الأخلاق في الميزان

(1) الوَجه المُظلم للأخلاق!

الأخلاق حلوه .. الأخلاق كلمه لما بتسمعها بتفكر في دلالات كويسه زي الأدب والذوق والكرم والإحتشام وبِرّ الوالدين. لحد هنا كلام سليم، وناس كتير قالتهولك وانت قولته لناس كتير. هنا أنا مش جي أكلمك في اللي كلنا نعرفه عن الأخلاق ولكن في الجُزء اللي كلنا بنختار منبصش عليه عشان منظومة الأخلاق تمشي .. هاكلمك عن جانِب من صفقة الأخلاق اللي كلنا بنتفق عليه ولكن لا ممنوع نتكلم فيه، مطلوب منك توافق عليه وتنساه عشان لو ركِّزت عليه المنظومه هاتبقا صعبه عليك.

خلينا الأول نعرَّف الأخلاق، بس مش بتعريف كيوت زي اللي قريته في أول سطر ده. بحسب المُعجم الوسيط “الخُلُق: حالّ للنفْس رَاسِخَةٌ تصدر عنها الأفعالُ من خيرٍ أو شرٍّ من غير حاجةٍ إلى فكرٍ ورويَّةٍ”. يعني نتايج الأخلاق مش مُجرَّد شوية أفعال خيِّرَه، الأخلاق ممكن تنتج الشَرّ. لكن تعريف المُعجم الوسيط قديم شويه، هنا هو قال إن الأخلاق حاله نفسه راسخه في الفَرد وهي اللي بتنتِج الأفعال، بس ده تعريف ناقص، تعالى نبص على تعريفات القواميس الإنجليزيه ونشوف عندهم حاجه أكثر دِقَّه ولا لأ.

بحسب قاموس Merriam Webster الأخلاق هي مجموعه من المبادئ بتحكم تصرُّفات الفرد والمُجتمع، أو نظريه أو نظام من خلاله بتتحدِّد القِيَم اللي بيتحرك بيها الفرد، أو توافُق بيأسس مجموعه من الأكواد اللي بتحدد ما يُعتبر صواب وما يُعتبر خطأ. التعريف ده أفضل من تعريف المُعجم الوسيط لأنه بيورينا البُعد الإجتماعي لظاهرة الاخلاق. قاموس Cambridge بيقول إن الأخلاق هي المعايير اللي بناءاً عليها بيتقيِّم السلوك لصح وغلط.

من اللي فات ده كله خلينا نصيغ تعريف يجمَع كل الحاجات دي مع بعض بشكل مُتَّسِق. الأخلاق هي بناء مُجتمعي بيتوافق عليه الناس بإعتبارها بِنيه أو كود بيقدر الفرد والمجموعه يقيِّموا بيه السلوك وبينتُج عن البِنيه أو الكود ده سلوك الفرد والمجموعه لأنهم من خلال الكود ده هايميلو الى إنهم يعملو اللي شايفينه صَحّ ويتجنَّبو اللي شايفينه غلط. التمييز بين المُستوى الفردي والجماعي مُهم لأن مش كل شئ بيقتنع بيه الفرد بيمارسه كجُزء من جماعه ومش كل شئ يحِل للجماعه يحِل للفرد. في خِطاب بيرجَع لأغسطس 1963 بيتسمَّى خطاب من سِجن برمنجهام Letter from Birmingham Jail بيقول مارتن لوثر كينج جونيور إن الجموع أكثر لا أخلاقيه من الأفراد -هو هنا بيردد عبارة اللاهوتي الأمريكي رينولد نيبور والباحِث في مجال الأخلاق- عشان يحذَّر الناس من الإنفعال بفكرة العُنف في أثناء مطالبتهم بحقوقهم. ف بيقولهم ما معناه لما تدافعو عن حقوقكو لازم تكونو مدركين إن وجودكو في مجموعه بيعرضكو للإنحدار لأفعال لا أخلاقيه.

التفسير اللي أعتقد إنه صح للموضوع هو إننا بنفكَّر في الجُرم بإعتباره شئ مادي بيتقسِّم لأجزاء أصغر. ف لما حد بيعمل جُرم لوحده بيتحمله بالكامل ولكن لما بيكون الجُرم جماعي كل واحد بيتصوَّر إن ذنبه أقل لأن الجُرم متقسِّم على عدد كبير وبالتَّالي بيكون أكثر تهاوناً في إرتكابه. ف الشخص اللي الكود الأخلاقي بتاعه بيمنعه يقتل ممكن يشارك بضربه واحده تُفضي إلى موت لو كان وسط مجموعه. والشخص اللي في الظروف الطبيعيه مش هايسرق لو إتحط وسط ألف شخص بيسرقو مول تجاري ممكن يعمل نفس اللي بتعمله المجموعه ويبرر ده لنفسه بأي تبرير يُعلى من دوافِع المجموعه اللي سرقت تجاه اللي محلّاتهم إتسرقت، زي مثلاً إنهم رأسماليين وأساساً سارقين حقوق الشعب وإحنا خدنا حقنا منهم وكأن الشعب كله يتمثَّل في الألف اللي إقتحمو المول.

يعني لحد دلوقتي شوفنا إن الأخلاق مش شئ إيجابي في المُطلق. الأخلاق مش شئ ثابت وقد يختلف بحسب معايير كل جماعه، وكمان قد يختلف ما بين نفس الجماعه وما بين إفرادها، ف على المُستوى الفردي يكون في شئ مرفوض لكن الجماعه تطوَّر موقف أيديولوجي يبرَّر ويسمح بما قد يتعفَّف عنه الأفراد.

الجانِب الإجتماعي للأخلاق يهمني أكتر في البوست ده من الجانِب الفردي النفسي. الكود اللي الناس بتتوافق عليه ده مش مُجرَّد مجموعة أفكار، ولكنه أفكار وأفعال وتراتُبيَّه hierarchy بيتحدد بناءاً عليها مكانة الشخص الإجتماعيه والإقتصاديه والسياسيه. ف مثلاً الشخص اللي بيتوصِم بحاجه لا أخلاقيه بيتعامل معاه المُجتمع بإعتباره منبوذ -إلا لو كان عنده نفوذ يخلي النبذ المُجتمعي ميطولوش- وبالتَّالي ف الفرد قدامه حاجه من إتنين، إما يواجِه المُجتمع بإنه يمشي بالكود الفردي الخاص بيه أو إنه يكون عنده أكتر من كود أخلاقي يستخدم واحد في السياق الجماعي وواحد في السياق الفردي عشان يتَّقي شَر الأذى الجمعي. يعني الأخلاق في حد ذاتها هي آداة قوَّه، زيَّها زي رأس المال، زيَّها زي النفوذ، وزيَّها زي التأثير بالخطابه … تخيَّل إني في البوست ده بمارس عليك قوَّه بمحاولتي لإظهار فكرتي بإعتبارها أكثر منطقيَّه وترتيباً عشان انت كمان تقتنع بالفكره وتنشرها. كل دي علاقات قوَّه، حتى لو تم تغليفها في غُلاف خيِّر أو حتى لو كان الدافِع وراها خيِّر فعلاً ف شئت أم أبيت كل شئ بتعمله بيخلق هيراركيَّة قوَّه وليها تأثير.

