مهم، في إنجيل مرقس المسيح معلَّقش تماماً على فِعل بطرس. في إنجيل متى منع بطرس وقاله يرجع سيفه لغمده لأن اللي بيعتدو بالسيف بيموتو بالسيف. في إنجيل لوقا المسيح مكتفاش بإنه يمنع بطرس، لكن كمان شفى العبد. وفي إنجيل يوحنا قاله يرد سيفه ويقبل الأمر ﻷن دي كأس أعطاها الآب للمسيح. طبعاً في كلام كتير أوي يتقال عن من خلال دراسة النصوص من مدخل ال Synoptic Problem (تقدر تقرا عنها مقال نشرته بعنوان المُشكله الإزائيه على Humanities Today، هاحطلك اللينك في أول كومنت)، لكن ده ممكن نتكلم فيه بعدين. مُجمل الأربع نصوص لو هانحطهم جنب بعض ونكوِّن بيهم قصه واحده هو إن المسيح منع بطرس وشفى العبد رفض إستخدام العُنف.
(2) المسيح أم قيصر؟
المسيحيه بتتبنَّى لغة الديانه الإمبراطوريه وبتستخدم إستعارات حربيَّه كتير، ولكن في الحالتين بتقدم بديل سِلمي، وتقدر تقول إن موضوع تجنُّب العُنف وتأويل لُغة الحَرب للغة روحيه أو مُسالمه كان في ذهن كُتَّاب العهد الجديد -بإستثناء بعض النصوص من ضمنها سفر الرؤيا. في البوست ده هاناقش بعض الأمثله اللي بتُشير للغه الإمبراطوريه وإزاي تم تعميدها أو صبغها بالصبغه المسيحيه وتحويلها لأيديولوجيا تتجنَّب العُنف.
هانبدأ من إنجيل مرقس اللي بيبتدي بعبارة “بدء إنجيل يسوع المسيح [إبن الله]”. بيعلق France, R. T (2002, p.52) على كلمة إنجيل εὐαγγέλιον بإنها كلمه شائعه في العباده الإمبراطوريه بتستخدم للكلام عن ميلاد الإمبراطور وصعوده للحُكم وزياراته الملكيه، وبيذكُر كمان إستخدام الكلمه في الترجمه السبعينيه اليونانيه كترجمه مُباشره للكلمه العبريه biśśar اللي بمعنى يبلَّغ أو يبشَّر حد بخبر مُفرِح. في آخر ستينات القرن التاسع عشر تم إكتشاف نقش لأغسطس قيصر إسمه نقش Calendar Inscription of Priene، وبيرجع لسنة 9 قبل الميلاد، وبيقول إن ميلاد أغسطس قيصر هو بداية الأخبار السارة εὐαγγέλιον للعالم اللي إتخلق عشانه (عشان قيصر). بيشرح Joachim Jeremias في الجُزء الأول من كتابه New Testament Theology الخَبَر السار اللي جه بيه المسيح بإعتبارها دعوه للمُشاركه في ملكوت الله. ملكوت الله مش مملكة قيصر، وهنا بيُقف Jeremias عند تعبير الملكوت (تحديداً ملكوت السموات) وبيقول إن التعبير غايب في الأدبيات اليهوديه لحد سنة 80م لما بيظهر في كتابات الراباي يوحنان بن زكاي (p.97). على كل حال، يبدو إن المسيح إستخدم تعبيرات زي ملكوت الله وملكوت السموات للتعبير عن حضور من نوع ما هو كان مُتوقِّع حدوثه وبدأ يدعو الناس إليه.
الجُزء التاني من إفتتاحية إنجيل مُرقس هو “إبن الله”. بعض المخطوطات مفيهاش الجُزء ده، ولكن موضوع في البعض الآخر، وعلى كل حال موجوده مرات تانيه كتير أوي بطول الأناجيل ف سواء كان في العباره الإفتتاحيه أو لأ هو لقب من أهم ألقاب المسيح في الأناجيل ولازم مناقش مدلوله. اللقب ليه تاريخ طويل في الكتابات اليهوديه، وده الناس بتتكلم عنه دايماً. ف هاتكلم هنا عن الجانِب التاني وهو دلالة اللفظ في العبادة الإمبراطوريه. في كتاب The Son of God in the Roman World ص31 بيبدأ Michael Peppard الفصل التاني بإقتباس من برديه برقم P.Oxy. XII 1453 بترجع لسنة 30-29 ق.م بيقول “قيصر إله من إله”. تعبير البنوَّه لله مكانش مُجرَّد تعبير الناس بتستخدمه كتمجيد، ولكن للدلاله عن الإختيار وعلاقه مُختلفه بين الأب وإبنه أو الأب ومُتبنَّاه في السياق الروماني. بيعبر Helmut Koester عن السياق الروماني للديانه الإمبراطوريه و بيقول “للعَصر الجديد شخص مُخلِّص، الواهِب الأعظَم على مَر الزَّمن، الإبن الإلهي .. المُنتصِر أغسطس!” (Ibid. 44). عباره دي زي لو قريتها من غير ما تقرا آخر كلمتين هاتقول إنها عن المسيح. ولكن في بداية إنجيل مُرقس بنقابل مُخلِّص من نوع تاني، مش مُنتصِر بقدرته الحربيه ولكن مُنتصِر بإعلانه مجيئ ملكوت الله.
هانرجَع تاني لكتاب New Testament Theology ونشوف شرح Jeremias للمملكه اللي بيدو ليها المسيح الناس. في صفحة 113 بيقول إن الأخبار الساره اللي جه بيها المسيح هي إنه بيدعو الخُطاه لمائده إحتفاليه مع الله. في المائده دي بيوعد الله الفقراء بالتدخُّل وبإن وقت الخلاص متحَقَّق دلوقتي وهنا. من هنا يبان الهدف من إقتراب المسيح من الناس المرذولين سواء بسبب سلوكهم أو سمعتهم أو مرضهم أو وظائفهم (زي الجُباه والعشَّارين). الفكره كلها إن الخلاص اللي بيقدمه مش خلاص النُصره العسكريه ولكن خلاصهم بقبول حضور الله. الرؤيه دي لا تتسِق تماماً مع رؤية الغيورين ولا رِجال الخناجِر ولا حَملة السلاح اللي إتكلمنا عنهم في البوست اللي فات. وبالتالي الأناجيل بتقدم يسوع على إنه بيحقق نفس اللي بيُدَّعى إن قيصر بيحققه بالسطوه العسكريه، لكن يسوع بيحققه بالدعوه لحضور الله. نفس الصوره هاتشوفها في إشباع الجموع. الإشباع اللي قيصر بيحققه بالتقدُّم الإقتصادي والتوسُّع الزراعي، يسوع بيحققه بمُشاركة الخمس خُبزات والسمكتين بين الناس، في حضور ملكوت الله القليل بيتحول لكتير.