الأخلاق مبتبقاش موجوده في الهوا كده، دي بتلتصق بمنظومات تانيه تتفاوت في القوَّه والتأثير. ف مثلاً الأخلاق متغلغله في المُعاملات التُجاريه، ومُتغلغله في الجوانِب الإجتماعيه الخاصه بالزواج، وطبعاً طبعاً في الظاهره الأكثر نفوذاً في الشرق الأوسط وهي الدِّين. تقولي مثلاً الدين هو اللي بيحدد الأخلاق، أقولك حقيقي ولكن ده جُزء من الصُّوره، الصُّوره الأكبر إن الأخلاق بردو بتحدد الدِّين! دلوقتي انت رفعت حاجبك (أو الإتنين، وإحتمال بعض الشتيمه كمان)، ف خليني أضرب مثال قبل ما تكمل شتيمه. هل تعلم يا عزيزي الدوق إن العبوديه مثلاً لم يتم تحريمها في الأديان الإبراهيميه التلاته؟ وهل تعلم عزيزي الدوق إن مقاومة العبوديه تطوَّرت كإمتداد لمنظومه أخلاقيه فيها عوامل من ضمنها العامل الديني ولكنه ليس المُحرِّك الوحيد؟ شايفك .. رفعت حاجبك تاني وهاتقولي إيه يا عم الكلام اللي عكس بعضه ده!!.

إمشي معايا واحده واحده .. اليهوديه مثلاً فيها تشريعات للعبوديه، وإمتا الواحد يُستعبد وإمتا يُطلَق وإمتا تنتهي عبوديته لو تعرَّض لأذى بدني، لكن مفيهاش نَصّ بيقولك العبوديه ملغيه وكل البشر أحرار. المسيحيه جت في السِّياق الروماني، وقدِّمت مُساواه روحيه ما بين الساده والعبيد وجمعتهم على مائدة إفخارستيا واحده، لكن مأعلنتش إن الهيراركيه الإجتماعيه إتلغت، ولكنها أعلنت إن الكل مُتساوى لما يصطبِغ -يتعمِّد- بالمسيح. في نفس الوقت، النصوص الدينيه المسيحيه واليهوديه (العهدين يعني) تم إستحضارهم بإستمرار في المُناقشات الخاصه بتحرير العبيد، ولكن المُنطلق مش إن النصّ ألغى العبوديه ولكن من مُنطلق إننا المفروض نتحرَّك خطوه تجاه أخلاق أكثر كمالاً، يعني مثلاً، نفس النصّ اللي محرَّمش العبوديَّه إتكلِّم عن مساوئ العبوديه وأد إيه هي خبره بغيضه ومُرَّه، وبالتَّالي إن كانت خِبره بغيضه ف مينفعش نفرضها على إخواتنا اللي من نفس البلد. من هنا بقا في إتِّجاه لتطوير فكره موجوده في النصّ الديني عشان يتقنِع بها المؤمنين بالنصّ الديني حتى لو كان لا يوجَد عليها نص صريح في النصّ الديني. كل ده حصل جوا ديناميكيه أكبر وهي الدوله. بقا في قوَّه تانيه إسمها قوه المواطنه، وبقا النصّ الديني بيتفسَّر عشان يخليها أقوى. وبعد كده الإعلان العالمي لحقوق الإنسان خلَّى إحترام الإنسان قيمه عُليا قدر العالم يضغط بيها على دول كتير كان فيها عبوديه عشان تلغي المُمارسه دي، بس مش هاقولك أسماء الدول عشان متتخضش، هاسيبك تدورَّ لوحدك، مش كل حاجه هاقولهالك وأتشتم أنا.

يعني في صراع منظومات وأكواد أخلاقيه كتير؟ بالظبط، كده بدأت الفكره توصلك. الاخلاق مش حاجه واحده، الأخلاق إتِّفاق جماعي، وبالتَّالي لو في جماعه تانيه توافقت على فِعل بإعتباره فِعل أخلاقي هايمارسوه وهايمتنعو عن عكسه. ولازم تاخد بالك بردو من النقطه اللي قولتلهالك فوق، إن من الخطر إنك ترسم علاقات سببيه بين المنظومات دي بإعتبار إن بعضها بيأثر في البعض التاني بعلاقات من إتجاه واحد، من نوعية الدين بيشكِّل الاخلاق والمُجتمع بين الأخلاق والمُجتمع مش بيشكلو الدين. أعتقد لو بصيت على تاريخ الأفكار في العالم ف هاتلاقي حاجات تفاجئك في الموضوع ده.

طيب، لحد هنا شوفنا إن الأخلاق -سواء كان ده مُريح بالنسبالك أو لأ- هي حلقه في منظومة القوه. الجماعه بتحُط كود معين وعلى المُنتمين ليها الإلتزام بيه. وبالتالي علاقتك بالجماعه ممكن تتأثر لو رفضت تلتزم بالكود اللي الجماعه بتحطهولك، ولذلك أوقات بتضطر تتماهى عشان ميتمش نبذك ورفضك. هنا نيجي لمُشكله بنعاني منها في مُجتمعنا المصري وهي مُشكلة الحُريات الشخصيه. بعض السياقات التاريخيه والإجتماعيه والدينيه أنتجت نمط من الاخلاق بيسمح وبيحُض الإنسان على التدخُّل في حياة وخصوصيات غيره تحت كليشيات زي النصيحه والخير المُشترك والحُب والإهتمام والأخوه والعائله والإلتزام وما إلى ذلك من سلسله مالهاش آخر. الحقيقه إن هنا الأخلاق بتتحول من ما هو صح أو غلط بحسب تعريف الجماعه إلى آداه كل فرد بيسخدمها عشان يقتحم مساحات مش هايعرف يقتحمها من غير ما يرفع راية الأخلاق. الأخلاق حلوه لأنها بتنظَّم مُعاملات الناس، ولكنها في نفس الوقت بتُستخدم لمنح طرف سُلطه على الآخر.

تخيَّل الموضوع كأنه طبخه، كل ما يزيد واحد من المقادير الطبخه تتغير. لو الطبخه زادت فيها الحريه هايقل فيها الكود اللي بيخلي الناس شبه بعض. ولو زاد فيها التنسيق وتوافق السلوك والخطاب هايقل فيها التنوُّع والحُريه والإبداع. الطبخه دي عمرها ما هاتظبط بحيث إنها تعجب الكل. ولازم تتفهَّم إن الطبخه دي مش بتاعتك لوحدك، وإن مالهاش كتالوج يخلي طبختك صح وطبخة غيرك غلط. لكن ممكن تقول إن مجموعه من الأفراد بتحب الطبخه بطريقه معينه ومجموعه تانيه عايزه الطبخه بردو بس بمقادير مُختلفه. المهم هنا إن مفيش طرف يقرر يأكل الناس كلها نفس الطبخه على مزاجه ظنَّاً منه إنه هايجبرهم على مصلحتهم أو ظنَّاً منه إنه موكَّل على الكل لإصلاحهم. الضابط الوحيد اللي لازم يجبِر الكُل على الإلتزام بيه هو القانون اللي بينظَّم حقوق المُواطنه، أي شئ لا يُخالف قانون المواطنه اللي بتمثله سيادة الدوله هو كود قابل للتنوع والتفاوُض والحُريَّات الشخصيَّه.

(2) الأخلاق ما بين الإنسانيّه والأمر الإلهي والدوله

القراءه الإنسانيّه في الأخلاق هي ببساطه إننا هانتوافق على مباديء تُنصفنا جميعاً ومش هانلتجيء لأطروحه تخلي حد فين مُتسلط على التاني. أيّ طرف مُستضعف هاتطرح على الأطروحه دي هايقولك أنا معاك، ويلا نتبنّى معيار أخلاقي زي الإنسانيّه. شويه وهايروح طالعلك واحد ويقولك والله موضوع الإنسانيّه ده مش واكل معايا، وأنا عندي أطروحه تانيه بتقول إن العِرق/القوميّه/الدين/الحضاره بتاعتي أسمى منكو يا شوية غجر، وبالتّالي أنا عندي مصدر تاني لتسويغ الأخلاق ومختلف معاكو أساساً في مفهوم وبنود الأخلاق وشايف إن من حقي اللي ييجي تحت ضرسي أكسره. ساعتها كله هايقوله لا مشيها معانا إنسانيّه وكده، ف يقولك والله مش مضطر، إنتو إلعبو بالإنسانيّه مع بعض وأنا هاتبنّى معيار تاني يُبيح ليا إني أستخدم القوّه، أنا صحيت الصبح حسيت إني نيتشه سيكا وعايز أطلع ال Übermensch عليكو. طب يا عم مانت كنت معانا وقولت نقضيها إنسانيّه وكده، ف يقولك والله كنت مضطر، دلوقتي مش فايقلكو وعايز أبص في ال Abyss شويّه.

الإنسان من ساعة ما وعي على الدنيا معرفش يصيغ منظور مُلزم أخلاقياً لكل البشر. كل مجموعه بتستقي مجموعه من القوانين وبتُكسبها مشروعيّه، سواء القوانين دي جايه من إتفاق مجتمعي/قَبَلي أو جايه من تصوُّر عن إله مُعيّن. والقوانين دي بتفضل تتخلخل وتتشعَّب وتتأوِّل لحد ما بتتحول هي نفسها لشيء يُمكن التلاعُب بيه لأقصى درجه. لدرجة إن قواعد أخلاقيّه كتير من خلال تأويلها وتقنينها وتعميمها بقت بتقبل الشيء ونقيضه، وبقت مجرد سطور دخلت الدايره الهرمنيوطيقيه ومخرجتش، وصار الحُكم في إيد مُفسِّر القانون اللي بيشغله ويعطله بكيفه طول ما هو معاه الأدوات. وكمان الأخلاق اللي من النوع ده بتستخدم كآداه للفوقيّه القَبَليّه بحيث كل مجموعه تشوف نفسها أسمى أخلاقياً عشان قانونها الأخلاقي أحسن قانون في الدنيا، وبالتالي أنا كواحد معايا أحسن معيار أخلاقي من حقي أروح أفرض معياري على باقي الناس المُنحلّه اللي متعرفش الصح من الغلط. يعني من الآخر موضوع الأخلاق الخاصّه بمجموعه هايتحول بالضروره لخطاب سُلطه وخطاب كراهيه والكل هايبقا عايز يسيطر بالآيديولوجيا بتاعته وبمنظوره للأخلاق على أي آخر مُختلف معاه.

بعد فتره جت الناس قالت والله قصة الأخلاق الفئويّه (اللي بتنتمي لفئات بعينها زي الثقافات والحضارات والأديان) مش هاتكون محَل إتّفاق بين الناس اللي أساساً مختلفين في اللغات والثقافات والحضارات والأديان. ف عايزين ندور على umbrella أكبر نقف كلنا تحتها. ف صاغو أخلاق تتمحور حوالين الإنسانيّه. وبالرغم من إن ده أفضل ما يُمكن الوصول إليه لأنه مش هايسلط ناس على رقاب ناس إلا إنه هايتفكك هو كمان لأنه مالوش بِنيه منطقيّه حقيقيّه. زي ما الأخلاق الكلاسيكيه إتفككت الإنسانيّه هاتتفكك. وأول خطوات تفكيكها في الصفعه اللي هاياخدها الغرب قبل الشَّرق من خلال العُنف اللي بيحصل دلوقتي. الغرب -اللي عنده عُقَد ذنب أصيله في ثقافته- مش هايقدر يكمل كتير في مناظر الدّم، وتصوُّري إن هايحصَل قلق وعوأ كتير حوالين سؤال الأخلاق في الفتره اللي جايه، وكل ما السؤال ده بيطلع بيكون إما مؤّشر أو ناتِج عن ظهور أصوليات وقوميات.

في فترة الهولوكوست، الغرب واجه أسئله عنيفه جداً بسبب مُعاناة الناس في ال concentration camps. المسيحيه مكانتش مسئوله عن ال camps لكن اللاهوتيين حاولو يعيدو قراءة موقف الكنيسه في عالم بالجنون ده. والسياسيين لقو نفسهم قدام خصم -الفوهرر في الحاله دي- معندوش أي ضابط أخلاقي يُمكن التحاور معاه. خصم مبيفهمش غير القوّه، ومعندوش أي مانع يرتكب أبشع الجرائم لأنه شايف إنه بيرتكبها في حق مجرد “حيوانات”. هنا الغرب إضطر يرُد بنفس العُنف، هنا مكانش في مجال للإنسانيّه، وهي دي المُشكله الأصيله في الطرح الأخلاقي الإنساني، إنه معندوش قوّه تُلزم وتُجبِر كل الأطراف على الإلتزام بيه. وبالتّالي الأخلاق الإنسانيّه محتاجه حارس يمتلك القوَّه ويُخضع الكُل للأخلاق الإنسانيّه، والحارس ده نفسه مش هايكون ليه رقيب، يعني من الآخر العوار اللي في الطرح الأخلاقي الإنساني هو نفس العوار اللي في الطرح القومي والطرح العرقي والطرح الأصولي الديني. فيهم كلّهم في جماعه بتُسلَّط على رقاب الكل كرقيب ومُنفِّذ للأخلاق.

الدايره دي مالهاش مخرج، أعتقد نهايتها الحتميّه إن كل مجموعه هاتفضل تسعى للقوّه عشان تفرض نُسختها من الأخلاق. وهايفضل الإنسان يبني ويفكك كل طرح أخلاقي لحد ما هايرجع لقراءة نيتشه تاني، إن مفيش أي شيء خارج التأويل، وده بقدر ما هو حزين بقدر ما هو مُتوقَّع. الدُول كسُلطات بتنظم حياة مواطنيها هاتقدر ترفع العبء ده عن الأفراد، لكن مين يفصل بين الدول؟ مين يفصل بين التحالفات؟ مين يحط معيار أخلاقي مش معيوب منطقياً ويُلزم الكُل – القوي والضعيف على السواء؟ مفيش …

 (3) علاقة الأخلاق بالمُعجزه!