واحده من النقط الأكيده بخصوص حياة المسيح هي إن بالرغم من إعدامه كثائر سياسي زي ما هو باين من اللقب أو التُهمه اللي بتقولنا الأناجيل إنها كانت على صليبه، وهو إنه ملك اليهود، إلا إن الرومان متتبعوش تلاميذه. الفكره دي شرحتها Paula Fredriksen في كتاب Jesus of Nazareth, King of the Jews وعلَّق عليها John Dominic Crossan في مقاله في كتاب The Message of Jesus. ودي مُلاحظه مُهمه. لو كان الرومان شايفين إن المسيحين خَطَر مُحتمل وإنهم ممكن يقودو ثوره كانو بالتأكيد هايطاردو أتباع المسيح كلهم لحد ما يتخلصو منها. بيقولنا كمان Hans Joachim Schoeps في كتاب Jewish Christianity: Factional Disputes in the Early Church ص32 إن في إتنين من عيلة المسيح إسمهم يعقوب وزكريا من أحفاد يهوذا أخو المسيح وكانو عايشين في الجليل (لو متفاجئ من موضوع أخو المسيح ممكن نبقا نتكلم فيه بعدين) تم إستجوابهم في عصر الإمبراطور دوميتيان (حكم ما بين 81م – 96م) وتم إطلاق صراحهم وعاشو مع عائلاتهم لحد عصر تراجان. الخبر ده بينقله Schoeps عن المؤرِّخ هيجيسبّوس (Hegesippus) ومؤرِّخ قديم تاني (لكن بعد هيجيسبّوس) إسمه Philip of Side. الخَبَر ده مهم لأنه بيورينا نقطتين، أولاً عائلة المسيح ممارستش العُنف لحد نهاية القرن الأول، والتاني هو إن إستجوابهم كان معناه إن الرومان مركزين مع موضوع العُنف، وبالرغم إننا منعرفش يعقوب وزكريا دول كانو مؤمنين بإيه بالظبط بس الرومان مكانوش بيتهاونو مع أي حد بيُشتبه في إحتمال إرتكابُه للعُنف وكان بيتجاب مش هو بس لكن عيلته وعيال إخواته عشان يضمنو إن الدنيا تفضل هاديه في المُقاطعات الرومانيه.
(3) المسيح ثائراً في الهيكل
في الأناجيل الإزائيه ويوحنا (مرقس 11: 15-19 ومتى 21: 12-17 ولوقا 19: 45-48 ويوحنا 2: 14-22) بنشوف دخول المسيح للهيكل وطرد الباعه وقلب موائد الصيارفه. ده تقريباً أكتر موقف عنيف عمله المسيح في الأناجيل، وكمان طبيعة الحدث نفسه غريبه لأن الهيكل ده كان أشبه بحاميه يهوديه-رومانيه عليها حراسه شديده جداً لأنها كان من أكتر الأماكن المُتوقَع إن يحصل فيها قلق لو الناس كانت عايزه تبتدي ثوره. خلينا نبتدي مع مُلاحظه من John Dominic Crossan في كتب Who Killed Jesus، بيقول فيها إن عيد الفصح ده تذكار خروج اليهود من مصر، يعني لو في مناسبه متوقَّع فيها إن اليهود يثورو ضِد الإحتلال الروماني في هي المُناسبه دي تحديداً، وده مبني على كلام المؤرخ اليهودي يوسيفوس في كتاب Jewish Antiquities 17.204-205. يعني يهود القرن الأول نفسهم عارفين إن الفتره دي قلق. وكمان بيقتبس جُزء تاني من يوسيفوس بيحكي عن حدث حصل ما بين سنة 48 و 52 ميلاديه، في فترة ولاية Ventidius Cumanus على اليهوديه. في كلام يوسيفوس كان في جماعه من العساكر الرومان المُسلحين بيكونو على سطح الهيكل عشان يحرسو المكان في الأعياد. في اليوم ده واحد من العساكر الرومان عمل إهانه ما لليهود، ف اليهود ثارو وطلبو من Cumanus يعاقبه وإبتدو يسحبو حجاره ويوجهوها ناحية الجنود الرومان، ولأن Cumanus خاف إن الموضوع يتحول لثوره ضده طلب تدعيمات عسكريه، وجت القوات الرومانيه وحاصرت اليهود والناس من كتر الفزع من عنف الرومان كانو بيدوسو على بعض وبيموتو حرفياً. في اليوم ده بيقول يوسيفوس في Jewish Antiquities 20.106-12 إن مات 20000 شخص (وفي مكان تاني قال 30000). ده يوريك إن الهيكل مكان مفيهوش هزار، مفيهوش حاجه إسمها حد يدخل يقلب الموائد ويطرد الناس ويخرج عادي. كل ده وإحنا بنتكلم على الرومان، ده غير حرس الهيكل من اليهود زي ما لسه هانشوف. إيه بقا اللي حصل يوم ما المسيح دخل الهيكل؟
سنة 1964 نشر Victor Eppstein ورثه بحثيه بعنوان The Historicity of the Gospel Account of the Cleansing of the Temple، بيقول في بدايتها إن في صعوبه في القصه تتعلق بإن موائد الصيارفه والباعه مكانوش بيعملو ده للتكسُّب المادِّي، وإن وجودهم كان ضروري لسير تقديم الذبائح. بيشرح E. P. Sanders الفكره دي (Jesus and Judaism, p.61-76) وبيقول إن التجاره اللي كانت بتحصل في الهيكل مكانتش تعدِّي على الهيكل وإن العَمَل اللي قدِّمُه التُجار كان ضروري لأن الناس اللي بتيجي للهيكل من بعيد كانو بيحتاجو يغيرو العُملات اللي معاهم لشواقِل (العُمله المُستخدمه في الهيكل بحسب الناموس) عشان يقدرو يشترو القدُمات والذبائح اللي هاتتقدِّم في الهيكل لأنهم مكانوش هايقدرو يشيلوها ويسافرو بيها عشان يروحو بيها الهيكل خصوصاً إنهم بعد ما يشيلوها ويسافرو بيها تطلع غير لائقه للتقديم كذبيحه. وبناءاً على التفسير ده ساندرز بيفسَّر الحدث على إنه حدث نبوي عن خراب الهيكل، بس واحده من مشاكل التفسير ده إنه مبيفسرش إنتهار المسيح للباعه والصيارفه، لكن عند E. P. Sanders حل وجيه من الناحيه التاريخيه مش هاتطرَّق ليه هنا. نرجع تاني لورقة Eppstein، هانلاقي عند إيبستاين نقطه تانيه بتكمل كلام ساندرز وهي إن فرق السِّعر اللي كان بياخده الصيارفه مُقابل تبديل العُمله مكانش هامش ربح ولكنه تعويض عن الإستهلاك اللي بيحصل للعملات. والتفسير ده مش تطوُّعي من عنده ولكن مبني على المشناه Mishnah Shekalim 1:7.