في كتاب Introduction to Ethical Theories: A Procedural Approach ص29 بيطرح Douglas Birsch سؤال بينقد بيه النسبية الأخلاقية Moral Relativism، ف بيقول تخيل إن لو في شخص ألماني سنة 1939 وإستخدام النظريه الأخلاقيه النازيه في تبرير أحكامه ومُمارسته للعُنف والإباده هل يُعتبر الشَخص ده مُبرَّر منطقياً في تبنِّيه أخلاق مُجتمعه كمعيار لأحكامه الشخصيه الخاصّه؟ وبيقول Birsch إن أي شخص هايُطرح عليه السؤال ده هايحس إنه من الخطأ إنه يجاوب السؤال ده بإن الشخص مُبرر منطقياً في الإحتكام للأخلاق النازيه. بس في نفس الوقت Birsch بيتجاهَل نُقطه مُهمه وهي إن حُكم الشخص الآخَر على الشَّخص النازي نابِع من النمط الأخلاقي اللي بيتبناه الشخص ده مش من خطأ المنطق اللي بيلجأ للعُنف، وبالتّالي لو هاتسعى لإلزام أخلاقي ف الإلزام ده واقِع على الشخص الآخَر اللي أخلاقه بتقوله إن أفعال النازي غلط مش إلزام للنازي نفسه لأنه شايف إن الآيديولوجيا بتاعته بتسمحله بالعُنف. يعني من الآخَر لفينا ورجعنا للنسبيّه بردو!

طب الأنماط الأخلاقيّه اللي بتنظَّر لأخلاق Universal بتحِل المُشكله دي إزاي؟ هاقولك المنظور المسيحي والمنظور الإسلامي بيتعاملو مع السؤال إزاي. في مُناظره ما لWilliam Lane Craig إقترح الحُجَّه التاليه: (1) المسيح قام وأنا أقدر أثبت ده، (2) وبالتالي ده يَلزَم منه إن الله موجود، (3) إذاً في معيار مُطلق تُقاس عليه الأخلاق وتجِب طاعة الإله واضع الناموس الأخلاقي. حُجِّة Lane Craig هنا سليمه منطقياً من ناحية المباني، يعني لو المقدمه (1) صحيحه فعلاً هايلزم عنها (2)، ولو (1) و (2) صح هايلزم عنهم (3). ولكن المُشكله إنه أحال سؤال الأخلاق لسؤالين تانيين (أ) سؤال ال Ontological Existence للإله، و (ب) قدرة التاريخ على إثبات (مش بس ترجيح) حدث ما مع الأخذ في الإعتبار إن الحدث مُعجزي. وخلي بالك إن بحسب طرح Lane Craig السؤال الأنطولوجي هو كمان عبء الإثبات فيه مرمي على المبحث التاريخي. يعني من الآخر سؤال الأخلاق بقا سؤال التاريخ وسؤال التاريخ بقا سؤال المُعجزه.

في نفس السياق المنظور الإسلامي هايقولك إنك عشان تقدَر تقنع حد بمنظومه أخلاقيّه مُعيَّنه لازم تلتجيء لمبحث الألوهة اللي هايتخصص بعد كده بمبحث النبوَّة، يعني مش كفايه تثبت وجود “إله” ولكن كمان لازم تثبت وجود رساله، وفي مبحث النبوَّة هاتوصَل لبراهين النبوَّة اللي إتكلم فيها علماء زي إبن رشد والرازي ومن ضمنها إعجاز القرآن والمُعجزات المذكوره في القرآن والسُنَّه. وبالتالي الحُجَّه تُصاغ في بِنيه مُشابهه لحُجِّة Lane Craig في الصُّوره التاليه: (1) يُمكن إثبات حَدَث خارق للعادة مقرون بالتحدِّي وسالم عن المُعارضه، (2) إذاً الشخص اللي أُجريت على يديه المُعجزه مُؤيَّد من المُتحكِّم في الطبيعة، (3) إذاً يوجَد إله، (4) وبالتّالي ينتُج مما سَبَق إن شرائع الإله هي المعيار الموضوعي للأخلاق.

في كتاب After Virtue: A Study in Moral Theory بيقول Alasdair Macintyre في ص9 إننا لازم نميِّز بين السبب اللي بقدِّمهولك على إختياراتي الأخلاقيَّه وبين قدرة السبب ده على إلزامك بالإلتزام بإختياراتي الأخلاقيّه. يعني مثلاً -بيقول Macintyre- إن لو أنا مديرك في الشغل وطلبت منك تعمل task ف اللي بيلزمك هو إني في منصِب أعلى منك يُجبرك على الإلتزام بكلامي. هنا ممكن نستعير حاجه من ال Sociology وال Cognitive Linguistics إسمها ال Framing Theory. ال Framing Theory بإختصار هنا إنك بتشكِّل الظاهره محل الدِّراسه من خلال وضعها في إطار أكبر. ف مثلاً لما نرجَع لأول مثال ناقشناه، وضعنا ظاهرة الأخلاق في الإطار الآيديولوجي النازي اللي معندوش معيار أخلاقي Universal ومعندوش تنظِير للألوهه وعنده تراتبيَّه عِرقيَّه بتسمح لعرق مُعيِّن إنه يتعامل مع باقي الأعراق الأدنى -في منظوره- بإعتبارها “حيوانات” مفيش ضرر من موتها بالعكس ممكن يكون في فايده. لما روحنا للسياق المسيحي والإسلامي الإطار إختلف وبقا إطار ثيولوجي، يعني فيه مُحرِّك أوَّل وضَع أُسس أخلاقيَّه مُعيَّنه يجِب الإلتزام بيها وبالتَّالي مبقاش في نِسبيَّه أخلاقيَّه (وإن كان الموضوع مش strict أوي كده)، ولما واجهتنا عَقَبة إثبات المُحرِّك الأول حطينا الأخلاق جوا frame تاني وهو المُعجزه، بحيث تبقا المُعجزه معيار يوصلنا لوجود المُحرِّك الأول ومن المُحرِّك الأول نوصل -عقلاً- لضرورة وجود أوامر ونواهي موضوعيَّه لا تتوقَّف على رؤية الشخص ومشاعره لسؤال الأخلاق.

يتبقِّى نقطه واحده مُعضله جداً وهي نُقطة إثبات المُعجزه اللي بردو هاتنطوي في داخلها بالضَّروره على نوع من الإتفاق المُجتمعي لأن مصادرنا للتعامُل مع المُعجزه هي مصادِر مُقنَّنَه من خلال إختيار النّصوص نفسها أو الحُكم عليها بمعايير علوم الآله والنقد الأدبي. يعني بردو لازم تخلي بالك إنك لو هاتتبنَّى قراءه ثيولوجيّه لمبحث الأخلاق هاترجَع في الآخِر لصوره من صُوَر الإجماع المُجتمعي هاتختلف معاييرها من جماعه للتانيه وده هو نفس النَقد اللي وجِّهته للنِسبيَّه الأخلاقيَّه.

(4) الأخلاق والمشاعر!

في دراسة الأخلاق المشاعر بتشكِّل جُزء مهم جداً من البحث. في كتاب Moral Brains: The Neuroscience of Morality بيورد S. Matthew Liao مجموعه من التجارب اللي إتعملت لدراسة علاقة الأخلاق بالمشاعر. في ص٣ بيقول إن واحده من النقط اللي لاحظها James Blair مثلاً كانت إن ال psychopaths مبيميزوش بين التعديات الأخلاقيّه والتعديَّات العُرفيَّه، ف مثلاً ال psychopath بيتعامل مع السؤال حوالين أخلاقية القتل (تعدِّي أخلاقي) زي ما بيتعامل مع السؤال حوالين إمكانيّة إنك تتكلم مع زميلك في فصل أو مُحاضره (تعدِّي عُرفي)، والسبب في إن ال psychopath بيتعامل مع السؤالين بنفس الطريقه هو إنه emotionally impaired أو عنده خلل في المشاعِر وبالتَّالي مش بيتأثَّر بالمشاعِر في القضايا الأخلاقيّه. يعني ال psychopath مبيفهمش سؤال الأخلاق غير في إطار القانون أو مجموعة الأوامر والنواهي، والأخلاق مش بتلعب دور في السؤال بالنسباله أساساً.

في دراسه تانيه ل Jorge Moll لاحظ إن الناس اللي بيحصلها إصابه في منطقة ال orbitofrontal cortex في المخ بيفقدو القدره على التعاطُف وبيبقا سلوكهم غير إجتماعي، ونفس المنطقه دي هي اللي بتشتغل بشكل كبير لما الشخص العادي لما بيتعرّض لصور فيها قدر كبير من المشاعر ومُحتوى أخلاقي (زي مثلاً صور ناس بتتعذب أو قتلى الحروب أو الجرائم)، نفس التأثير دي مش بيحصل لو كانت الصور مفيهاش مُحتوى أخلاقي، يعني لو الشخص العادي شاف صوره لحد ميّت في فيضان مثلاً المنطقه دي من المخ مش هايحصلها activation، وبالتالي نقدر نفهم من كده إن المنطقه دي بتتفاعل مع الجانب الأخلاقي للمشاعر.

في نوعين من المشاكل الأخلاقيّه، شخصي personal وغير شخصي impersonal. النوع الأول شبه فكرة ال trolley problem اللي بتقولك إن عندك قطر هايدوس خمسه لكن تقدر تغيَّر إتجاهه وتخليه يدوس واحد بس. هنا إنت مش هاتتلامس مع الشخص اللي هايموت، وكل تدخلك في ال trolley problem إنك هاتحرَّك ذراع التحويله بتاع القطر. في نسخه تانيه من ال trolley problem بيقولك إنك شايف القطر جي من بعيد وانت فوق كوبري، والقطر هايدوس خمسه، لكن في واحد ضخم جداً جنبك فوق الكوبري ولو زقيته من فوق كتلة جسمه هاتوقف الحركه وبالتالي هايموت واحد بس بدل الخمسه. لما عملو تجربه على ال scenarios دي لقو إن نسبة الناس اللي قالت إنها هاتغير إتجاه التحويله وتنقذ الخمسه على حساب الواحد أكبر بكتير من نسبة اللي وافقو إنهم يزقو الشخص الضخم من فوق الكوبري عشان ينقذو الخمسه. لو فكرت فيها بشكل براجماتي هاتلاقي إن ال scenarios فيها نفس المنتج النهائي، واحد هايموت وخمسه هايعيشو، لكن فكرة إن الناس هاتتلامس مع الشخص اللي هايموت ويزقوه بشكل مباشر من فوق الكوبري خلت عندهم مشاعر سلبيه أكبر وبالتالي موافقوش عليها.

في تجربه عن نفس الموضوع إكتشف Joshua Greene إن السيناريو اللي بيتلامس فيه الشخص مع الراجل اللي هايموت شغّل أماكن في المخ زي ال medial frontal gyrus وال posterior cingulate gyrus وال angular gyrus ودي مناطق مسئوله عن المشاعر والوعي الإجتماعي. وبالتالي لما المناطق دي بتشتغل مشاعر الشخص بتأثَّر على أحكامه الأخلاقيّه.

نيجي لنقطه خطيره هنا. لو عايز تُضفي شيء من الموضوعيّه الأخلاقيّه المُطلقه على أحداث فيها عُنف (زي محاولة تبرير خطاب عنصري أو تفسير نص ديني مثلاً) ف انت محتاج تعطَّل مشاعر اللي بيسمعوك. تعطيل المشاعر هنا ضروري لأنك لو سيبك كل شخص يحتكم لمشاعر هاترجع تانيه لمساحه ذاتيّه، بس إنت عايز موضوعيّه، طب الحلّ إيه؟ الحل هنا إنا تعطَّل الأخلاق بنوع من السُّلطه اللي ترفَع عن الشَّخص الشعور بالذًّنب حتى وهو بيدعَم أو بيرتكب الفظائع الأخلاقيّه. عشان تحقَّق ده لازم تحط المشاعر في frame أكبر بحيث إن يكون في سرديّه تانيه تُبطل المشاعر، ويمكن كمان تحسِّس الشخص بالذنب لو أطاع مشاعره ومارس العُنف أو العُنصريّه. هنا تيجي أهميّة الآيديولوجيا وأدواتها. الآيديولوجيا قادره على إنهم تقدملك شيء بغيض جداً بإعتباره الوضع المثالي، ممكن تحت مُسمّى المنطق، ممكن تحت مُسمّى العُرف الإجتماعي، ممكن تحت مُسمّى الوطن (زي ما النازيّه عملت)، وممكن تحت مُسمّى ديني. كل الحاجات دي ممكن تُستخدم ك paradigms تُبطِل الشعور وتُجيز للشخص ما لم يكُن يُجيزه لنفسه لو كان إحتكم لردود فعله الطبيعيه اللي من ضمنها مشاعره.

الموضوع مش بالبساطه دي، ومنقدرش نقول إن الحل هو في الإلتجاء للمشاعر فقط، لأن في psychopaths وفي ناس بتحوِّلها مُجتمعاتها وأفكار المُحيطين بيها ل psychopaths حتى لو هم بيولوجياً معندهمش خلل ما في المخّ. لكن من المهم جداً النَّظَر لكل الآليات اللي بتحاول تتخطَّى المشاعر الطبيعيّه لشرعنة العُنف واللا أخلاق في ثوب المنطق أو القيم العُليا أو المُطلق.

(5) الميزان الأخلاقي لحَسَن الصبَّاح

شخصيَّة الصبَّاح زي ما بيصورها مسلسل الحشاشين هي شخصيه لشخص بيتلاعب بكل شيء لتحقيق تصوُّره، أينعم المسلسل فشل تماماً -على الأقل لحد الحلقه ٢٢- في عرض الراجل ده عايز إيه بالظبط وهل هو راجل بيلعب سياسه بس ولا religious fanatic ولا إيه، بس خلينا نناقش من منظور أخلاقي إسلوبه في إدارة الجريمه.

أي نمط أخلاقي هو في مكان ما بين قُطبين. القطبين دول إسمهم Deontological Morality و Consequentialist Morality. الأول هو المنظور اللي بيقول إن الأخلاق هي مجموعة أوامر ونواهي لازم تتنفذ بدون النَّظَر في السياق ولا الدوافِع ولا الغايه. يعني الوصيه اللي بتقول متقتلش تطبيقها بإنك متقتلش، نهائي! المنظور التاني أو ال Consequentialist، زي ما هو باين من إسمه هو نمَط بيقيس مشروعيَّة الفعل بناءاً على نتايجه، يعني من الآخر هو منظور براجماتي ببقيس صلاحية الفِعل بحسب النَّفع النّاتج منه، يعني لو القَتل فيه مصلحه يبقا أخلاقي. أي نمَط أخلاقي هو في مكان ما بين المنظورين دول، وأوقات بيكون كوكتيل من الإتنين، وأغلب الوقت بيدخل عامل لغوي في الموضوع بحيث إن نفس الفِعل يتسمى بإسم ف يبقا أخلاقي ويتسمى بإسم تاني يبقا لا أخلاقي. يعني مثلاً العلاقات خارج الزواج لا أخلاقيّه، بس لو طلعت تحارب وخدت سبايا إشطه. هنا اللغه بتتدخّل وبتحط الفعل في frame معين ف تحوِّل الشيء الأخلاقي للا أخلاقي والعكس.