بيقول إيبستاين إن مش من المُستعبد تكون القصه حصلت، وبيبتدي يعالِج الفقرات اللي في الأناجيل عشان يشوف تفاصيلها في مُقابل الأحداث المُعاصره للمسيح وظروف زمانه. بيقول إن بحسب المؤرخ اليهودي يوسيفوس الناس كانت بتتجمع في أورشليم بأعداد مهوله قبل الفصح بحوالي 20 يوم يعني من حوالي يوم 25 في شهر آذار. بنلاحظ في إنجيل مرقس 11: 11 إن المسيح دخل الهيكل مره قبل المره اللي طرد فيها الباعه ووقف يراقب كل شئ حواليه كأنها أول زياره ليه للهيكل، لكن إيبستاين بيشوف إن مع الأعداد المهوله من الناس اللي بتروح الهيكل –اللي يوسيفوس بيقول إن عددهم كان 3 مليون، مع إن المُبالغات في الأرقام وارده جداً- من الصعب يكون المسيح عمره ما راح الهيكل قبلها (خصوصاً إن لوقا 2: 41 بيقول إن أبوي يسوع كانو بياخدوه الهيكل “كل سنه” وهو كان بيروح لحد ما عمره كان 12 سنه). بناءاً على ما سبق، بيستنتج إيبستاين إن منظر الصيارفه والباعه مش غريب على المسيح، المفروض إن دي حاجه بيشوفها عادي وإنه كان عارف ضرورتهم لتتميم المُعاملات جوا الهيكل، وبيقول إن كاتِب إنجيل مرقس مكانش مُطلع بشكل كويس على ممارسات الهيكل على عكس لوقا اللي كان معرفته أوسع وبالتالي مذكرش موضوع موائد الصيارفه، وهنا نرجع تاني للمُشكله الإزائيه ولو مقريتش المقال اللي قولتلك عليه في البوست اللي فات إقراه وتعالى كمل، هاتلاقيه في أول كومنت بردو.
بيعلق إيبستاين بعد كده على النقطه اللي قولتها من شويه، الهيكل كان عليه حمايه كبيره، كان بيحرسه 3 كهنه و21 لاوي طول اليوم، والمسئول عن نوبة الحراسه كان بيضرب أي حد ينام أو بيولع في هدومه (Mishnah Middot 1:2)، وبالتالي موضوع حراسة الهيكل كان مسأله شديدة الجديَّه. كان كمان في لاويين بيحرسو كل بوابه من الخمس بوابات بتاعت الهيكل، ولاويين على الأطراف الآربعه للهيكل، والخمس بوابات الأساسيه للساحات، وأربع لاويين لأطراف كل ساحه، ده غير الشباب المُمرنين اللي كانو بيبقو في كل حته وحتى بينامو في الأرض عشان يفضلو موجودين طول الوقت ويطردو أي حد يعمل قلق. وكل ده بالإضافه للحراسه الرومانيه اللي إتكلمت عنها من كتاب كروسان! السؤال اللي بيسأله إيبستاين هنا هو ليه المسيح متقبضش عليه حالاً؟
إجابة السؤال ده بتختلف عند الدَّارسين، في منهم بيقول إن الحدث حصل فعلاً وبيفسرو سبب عدم تدخُّل الرومان بإن عدد المُصاحبين للمسيح كان كبير جداً زي Wellhausen و Grundmann، وناس تانيه زي E. P. Sanders (Jesus and Judaism, p.70) بيقولو الحدث حصل لكن على نطاق أضيق من اللي بيصوره مرقس بشكل لم يسترعي إنتباه الرومان لأن لو كان الحدث عمل قلق كان تم القبض على المسيح في الحال. بتضيف Adela Yarbro Collins إحتمال تاني وهو إن من الوارد تاريخياً إن القبض على المسيح محصلش بمعزل عن حادثة الهيكل وإن القصه اللي قدمها مرقس مش دقيقه، وبالتالي هي بتطرح إحتمال إن القبض على المسيح تم بسبب الحادثه دي تحديداً (وده نفس رأي كروسان) ولكنه مكانش قبض علني عليه وإنما تم بنوع من الخِدعه (2007, p.527).
الإستنتاج الأخير بتاع إيبستاين إن الفقرات دي زي ما هي في الأناجيل وراها حدث تاريخي فعلاً، ولكن يبدو إن الحدث التاريخي مكانش بالظبط زي ما بتحكيه الأناجيل لإعتبارات كتير من ضمنها رد الفعل اللي كان طبيعي يحصل لو واحد دخل الهيكل وسحب كرباج وضرب الناس وقلب الموائد وطرد الباعه. اللي بيستنتجه إيبستاين ومن بعده ساندرز وكولينز إن الحدث وارد جداً يكون حصل وسط الزحمه، خصوصاً إن إيبستاين سرد أدله إن المكان كان بيبقا زحمه جداً لدرجة إن الناس كانت بتدوس على بعض، وبالتالي لو حد زق حد وسط الزحمه دي ممكن محدش ياخد باله أساساً. كمان Ulrich Luz في تفسيره لإنجيل متى بيشوف إن المبرر الوحيد لعدم تدخل حراس الهيكل سواء من اللاويين أو الرومان هو إن الحدث تم بشكل غير واضِح، من الآخر على scale صغير خالص وبعد كده تم المُبالغه في وصفه (vol.3, 2005, p.11).
يبدو إذاً إن المسيح مارس نوع من العنف في الهيكل، سواء كان على scale كبير أو صغير، لكن الأغلبيه متفقه على إن العُنف هنا مكانش سياسي بقدر ما هو فِعل نبوي بيعكس حُكم الله على الهيكل. من المُهم بردو إن هنا مفيش تشريع بمُمارسة العُنف، هو مارس العُنف بنفسه في لحظه مُعيَّنه لكن منقدرش نستنتج من الموقف فِقه لمُمارسة العُنف، خصوصاً لما تركز في إن السياق كان موجَه أكتر لمُمارسه معينه بتحصل في الهيكل مش عُنف ضد الرومان مثلاً. يعني حتى الموقف ده مينفعش يتشاف في ضوء مُقاومة الإستعمار، لكن في شيء ما إستفز المسيح في المُمارسه اللي كانت بتحصل، وإن كان الباحثين مُختلفين ف إيه هو الشئ ده بالظبط خصوصاً إن أغلب المُمارسات دي كان ضروريه لتتميم شراء الذبائح زي ما شرحت من شويه.
(4) آباء الكنيسة وعُنف العهد القديم
في الأجزاء اللي فاتت شوفنا حياة المسيح وإن مُحتوى الأناجيل بيقدم المسيح كبديل لقيصر، مش كحاكم أرضي ولكن كمُقدِّم السلام للعالم، اللي بيجمَع الناس لمملكة الله بدون الحرب وبدون العُنف وبدون الصِّراع الإقتصادي، ووصلنا في الآخِر إن الموقف الوحيد اللي فيه عُنف هو إجتياحه للهيكل وقلب موائد الصيارفه والباعه، وناقشنا إيه اللي ممكن يكون حصل تاريخياً.
هانبتدي من الجُزء ده نناقش موضوعين: (1) آراء الآباء في العُنف و (2) آليات قراءة العهد القديم. وهانبتدي النهارده بمثال وهو تثنية 20: 16-18. وخلي بالك إن مش هدفي إني أبررلك أي نوع من العُنف في العهد القديم لأسباب لاهوتيه. ممكن ببساطه شديده أقولك إن الأمر الإلهي هو المِعيار الموضوعي للأخلاق والله قال كذا، إذاً كذا أخلاقي ويبقا الكلام خلص (زي ما هاتقرا كلام الإكويني في الآخر ومن قبله أغسطينوس). لكن لأني شايف إشكاليات كُبري في الطريقه دي في التفكير ف هاسيب التبرير اللاهوتي لأصحابه وهاركز تحديداً على كيفية قراءة كنيسة العهد الجديد لنصوص العهد القديم اللي نقدر نقول إنها تُعارض اللي بنقراه في العهد الجديد تعارُض مُباشر (إلا في قصة حنانيا وسفيره). ولما نجيب سيرة العلاقه ما بين العهدين محتاجين نفتكر إن من وقت مُبكِّر كان في نِزاع كبير أوي على كيفية تعامُل المسيحيين مع العهد القديم، بدرجه خلِّت بعض الفِرَق غير الأرثذوكسيه (ولكنهم كانو بيشوفو نفسهم مسيحيين حتى لو بالتعريف الضيق الحالي هانعتبرهم هراطقه) يقولو إن العهدين من إلهين مُختلفين، هاذكر منهم مثالين هانبقا نرجعلهم بعدين في مواضيع تانيه وهم مارسيون وبازيليدس. مارسيون أو على الأقل المارسيونيين المُنتسبين إليه كانو شايفين إن إله العهد القديم إله شرير وأدنى مرتبة من إله العهد الجديد ومُختلف تماماً عنه. أما بازيليدس ف كان شايف إن العالم هو صِراع بين إله العهد القديم وإله العهد الجديد وإن إله العهد الجديد أنقذ المسيح من الموت بإنه خلى شخص تاني ياخد شبهه ويتصلب بداله، وبكده يبقا خدع إله العهد القديم، وبيوصف بازيليدس المشهد بإن المسيح بعد ما تجنَّب الصليب وقف يتفرج على الرومان وهم بيصلبو سمعان القيرواني وكان بيضحك وهو مُنتصر.
إذاً السؤال المطروح سؤال مُهم، وسؤال قديم. خلينا نشوف مثلاً خمس فقرات دول من سفر التثنية 20 :16-20. الآباء فهمو نص زي ده إزاي؟ أو السؤال بصيغه تانيه، الآباء شافو نص زي ده مُتَّسِق إزاي مع العهد الجديد؟ إيه منهجيتهم في التفسير اللي خلتهم يقبلو نص زي ده وفي نفس الوقت نص بيقول إن العُنف ممنوع؟ الحقيقه إن الآباء معلَّقوش على النص ده. طبعاً من المُستحيل حَصر كُل كتابات الآباء، ولكن بالرجوع للتفاسير اللي بتعتمد على تفاسير الآباء ملقتش غير تعليق لكليمندس السكندري على 20: 19 بيتكلم فيه عن رحمة الله للأشجار. يعني الطريقه الأولى في التعامُل مع النصّ هي تجاهُله، عدِّيه وعلَّق على النص اللي تقدَر تستخرج منه فايده.
الطريقه التانيه هي ترميز النصوص، إخراجها من القالب التاريخي الصِرف لقالب المُشابهه النوعيه (typological) أو المجازيه (allegorical) عشان بعد كده تُقرأ في ضوء العهد الجديد وبالتالي يكون ليها معنى لا يُخالف العهد الجديد. المُشابهه النوعيه يعني مثلاً تقرا الحدث من خلال تحديد مجموعه من العناصر الرئيسيه فيها وبعد كده تبين تشابُه العناصر دي مع حدث تاني في حياة شخص آخَر (المسيح والكنيسه بالنسبه للعهد الجديد). الحقيقه إن التفسير الطوبولوجي typological interpretation إستخدمه بولس في رسايله، زي ما بردو إستخدم التفسير المجازيallegorical interpretation . الفرق بين الإتنين مش كبير (وهاستخدم هنا شرح V. George Shillington في رسالة دكتوراه قدمها لجامعة McMaster سنة 1985 ص 72-73) لكن ممكن نوصَّفه بإن الإتنين بيشوفو حقيقه مُتعاليه ورا ظاهر النص، التفسير الطوبولوجي بيركز على الحدث وبيشوف إتكرر بنفس ال pattern في حياة شخص تاني إزاي ولكن في سياق تاريخي مُختلف تماماً، بولس والآباء بيستخدموه عشان يبيِّنو تشابُهات في محطة حياة قديسي العهد القديم وحياة المسيح عشان يرسمو خط أوضح لرحلة الخلاص، أما التفسير المجازي ف مش مَعنِي بالتاريخ ولكن بيركز على التفاصيل بما في ذلك تقاطُعات الكلمات بين النصوص. تفاصيل النص بتُستخدم عشان يستخرج منها المُفسِّر حقيقه معروفه عنده مُسبقاً a priori، يعني لما بتقرا النصّ بالطريقه دي مش بتعرف حاجه مكنتش تعرفها ولكن بالأحرى بتُسقط اللي تعرفه على النص. وبالتالي تمييز Shillington بين الطوبولوجي والمجازي إن الطوبولوجي أفقي يهتم بمعنى الحدث التاريخي، ولكن المجازي رأسي بيتحرك من النصّ لحقيقه عُليا لا ترتبط بالحدث وتاريخه.
في عظاته على سفر يشوع، بيقول أوريجينوس (أبو التَّفسير المجازي) إن اليهود لما بيقرو نصوص العهد القديم بيبقو وحشيِّين وعطشى للدَّم لأنهم بيظُنُّو إن حتى القديسين ضربو كل حي في عاي لحد ما مبقاش في أي شخص هاربِ أو مُخلَّص. وبيقول بعد كده إن اليهود مفهموش الحقيقه المستوره ورا كلمات النص، وإن المقصود من النص هو إننا مش المفروض نسيب أي خطايا جوانا ولازم نحطمها كلها. … وبالتالي فالقديسين هم اللي بيقدرو يهزمو سُكَّان عاي اللي جواهم، يدمروهم كلهم وميسيبوش أي حد منهم يهرب، وإن القديسين هم اللي بيحمو قلوبهم بكل إخلاص عشان متخرجش منها الأفكار الشريره. اللي أوريجينوس بيعمله هنا هو ببساطه إنه مبيقراش النصّ أساساً، وبالتالي لا بيستخرج من النصّ حُكم، ولا بيستخرِج منه تشريع، ولا النصّ فعلياً بيمارس أي سُلطه على تفكيره. هو هنا أشبه بالفخَّاري اللي ماسك حتة طين وبيشكِّلها زي ما هو عايز. نقطة إنطلاقه هي تعاليم العهد الجديد، وأي نص هاتحطه قدامه هو مش هايشوف فيه مُشكله لأن بالنسباله النص ماده خصبه للتأويل مش للتفسير، يعني هو مش بيحاول يفهم النص بيقول إيه ولكن بيشوف هايقدر يُسقط عليه فِكره روحيه أو فكره من العهد الجديد إزاي.