طيب أخلاقياً، إيه مُشكلة المنظور الأول أو ال Deontological Morality؟ مشكلته إنه مستحيل عملياً. ف مثلاً بيقول اللاهوتي المسيحي أبروسيوس أسقف ميلان “ليس للمسيحي أن يَرُد ضربات السَّارق المُسلَّح لئلّا بدفاعه عن حياته يُدنِّس محبته لقريبه!”، هنا معيار الأخلاق معيار مُتعالي، فوق تاريخي وفوق زمني، وغير مَعني بالسياق. مش مسموح للمسيحي يُمارس العُنف حتى دفاعاً عن نفسه. ممكن تقولي دي قراءه مُتطرفه جداً، هاقولك معنديش مُشكله، أنا بستخدمها عشان أوريك مثال لآخر الخط فيه إيه. المُشكله التانيه في المنظور ده إنه مُنافي للمنطِق خصوصاً لما يكون في ضَرَر أكبر ممكن تتفاداه بإرتكاب ضَرر أصغر. زي مثلاً في السياق الطبي إنك “تجرح” جسد شخص وتاخد منه عضو عشان تنقذ بيه حياة شخص تاني هايموت. أو إنك في حاله شبه ال trolley problem بحيث إنقاذك لخمس أشخاص من الموت يتوقف على توجيهك لعربيتك بعيد عنهم ولكن هايترتب غلى ده موت فرد واحد.

الناس اللي بتميل للمنظور ده بتحاول تحل ال trolley problem بإنها تميِّز بين الفِعل (بيسموه positive act) وعدم الفِعل (بيسموه omission)، زي مثلاً الفرق بين إنك تقتل وإنك تسيب حد يموت بدون ما تنقذه. في المثال ده هايقولك أنا هاسيب العربيه تروح ناحية الخمسه ومش هاتدخل وأنا موقفي مش غلط لأن مش أنا اللي وجهتها ناحيتهم، كل اللي عملته فقط إنه متدخلتش وموجهتهاش ناحية الفرد وبالتالي أنا مرتكبتش جريمه في الناحيتين. بس الموضوع ده مُعضِل لأن بنفس المنظور عدم إتّخاذك للقرار سبب موت أربعه زياده لأنك كان ممكن تنقذ الخمسه حتى لو هايموت واحد.

طب لو بدأت تعمل إستثناءات في المنظور ال Deontological؟ ساعتها هايتحول لدرجه من درجات البراجماتيه أو ال Consequentialism، لأن هنا تدخَّلت النتايج المترتبه على الفعل في مشروعية الفعل نفسه. ولو دخلت في ال Consequentialism هاتواجهك مشاكل تانيه كبيره، ودي اللي هاتوصلنا لحَسَن الصبَّاح. المشكله هنا هي النتايج من حيث الكيف والكم بتتقاس بمنظور مين؟ يعني لو في طرفين مُتنازعين نزاع تاريخي على أرض، ووجودهم بيهدد بعض، هنا كل طَرَف هايشوف نفسه مُسوَّغ في إبادة التاني، الأخلاق هنا فين؟ مين صاحب الموقف الأخلاقي ومين ضِد الأخلاق؟ لو كل واحد هايقيس النتايج والمصلحه من منظوره يبقا الأخلاق بيحددها الأقوى واللي هايقدر يسرِد تاريخ الأخلاق، هنا بتتحوِّل الأخلاق لجُزء من سرديَّه تاريخيَّه وبتفقد وجودها الموضوعي.

طب الدين بيقدِّم أخلاق Deontological ولا Consequentialist؟ والله ده سؤال شائك. في ناس بتدَّعي إنك وصايا الدِّين كلها موضوعيَّه ومُتعاليه ونافذه، يعني كلّها Deontological. يعني مثلاً أمر الله لإبراهيم بذبح إبنه كان أمر Deontological، إطاعة إبراهيم مش مرهونه بنظرُه في النتايج، ده بالعكس، ده الأخلاق هنا -من منظور السرديّه الدينيّه- إن إبراهيم يقتل إبنه. وزي ما إتكلمت قبل كده عن منظور أغسطينوس للحته دي لما قال إن الأمر الإلهي هو اللي بيُضفي الأخلاق على الفِعل حتى لو كان الفِعل بدون الأمر الإلهي فِعل لا أخلاقي. وممكن حد يقول إن وصية المحبَّ في المسيحيّه هي وصيَّه Deontological، غير مُرتبطه بسياق تماماً، وشرحها المسيح بالمنظور ده لما قال “وَإِنْ أَحْبَبْتُمُ الَّذِينَ يُحِبُّونَكُمْ، فَأَيُّ فَضْل لَكُمْ؟ فَإِنَّ الْخُطَاةَ أَيْضًا يُحِبُّونَ الَّذِينَ يُحِبُّونَهُمْ.” (لو 6: 32). بس هل كل الأسئله الأخلاقيَّه يُمكن إختزالها في وصايا بالشكل ده؟ هل مشاكل الزواج مثلاً ممكن تتحَل بوصيَّه نافذه بلا سياق؟ هل النزاعات الماديَّه وشئون السياسه ممكن يُنظر فيها بوصايا Deontological؟ الحقيقه لأ!

هاتقولي طب ماهي كده خلاص إتحلِّت، نرجع تاني لل Consequentialism، ونقيس كل حاجه على النتايج! هاقولك إن بغض النظر عن المُشكله اللي طرحتها عليك وانت نسيتها لما ركزت في عيوب ال Deontological Approach، ف المشكله اللاهوتيّه في البراجماتيه إن المعيار فيها هو العَقل والقياس البشري، يعني إيه قيمة وصيَّه بيتلاعب بيها اللي بيفسَّرها؟ ماحنا كده لفينا لفينا ورجعنا تاني لمدخل بشري إجتماعي نفعي للأخلاق، يعني بعد الفرك ده كله وبعد ما بدأنا من قراءتين مُتعاليتين للأخلاق نزلنا على إن واحده صلبَه بدرجه لا تُلائم الواقع والتانيه مَرنه لدرجة إنها بقت بتتلوَّن على حسب عوامل كتير منها السياق الزمني والمكاني والثقافي واللغوي والمصلحه الجماعيه والفرديَّه!

يعني لو فرضنا إنك حبِّيت تخطَّأ واحد بيتلاعب بالنّاس وبيعمل إغتيالات زي الصبَّاح، هاتخطأه بناءاً على إيه لو هو مدخله آيديولوجي بيقوله إنه على الجانِب الأخلاقي الصحيح وإن الغايه -الإنتصار لعقيدته- تُبرِّر كل الأفعال وتُضفي عليها أخلاقيَّه مُستمدَّه من منظوره العقيدي ومكانتش هاتبقا لنفس الفِعل لو تَم خارج الإطار العقيدي؟ تخيَّل يا سيدي إن طلعلك واحد زي المجنون بتاع ألمانيا في الأربعينات، وعنده مُعتقد بيُبيح إنه يُبيد جماعه أو عِرق، بناءاً على مُعتقده ف اللي بيعمله أخلاقي -خلينا نقول مثلاً إنه شاف ده مُصرَّح به في نصّ ديني- وإن النمط ده براجماتي بيُبيح كل شيء كضرر أصغَر في سبيل خير أكبر. هل تقدَر بشكل منطقي تفكك منظوره للأخلاق؟ يعني من الآخر لا ال Deontological نافع ولا ال Consequentialist نافع، طب نعمل إيه؟

(6) الأخلاق بتيجي منين؟

كنت قاعد بسمع مُناظره في الأخلاق فيها طرفين معرفتش أتفق معاهم، الطرف الأول بيقول الأخلاق في الجينات (وده صحيح جزئياً) وإن الأخلاق/الخبرات اللي بيتعلمها الأفراد بتتسجِّل في جيناتهم (وده محتاج تدقيق)، والطرف التاني بيقول الأخلاق هي بالأمر الإلهي فقط. طب هل في حل تالت غير إن الأخلاق دي مجرَّد genetic database أو إنها فقط مجموعة وصايا أو أوامر ونواهي؟

الحل التالت هو فهم العمليات الأساسيه اللي بيقوم بيها المخ. مخي ومخ حضرتك بيعمل تصنيف لكل شئ بيقابله، التصنيف أو ال Categorization ده هو الآداه الاولى اللي بيستخدمها المخ بشكل مُستمر وعلى مستوى مُعين من التعقيد بنشوفها في صورة الوعي، طبعاً مش القدره على التصنيف بس ولكن كمان Allegorisation أو خليني أترجم الكلمه ترجمه عربيه غير دقيقه وأسميها “القياس”. خلينا نتخيل مثلاً طفل صغير إديته حاجه ف جرب ياكلها، لو طعمها عجبه هايصنفها بإعتبارها قابله للأكل (ده ال Categorization)، وبعد كده لو جبتله حاجه ياكلها مواصافاتها من شكل ولون وطعم وريحه مشابهه للحاجه اللي عجبته قبل كده هايصنفها بإعتبارها قابله للأكل بالقياس على الحاجه اللي أكلها الأول (وده ال Allegorisation).

كل فِعل أو توصيف لغوي بتستخدمه بيتلقفه وعي المُتلقِّي ويستخدمه في بناء صوره بيصنف عليها وبيقيس بيها هذا الشئ الموصوف. ف مثلاً الوعي بيربط مفهوم القيمه والمكانه بكل شئ، وبالتالي البشر قعدو قرون ينظَّرو (يعني يحطو نظريات) لإختلاف مكانة الأجناس البشريه عن بعض، وكان في تقعيد أو تطبيع للعنصريه، وقعدنا زمن طويل لحد ما إبتدت فكرة العنصريه “تتفكِّك” والناس بدأت تفهم إن العنصريه مالهاش أساس طبيعي ولا حاجه، ومفيش شئ بيحدد قيمة عِرق بشري بإعتباره أعلى أو أدنى من عِرق تاني. هنا ال evolution اللي حصلت للأخلاق مش تراكم جيني، ولكن تراكم في اللغه والفكر والإتفاق الإجتماعي اللي خلى صورة وفهم العرق واللغه المستخدمه في توصيفه تبتدي تنبذ التمييز والتراتُبيّه.

دلوقتي لما نيجي نتكلم عن عِرق مُعيَّن ونقول مثلاً إن تُراثياً جَرى العُرف على إن الفئه دي محتاجه تأديب، وإن التأديب ده هايقوم به عِرق تاني، إحنا هنا شئنا أم أبينا بنخلق هيراركيه أو تراتُبيه فيها مجموعه أعلى وأسمى بتأدِّب مجموعه تانيه أدنَى وتحتاج للتأديب وإلّا هايحصل مُشكله ما. لما إستخدت تعبير التأديب فرضت علاقة فاعل ومفعول، مؤثِّر ومُتأثِّر، وبالتالي غصب عنك -لأن دي آليات عمل اللغه- اللي بيسمعك هايستخدم الهراركيه دي في تصنيف المجموعتين في أعلى وأدني.

لما تقول إن في طرف من حقه يضرب التاني أو يحبسه أو يُهينه لفظياً ف انت بتخلق تراتبيه إجتماعيه مش هاتعرف تفككها، وفي نفس الوقت مش هاتعرف تنفيها. يعني مفيش حاجه إسمها طرف مُصرَّح له يضرب طرف تاني وفي نفس الوقت الإتنين مُتساويين. مينفعش طرف يكون له حق التأديب، ويتقال عليه إنه مُساوي وفي نفس مكانة من يقَع عليه فِعل التأديب. فعل التأديب مثلاً يتطلَّب مُقوِّم بيُصوِّب فِعل طرف تاني، وبالتالي طرف بيتحوِّل للمسطره اللي بيتقاس بيها سلوك الطرف التاني، مُستحيل تبص للطرفين دول وتقول عليهم مُتساويين. بكل الأحوال من له صلاحية التهذيب هو في مكانه إجتماعيه وسُلطويه أعلى. مينفعش بعد كده الصُوَر والتراكيب اللغويه دي تقول للوعي “سوري معلش مترسمش تراتُبيه ولا حاجه أصلا الإتنين مُتساويين”، كده تبقا بتخرق قوانين اللغه وكل اللي نعرفه عن آليه عمل الوعي. ومن هنا تبتدي تلاقي إن الوعي البشري الجمعي بدأ ينبذ أفكار زي تأديب الزوج لزوجته بالضرب، مش لأن حصل تراكم جيني (ولا لأن في أمر إلهي بيقول إن إستخدام العنف غلط) ولكن لأن الوعي الجمعي فكك هيراركيّة الجنس ومبقاش يُنظَر للرجُل كمُربِّي للزوجه ومسئول عن إجبارها على ال code of conduct اللي هو عايزه.

طيب خل المنظور ده للأخلاق بيضمن إن ميحصلش تراكم جديد فيه ممارسه لا أخلاقيّه في المُستقبل؟ يعني لو فرضنا وإتكوِّن عندنا تراتُبيه إجتماعيه بيُمارس فيها طرف القُوَّه على طرف تاني، نعمل إيه وإزاي نفهم الأخلاق هنا وهل هي شيء ثابت ولا شيء مُتحرِّك بتطوُّر المُجتمع؟ والله إجابة سؤال نعمل إيه دي تتطلب قدر كبير من الصدق. يعني هل فعلاً عايز تعمل حاجه؟ ولا كل اللي عايز تعمله إنك تسوِّف الموضوع وتنيِّمه عشان المُوجه تعدِّي؟ لو عايز تعمل حاجه فعلاً قدامك خيار من إتنين: (1) تكون واضح وتقول قراءتك بشكل مُباشر عشان يكون في حوار معاها، (2) لو انت مُقتنع إن القراءه اللي إستقرت في المُجتمع فيها مُشكله واجهها بشكل حاسم وشوف بقا التخريجه بتاعتك سواء هاتكون تأويل أو تعديل في الأولويات أو تحديد زمني أو أي حاجه، لو عايز تتصرف هاتعرف تتصرف يعني وتفكك الهيراركيّه وتنزع قوِّة الطرف اللي عايز يستعلي أو يتسيَّد. لكن أسوأ شئ تعمله هو إنك تُصِر على طرح العبارات المُتناقضه وكأنها واضحه ومُباشره ومالهاش غير معنى واحد، لأن الإصرار على ده هايخلي اللي بيسمعك يفقد الثقه سواء بإنه يشوفك مش واضح عن عمد أو إنك مُرتبك وفي مأزق صعب مش عارف تخرج منه.