لحد هنا سواء تجاهُل التعليق على النصّ أو تفسيره بشكل طوبولوجي أو مجازي مبيجاوبش الأسئله المُهمه، نصوص العُنف بتوصف شئ حصل فعلاً ولا محصلش؟ ولو حصل إزاي ده يتوافق مع نصوص العهد الجديد اللي بتقول مثلاً إن الذين يأخذون بالسيف بالسيف يؤخذون؟ بعض الآباء حاولو يعالجو الموضوع بشكل أكثر منطقيه، وتبنو تقسيم بولس لساره وهاجر (بإعتبار إن هاجر وإبنها بيمثلو الجسد لكن ساره وإبنها بيمثلو الوعد والروح) وقالو إن العهد القديم كان مرحلة تربيه، تعامَل الله فيها مع الشعوب بحسب مستواهم الرُّوحي، لكن في مرحله مُعيَّنه إستعلن نفسه بصوره أكثر وضوحاً وأعلن تعاليم أكثر سمُوَّاً. لحد هنا الكلام كله على التعامُل مع فِهم العهد القديم مش مع إستقاء إسلوب حياه منه. محدش لحد دلوقتي حاول ينظَّر للعُنف بناءاً على النصوص دي، محدِّش قال إنها قابله لإعادة تفعيلها، ومحدش قال إنها صالحه لحياة الكنيسه في العهد الجديد. كل اللي حصل هو مُحاولات الإستفاده من النص كماده خصبه لتأويله بدون الإستغراق في العُنف اللي فيه بإعتباره إما رمز أو مسار تاريخي مُشابه لرحلة الخلاص أو بإعتبارها مرحله إنتهت بإعلانات المسيح.
بعد كده توما الإكويني إستخدم منطلق أغسطينوس في إن في سُلطه أخلاقيه عُليا هي اللي بتحدد مشروعية أو عدالة الفعل فقال (الإكويني) إن كل البشر على السواء، سواء مُدانين أو أبرياء، مصيرهم الموت بسبب فساد طبيتهم بالخطيه الأولى، وبالتالي الله يُميت ويُبقي زي ما هو عايز بغض النظر عن بر الإنسان وهنا مفيش أي ظُلم (Summa Theologiae I.94.5). بس ناس كتير هاتختلف مع الطرح ده لكن مش هايعرفو يحددو مُشكلته فين بالظبط، خصوصاً إن ده ينطبق تماماً على اللي بيحصل في العهد القديم وفي الجديد كمان في قصة حنانيا وسفيره اللي ممكن لو حللتها بالراحه هاتلاقيها مُعضله جداً، يمكن أصعب نص في العهد الجديد كله من ناحية موضوع العُنف.
(5) تعقيب على المدخل الأخلاقي للعُنف
في البوست اللي فات طرحت خلاصة فكرة أغسطينوس والإكويني في موضوع العُنف، ويُمكن التعبير عنها في مقدمات ونتائج كالتالي:
(١) كل إنسان أخطأ [في آدم]
(٢) كل خطيه تستوجب الموت
(٣) إذاً كل إنسان هايموت
(٤) إذاً موت الإنسان مش عُنف أو تجنِّي من الله
وكنت قولت في البوست اللي فات إن القراءه دي مُتَّسقه مع العهدين ولكنها مش مقبوله بالنسبه لناس كتير بالرغم إنهم ممكن ميعرفوش يحددو المُشكله فين بالظبط فيها. في البوست ده هانحاول ننكش مع بعض في إشكاليات المدخل ده لتبرير العُنف.
القراءه دي مُمكن تبرر موت الإنسان بسبب الحوادث الطبيعيه، أو ما يُسمَّى الشر الطبيعي. يعني شخص مات في فيضان أو وباء أو زلزال. ممكن نقول إن الموت هو المصير الطبيعي للإنسان والطرف المؤذي هنا ميكانيكي لا واعي وهو الطبيعه، وبالتالي ف الطرف ده عامل زي دوران التروس مش بيميز بين الناس ومعندوش آجنده ومعندوش آيديولوجيا بيقتل بيها أو بيشرعن بيها العُنف. ولكن الأطروحه دي مش هاينفع تبرر العُنف اللي بيتوسطه الإنسان، اللي فيه أمر إلهي لإنسان بقتل إنسان آخر بناءاً على دينه أو سلوكه الإجتماعي أو الأخلاقي. يعني لو هانفكك سلوك أي جماعه إرهابيه ف هانلاقي إنهم بيتحركو من تفسير معين لأمر إلهي بيغير الضابط الأخلاقي وبيُبيح لأفراده قتل مبني على معايير أو هويات معينه. ولكل كل شخص هايتحرك بما يراه أمر إلهي وهايروح يقتل مجموعه عشان الله قاله كده العالم هايتحاول لساحة حرب كله بيقتل فيها كله. بقت free for all war!
وبالتالي في البحث عن معيار موضوعي للعُنف أغسطينوس والإكويني مشيو في نفس مقدمات ونتايج أي واحد بيشرَّع العُنف تحت راية الأمر الإلهي. التركيبه البسيطه بتاعت الإحتجاج واحده عند الكل، عند أغسطينوس، عند الإكويني، عند المجاهد (!) في أفغانستان والإرهابي في سينا. في أمر إلهي أسمى من الصواب والخطأ، قادر على تصويب الخطأ وتخطئة الصواب، هو اللي بيحدد الأخلاق. وبالتالي يتحول لكل شخص إلهه اللي بيشرَّعله العُنف تجاه باقي الناس اللي بردو آلهتها بتسمحلها بنفس العُنف. في البحث عن الموضوعيه هانوصل للإستغراق في عُنف آيديولوجي جماعي هايؤدي لإبادتنا كلنا.
طب إيه الحل؟ لحد دلوقتي أنا نقدت التأويل، ونقدت القراءه الحرفيه، ونقدت المدخل الأخلاقي للعُنف، ونقدت تجاهُل تفسير النصوص، هاتقولي طب إيه الحل؟ هاقولك ببساطه لو كان الموضوع ليه حل مكنتش هاوجع دماغي وأكتب كل ده عنه! الموضوع كبير ومُعقد، وتشعَّب وخرج من تأويل النصوص ودخل في السايكولوجي وال Neuroscience وعلم الأخلاق. الكل بيحاول يدور على معيار موضوعي يحدد بيه الصواب والخطأ من غير ما المعيار ده يكون قَبَلي (خاص بقبيله) أو محصور في آيديولوجيا أو محصور في قوميه. ولحد دلوقتي مفيش شئ يُجمع عليه البشر في الإحتكام للأخلاق من غير ما يكون غير قابل للتفكيك، وتظَل سُلطة الوازِع الديني هل الأكثر فاعليه. بس إزاي نعيش في عالم لو كان يؤمن فيه كل الأفراد بحرية ممارسة العُنف تجاه بعض من غير ضابِط يجمعهم كلهم ويفهمهم إن لكلٍ رأيه ورؤياه؟
هاييجي حد يقولي طب ده في عُنف الإعتداء. ما نخلينا في عُنف الرَدع؟ هاقولك ماهي المُشكله في الإتنين. لو الشخص إدا لنفسه -بناءاً على تأويل نصّ آيديولوجي من أي نوع- سُلطة الضبطيه الأخلاقيه على اللي حواليه هايبقا الرَّدع مش ردع لجيش ولكن ردع لأي شئ مُنافي للأخلاق السليمه بتعريفه هو. يعني حتى مفهوم الرَّدع مش قاصر على الحرب، ده داخل جوا أبسط التعامُلات الإجتماعيه. وبالتالي مفيش نقطه هاتقول عندها ده ردع سليم وده مش سليم، لو هاتسلط بني آدم على بني آدم ف هاتفتح باب ميتقفلش من العُنف.
(6) أغسطينوس والحرب العادلة
أغسطينوس كتب “مدينة الله” ما بين سنة 413-426 في فترة ضعف روما وإستقبالها هجمات شرسه من الجرمان اللي بالفعل دخلو روما ونهبوها سنة 410. السؤال المطروح قدام أغسطينوس كان إزاي يقدر المسيحي يمارس العُنف من غير ما ده يستلزم كسره لمسيحيته. إزاي يقدر يمسك السلاح ويحارب من غير ما يكسر “أحبوا أعدائكم”.
عشان أغسطينوس يعمل كده عمل مجموعه من التمييزات المُهمه. زي مثلاً إن المسيحي مينفعش يحب الحرب، ولكنه يقدر يحارب لو إضطرته الضروره لده بشرط إنه ميحبش الحرب وميطلبهاش. عشان يشرح فكره توافق حدوث الحرب مع رغبة المسيحي في السلام حدد 3 معايير للحرب العادله: (1) المشروعية، (2) الدافع، (3) الضرورة. المشروعية يعني إن الحرب لا تُعلن إلا بشكل شرعي، مش قرار بياخده فرد أو مجموعه من نفسهم. وبيضرب مثل بموقف المسيح من بطرس لما بطرس رفَع سيفه وضرب عبد رئيس الكهنه. المسيح منعه لأن بطرس مكانش له مشروعيه في نفسه إنه يرفع السلاح. الدافع يعني الفرق بين الحرب كضروره وكشهوه، زي ما شرحت من شويه. والضروره يعني إنها تكون الحَل الأخير والوحيد.
في مثال لفكرة المشروعيه بيناقش أغسطينوس أمر الله لإبراهيم بذبح إسحق. أغسطينس بيقول إن الموقف هنا فيه ٣ مكونات، الفِعل والفاعِل والسُلطه اللي بتشرَّع أو بتجرَّم الفِعل. الفعل نفسه بدون السلطه كان هايبقا درب من الجنون. واحد يروح يقدم إبنه ذبيحه، لكن الفاعل (إبراهيم) أقدم على الفعل (تقديم إبنه كذبيحه) لما جاله أمر حوِّل الفعل الشنيع لأمر مقبول أخلاقياً حتى ولو لم يكُن مقبول عاطفياً (حتة العاطفه دي مش في إقتباس أغسطينس، لكنها إضافه مهمه للموضوع). وبالتالي هنا تعريف الأخلاق مش ما تُجيزه العاطفه لأن إبراهيم أكيد مكانش فرحان وهو رايح يقدم إبنه ذبيحه لله، ولكن الأخلاقي هو ما تُشرِّعه السُلطه العُليا.
هاتيجي هنا تصطدم بنقطه مهمه، هو اللي قاله أغسطينس ده يفرق إيه عن المبدأ اللي بتتحرك بيه الجماعات الإرهابيه لما بتقولك فلان يستوجب القتل بالأمر الإلهي؟ هاقولك ولا حاجه، المبدأ هو هو، إن في سُلطه عُليا بتُجيز ما لا يُجيزه الحِس الإنساني. ف هاييجي حد يقول إن الحِس الإنساني نفسه متفاوت ومبيديش قواعد مُطلقه ولا تعريفات كامله للأخلاق. هاقولك صحيح، وهي دي المُعضله اللي محدش عارف يحلها.
طيب، بعد نقطة المشروعيه، ندخل في نقطة الرغبه، دلوقتي بحسب أغسطينوس المفروض الرغبه الأولى للمسيحي هي السلام، وأي حرب هي بهدف السلام بالأساس. لكن بيقول أغسطينوس فقره بتخلي بردو الفكره دي مُعضله جداً: “… بالفعل، حتى حينما يختار الناس أن يشنوا حرباً لا يرغبون في شيء سوى الإنتصار. من خلال الحرب إذاً يرغبون في تحقيق السلام بمجدٍ، فما هو الإنتصار إلا إخضاع من يقاوموننا؟ وحين يحدُث هذا يكون السلام. الحروب نفسها تشن بغية السلام، حتى حين يشنها هؤلاء المعنيين بممارسة قدراتهم الفائقة في القيادة والحرب. لذا فالسلام هو غاية الحرب؛ لأن كل إنسانٍ يسعى السلام حتى حينما يشن حرباً، بينما لا أحد يسعى للحرب بالسلام. بالفعل حتى هؤلاء الذين يرغبون في قلقلة حالة السلام القائمة يفعلون هذا لا لكراهية السلام بل لرغبتهم في إستبدال السلام القائم بسلام من إختيارهم هم. رغبتهم أذاً ليست أن يزول السلام، ولكن أن يتحقق السلام الذي يرجونه. وحين يفرزون أنفسهم عن الآخرين بالتمردِ، لا يمكنهم تحقيق مرادهم إلا بإلتزامهم بنوع من السلام مع معاونيهم وحلفائهم. بالحقيقة حتى السُّرَّاق يرغبون في السلام مع رفقائهم، حتى وإن كان فقط لإقتحام سلام الآخرين بقوة وأمان. يمكن لأحد السُّراق أن يتعالى في القوة بلا مثيل، ولكونه مرتاباً في الآخرين لا يثق بمعاونيه، ولكنه يخطط لجرائمه ويرتكب سرقاته ويقتل وحده. حتى هو -بالرغم من ذلك- يُبقي على ظل السلام، على الأقل مع من لا يستطيع قتلهم، ومع الذين يرغب أن يُخفي أعماله عنهم. أيضاً يُعاني لإبقاء السلام في بيته، مع زوجته وأولاده وكل من هم له هناك. … كل البشر إذاً يرغبون في السلام مع خاصتهم، الذين يرغبونهم أن يعيشوا بحسب مشيئتهم. لأنهم يريدون أن يجعلوا حتى هؤلاء الذين يشنون الحروب عليهم من ضمن خاصتهم إن إستطاعوا، وأن يخضعوهم بتطبيق قوانين السلام الخاصة بهم عليهم.” (مدينة الله، الكتاب ١٩، الفصل ١٢)
المُشكله هنا إن أغسطينوس حط مبدأ بس لما جه يشرحه طلع مبدأ عايم جداً. المفروض الإنسان يطلب السلام، بس لما تفكر في معنى السلام تلاقي أغسطينوس بيقولك إن حتى الطُغاه والسُّراق بيحاولو يحققو السلام بمنظورهم هم. ف السلام عندك غير السلام عندي غير السلام عند هتلر! بكده مفهوم السلام ممكن يتحول للحرب بهدف إخضاع الكل لحد ما ميبقاش في حد محتاجين نحاربه، طب والطغيان المُطلق يختلف عن الكلام ده إزاي؟
نيجي للنقطه التالته في معايير أغسطينوس وهي معيار الضَّروره. وزي الإتنين اللي قبله المعيار ده كمان عايم. عند البعض وجود شخص بيدعو لفكر مُختلف عقيدياً هو في حد ذاته أذى، وبالتالي الأذى ده محتاج يتمنع، ولو الأذى متمنعش بالسلم في دي في حد ذاتها ضروره للحرب، وضروره مُشرَّعه كمان. يبقا الضروري عندك غير الضروري عندي غير بردو الضروري عند هتلر! ف لو جالك واحد ونظَّر لضرورة الحرب على المُخالف في الإعتقاد ف لو عنده تشريع بالعُنف ده (يعني يعدي معيار المشرعيه)، وكان هدفه إنه يُعيد السلام بإرساء إعتقاده لوحده (يعني يعني معيار الغايه أو الدافع)، وكان هدفه ميتحققش بالخطاب (يعني يعدي معيار الضروره) يبقا كده بمعايير أغسطينوس هاتخطأه إزاي؟
وبالتالي بالرغم إن أغسطينوس حاول ينظَّر بشكل مُرتَّب لعلاقة المسيحي بالعُنف، أغسطينوس مقدرش يحِل مشكلة سيولة المعاني، وحتى المعايير اللي أغسطينوس حطها وإعتبرها معايير تتوافق مع المسيحيه هي نفسها معايير ممكن ينتج عنها راديكاليه لا تختلف تماماً عن أي راديكاليه تانيه ليها مُعتقد مُختلف أو مالهاش كود أخلاقي أساساً.
(7) لاَ تَظُنُّوا أَنِّي جِئْتُ لأُلْقِيَ سَلاَمًا عَلَى الأَرْضِ. مَا جِئْتُ لأُلْقِيَ سَلاَمًا بَلْ سَيْفًا (متى 10: 34)
خلينا نشوف النص ده في سياقه وهل ممكن يتبني عليه قراءات عنيفه ولا لأ. مبدئياً النصّ ده موجود في لوقا ومتى بصياغتين مُختلفين، مش موجود في مرقس ومش موجود في الإنجيل الرابع اللاحق يوحنا. خلينا نقرا الصياغتين وبعد كده نعلق عليهم عشان نفهم أهمية النقطه دي:
متى 10
32 فَكُلُّ مَنْ يَعْتَرِفُ بِي قُدَّامَ النَّاسِ أَعْتَرِفُ أَنَا أَيْضًا بِهِ قُدَّامَ أَبِي الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ،
33 وَلكِنْ مَنْ يُنْكِرُني قُدَّامَ النَّاسِ أُنْكِرُهُ أَنَا أَيْضًا قُدَّامَ أَبِي الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ.
34 «لاَ تَظُنُّوا أَنِّي جِئْتُ لأُلْقِيَ سَلاَمًا عَلَى الأَرْضِ. مَا جِئْتُ لأُلْقِيَ سَلاَمًا بَلْ سَيْفًا.
35 فَإِنِّي جِئْتُ لأُفَرِّقَ الإِنْسَانَ ضِدَّ أَبِيهِ، وَالابْنَةَ ضِدَّ أُمِّهَا، وَالْكَنَّةَ ضِدَّ حَمَاتِهَا.
36 وَأَعْدَاءُ الإِنْسَانِ أَهْلُ بَيْتِهِ.
لوقا 12
49 «جِئْتُ لأُلْقِيَ نَارًا عَلَى الأَرْضِ، فَمَاذَا أُرِيدُ لَوِ اضْطَرَمَتْ؟
50 وَلِي صِبْغَةٌ أَصْطَبِغُهَا، وَكَيْفَ أَنْحَصِرُ حَتَّى تُكْمَلَ؟
51 أَتَظُنُّونَ أَنِّي جِئْتُ لأُعْطِيَ سَلاَمًا عَلَى الأَرْضِ؟ كَلاَّ، أَقُولُ لَكُمْ: بَلِ انْقِسَامًا.
52 لأَنَّهُ يَكُونُ مِنَ الآنَ خَمْسَةٌ فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ مُنْقَسِمِينَ: ثَلاَثَةٌ عَلَى اثْنَيْنِ، وَاثْنَانِ عَلَى ثَلاَثَةٍ.
53 يَنْقَسِمُ الأَبُ عَلَى الابْنِ، وَالابْنُ عَلَى الأَبِ، وَالأُمُّ عَلَى الْبِنْتِ، وَالْبِنْتُ عَلَى الأُمِّ، وَالْحَمَاةُ عَلَى كَنَّتِهَا، وَالْكَنَّةُ عَلَى حَمَاتِهَا».
مبدئياً النصوص المُشتركه ما بين متى ولوقا ومش موجوده في مرقس بتتصنف Q، وهو مصدر أقدم من متى ولوقا إستخدمه متى ولوقا بالإضافه لمصدرهم التاني مرقس عشان يكتبو بشاراتهم، وبعض الدارسين أضاف مصدرين تانيين إسمهم M و L (بيتسمو بالألماني Sondergut أو Special Material وهي ماده خاصه بكل إنجيل من الإتنين وبيتفرد بيها). وفي قول مشابه موجود للوقا 12: 49 و 51 بردو في إنجيل توما [نص غير قانوني بالنسبه للكنيسه لكن بعض الدارسين شايفين إنه نص قديم وبيعكس مصدر مُستقل للأقوال عن الأناجيل القانونيه].
إنجيل توما 10
قال يسوع، ألقيت ناراً على الأرض، والآن إنظروا فإني أراقبها حتى تلتهب.
إنجيل توما 16
قال يسوع، يظُن الناس أني جئت للعالم لأفرض السلام. وهم لا يُدركون أني جئت لأفرض على الأرض الإنقسام، النار، السيف، الحرب. حقاً، يكون خمسة في البيت، يكون ثلاثة ضد إثنين، وإثنان ضد ثلاثة، الأب على إبنه، والإبن على أبيه …
طيب إيه قيمة مُلاحظة إن النص ده من مادة Q؟ (عشان تقرا مقدمه عن Q إقرا مقالي بعنوان المُشكله الإزائيه – هاتلاقيه في أول كومنت). الفكره هنا إن لو القول من مصدر أقدم ف بمقارنة متى ولوقا -وأي نصوص تانيه موازيه ومُستقله- ممكن توصل للصياغه الأقدم للقول واللي يُحتمل بنسبه أعلى إن يكون المسيح قالها.
إحنا كده قدام 3 إحتمالات، لفظة السيف أقدم (صياغة متى) لفظة الإنقسام أقدم (صياغة لوقا)، اللفظتين إتقالو (صياغة توما). خلينا نناقش الإحتمالات التلاته، الصياغه بتاعت لوقا واضح من السياق إن مقصود بيها إن كرازة المسيح هاتسبب إفتراق ونِزاع بين الناس، زي ما باين في 52 و 53 إن كل بيوت فيه ناس هاتؤمن وناس هاتكون ضدهم وهايكونو أعداء لبعض (دي متى قالها صراحة في 36). صياغة توما واضح منها النار والإنقسام اللي بيتكلم عنهم المسيح هم المُعاناه والمواجهه اللي هايقابلها المؤمنين، ويمكن صياغة توما هنا فيها interpolation أضافت عليها التفصيل اللي بعد كده “النار، السيف، الحرب”، لكن على كل حال إشتمال القول على تفسيره مؤشر مهم لسببين: والله لو إعتبرت إن صياغة توما قديمه ف بالضروره لازم هاتلتزم بإن القول من وقت مبكر جداً كان عن الإنقسام ومالوش علاقه بحمل السيف، ولو قولت إن القول مش مُبكر جداً وهاترجع صورته النهائيه لأول أو نص القرن التاني ف بردو هاتلتزم بإن المسيحيين من القرن التاني بيفهمو النص على إنه بيُشير للإنقسام اللي هايحصل بسبب الإيمان بالمسيح ومالوش أي علاقه بحمل السيف وإبتداء الحرب.
كده يتبقى نصّ متّى وهو اللي في بوضوح عبارة “مَا جِئْتُ لأُلْقِيَ سَلاَمًا بَلْ سَيْفًا”. طبعاً واضح من السياق إن السيف هو السيف المُوجَّه للمؤمنين مش السيف اللي بيحمله المؤمنين ضد غير المؤمنين. ف عندك مثلاً في نفس الإصحاح الفقرات بيتكلم عن إنه هايرسلهم كحملان وسط ذئاب (16) وإن الأتباع هايُسلَّموا للمجامع والجلد والشهاده (17-19)، وبيتكلم إن أهلهم هم اللي هايسلموهم للموت وفي منهم اللي أبنائهم هايقتلوهم بسبب الإيمان (21) وإن المؤمنين هايُطردو من المدن (23) وهكذا. وبالتالي السياق كله مش عن إن المسيحي مطلوب منه يواجه بالعُنف ولكن عن المسيحي هايواجه عُنف بسبب إيمانه، ولأن الإيمان هو برسالة المسيح ف الرساله دي هي اللي جلبت عليهم العُنف والرفض والسيف.
رأي الأكاديميين في الموضوع إن الأرجح هو إن صياغة متى أقرب ل Q. ف مثلاً لو بصيت على كتاب Hermeneia: The Critical Edition of Q ل James Robison و Paul Hoffmann و John Kloppenborg (صفحة 380) هاتلاقيهم بيرجحو إن صياغة متى أقرب ل Q. نفس الكلام قاله Dale C. Allison في A Critical and Exegetical Commentary on the Gospel according to Saint Matthew الجُزء التاني صفحة 218 بيقول إن إستبدال لوقا لكلمة السيف بكلمة الإنقسام يبدو إنه لاحق على قراءة متى وإن قراءة متى هل الأقرب للقول اللي في Q.
خلاصة الموضوع: يبدو إن الصياغه اللي قالها المسيح -كما هي في صورة القول الأقدم في Q- هي “مَا جِئْتُ لأُلْقِيَ سَلاَمًا بَلْ سَيْفًاً” مش “إنقساماً”، وباين من سياق متى إن مفيش أي أمر بحمل السيف، ولكنه نبوّه عن السيف اللي هايواجهه المؤمنين. لوقا أخد نفس القول من Q لكن صاغه بطريقه تانيه بكلمة الإنقسام أو الشقاق بدل السيف، وده معناه إن من القرن الأول الكنيسه مشافتش الكلام ده بمعنى “أنا جيت أدعو للسيف”، ولكن بمعنى “بسبب كرازتي هاتواجهو السيف”. في نفس الوقت أو في وقت مبكر بردو كان في جماعه تاني الإنجيل بتاعها بيشرح الصياغه اللي في Q بشكل متوسِّع أكتر وبيحط السيف في سياق الشقاق والإنقسام والحرب اللي هاتواجه بيوت المؤمنين.
وبالتالي لا سياق النص ولا لغته الداخليه فيهم دعوه للعُنف، ولا كتبة البشائر القانونيه ولا كتبة النصوص المُبكره اللي لم تُقنن صاغو النص بمعنى روح شيل سيف عشان الكرازة.

Similar Posts

2 Comments

  1. مقال روعة يا جون كالعادة ملئ بالكثير من الأفكار والتفنيد
    في جزء عايز اعلق عليه هو موضوع قلب موائد الصيارفة أنا ليا وجهة نظر توافقية شوية مع الطرح اللي بيقول ان حصل بس بمقياس صغير لا يستدعى الانتباه، ان دا سوق بيحصل فيه كتير الكلام دا كل شوية المكان مش هادي علشان التصرف يكون ملفت للجميع . وفي نقطة غريبه اشمعنى هنا محدش من التلاميذ مثلا انتهر او قام بفعل حتى اي فعل للصيارفه . ودا بعكس اللي حصل يوم القبض على المسيح وان نفس التلميذ اللي حاول الاعتداء والقيام بعنف قام بعدها بساعات بنكران المسيح .
    التأويلات النصية دي مش هتخلص ليه لانها بتبدي من نقطة النهاية وترجع للبداية يعني لو عايز تفسير نص لاي حاجة عادي ممكن جدا توصل ليها بنفس النصوص من سلام إلى حرب

    1. ميرسي جداً يا فادي
      وارد يكون الحدث حصل على نطاق صغير، ممكن يكون محصلش بالصوره دي
      البعض قال إن القبض عليه كان بسبب شغب حصل في الهيكل
      كلها محاولات للفهم وبالرغم إنها مش بتبين شيء نهائي وأكيد بس بتبين جوانب من الظاهره وبتساعد على توضيح الصوره أكتر

      جون

Comments are closed.