وبالتّالي الأخلاق هي شيء إحنا بنساهم في التراكم بتاعه وتشكيله عشان يساعدنا نعيش بشكل أفضل مع بعض. الأخلاق مش شيء نازل من فوق، ولكنه “عقد إجتماعي” مش بالضّروره يكون universal، ولكنه كافي لإدارة حياة البشر في مجموعات. كل ما زاد وعي المجموعات دي بتقرب من بعض وبتتفاهم وبتكون في صوره مشتركه للأخلاق، وكل ما المجموعات دي بتتنازع كل واحد بيستعلي على التاني بالكود الأخلاقي وبالقوَّه. وعليه ف سؤال الأخلاق لا يُمكن إخلاقه بإحالته للتراكم الجيني كأنه ماشي في خط مستقيم مُتصاعد للأفضل، ولا هو مجرَّد شوية قواعد متعاليه بنطبقها وخلاص وكده نبقا أخلاقيين، ولكنها رحلة الوعي البشري وكمان لا وعيه، ومحاولته للتفاهم مع اللي حواليه وتحسين قدراته على التواصل والتعايش معاهم.

(7) هل كون عندَك أمر إلهي بالعُنف ده معناه إنك مُسوَّغ أخلاقياً في العُنف؟

السؤال ده سؤال مُهم في مبحث الأخلاق، ومن ناحية إحدى نظريات الأخلاق آه ده يعتبر مُسوِّغ أخلاقي، ودي نظرية Divine Command Theory أو نظرية الأمر الإلهي في الأخلاق، وهي بإختصار إن الأخلاق مالهاش معيار موضوعي غير أمر إلهي يحددلك الصح من الغلط. لحد هنا الكلام ده مُباشر وسهل وواضح. من السهل إنك تفهم الطرح ده وتقبله في إطار إن النصّ ضابِط أخلاقي ومُحدد موضوعي للأخلاق، لكن المُشكله بتبدأ لما يتحوِّل النصّ من مُحدِّد لمُعاقِب. يعني مثلاً داخل الجماعه الواحده وبين أطراف كلها تؤمن بنفس النصّ، من السهل تقبُّل فكرة إن النصّ ده code of conduct بيحكم المؤمنين بيه. طب في وجود عالم cosmopolitan يجتمع فيه ناس كتير من مُعتقدات مُتنوِّعه، هل ينفع جماعه مُعيَّنه تفرض منظورها الدّيني -وبالتّالي الأخلاقي- على البقيّه وتشرعن لنفسها العُنف في التّعامُل معاهم؟

عند البعض آه وعند البعض لأ. اللي بيقول آه بيقول ده من منطلق إن الأمر الإلهي فوقي، مش مرتبط بكونك مؤمن بيه ولا لأ، هو حَقّ سواء تقبّلته أو لم تتقبّله، وبالتّالي حتّى لو مش عاجبك هايتطبّق عليك بالعافيه. وعند اللي بيقول لأ المُنطلق هو إن الحُكم الأخلاقي ده فاعل فقط على أفراد الجماعه الواحده، يعني النصّ فاعل على المؤمنين به مش على الكُلّ. وهنا هاتختلف تأويلات النصّ نفسه وتأويلات قارئيه.

الأخلاق سؤال مُعضل جداً، هاديك مثال عشان تشوف تعقيد الموضوع. في أحد كتب إبستمولوجيا الأخلاق (المبحث المُختص بدراسة إزاي “نعرف” ما هو أخلاقي وما هو غير أخلاقي) بعنوان Moral Epistemology بيبدأ Aaron Zimmerman بنقد مفهوم المعرفه أصلاً، وبيقول إن البحث عن معيار ثابِت مُطلق للمعرفه يتقبَّله الكُل بلا إستثناء هو بحث عديم الجدوى، وبيعرض آراء كتير لمتخصصين في الإبستمولوجي أو “علم المعرفه” وبيعرض نقدهم لمُسلَّمات زي إن المعرفه هي إعتقاد حقيقي مُسوَّغ true justified belief (بمعنى إن لما بتقول إنك تعرف شيء ف ده معناه إنه شيء حقيقي true مش حلم أو رأي أو تخمين، وإنك تحققت من ده بالدليل الكافي اللي يخليك مُبرَّر justified في تصديقه، وإن عندك التصديق belief إنه حقيقي)، وبيقول إن حتى العباره البسيطه دي تم نقدها في علم المعرفه، زي ما عمل Edmund Gettier في ورقه كتبها سنة ١٩٦٣ بعنوان Is Justified True Belief Knowledge. وبيختم المقدمه اللي بتطرح سؤال تعريف “المعرفه” بكلام William Alston اللي بيقول إن مفيش فكره محدده واضحه لمفهوم المُسوِّغ المعرفي حتى لو خصصنا الموضوع بإعتباره رأي أو شيء مُصدَّق عند الفرد أو إعتقاد.

يعني من مدخل علم المعرفه مفيش أيّ شيء يخلي طرحَك اللي إنت معتقد إنه صحّ (سواء في المعرفه عامة أو في الأخلاق خاصّة) يخلّي كلامك مُلزم لشخص آخَر يختلف معاك في المُقدِّمات أساساً. وبالتّالي نرجع تاني لفكرة إن النصّ أو التشريع الدّيني مُلزم فقط لمُعتنقيه، ملكش حَقّ معرفي في فرضُه على الآخر. طب بالنّسبه للعُنف؟ هل يحِق لمجموعه ما مُمارسة العُنف بناءاً على تشريع ديني بيقولّهم إن العُنف مُباح أخلاقياً؟

هنا نيجي لسؤال مُهمّ، لو كانت الإجابه آه، بأي منطق هاتقدر تعترض على أي جماعه تانيه غيرك بتمارس العُنف عليك؟ يعني لو كان النصّ الديني مُسوِّغ أخلاقي صالح، إيه اللي يخلي أي مَوتور من اللي التّاريخ مليان بيهم شخص غير أخلاقي لو كان بيقول إن المذابح والإحتلال اللي إرتكبهم مدفوعين بأمر إلهي؟ الحَل هنا هو إن الشّخص اللي شايف نفسه مُسوَّغ في إستخدام العُنف يُطرح عليه سؤال “المِثل”، يعني مينفعش تبقا بتنادي بالإنسانيّه لما حد يهاجمك، بس تنادي بالدّين لما تعوز إنت تهاجم. يا إما نتّفق على الإنسانيّه كمعيار، يا إما نتّفق على الأمر الإلهي كمعيار. وبما إننا عندنا مثال زي المجانين بتوع الكيان المُحتَل ف ده يورينا إن الإلتجاء للنصّ الدّيني ما هو إلا كارثه ومُصيبه النّاس مش بتُدرك خطرها إلا لما يعانو من أضرارها، لكن في نفس الوقت عندهم حِلم مِثالي ويوتوبيا أسطوريه بتقول إن هم نفسهم مش هايكونو بنفس السوء لما يستعملو نفس المنطق.

خُلاصة القَول، كونك مُعتقد في شيء ده لا يُبيح لَك فرضه على غيرك، وكونك شايف نفسك مُسوَّغ في العُنف ده لا يجعَل منّك قاضي صالح على رقاب غيرك. وزي ما بتعاني من ظُلم النصّ الديني “الآخر” لازم تُدرك إنك نفس الخَلل هايطولك إنت كمان. وبالتّالي الأرضيّه الوحيده المُشتركه الصالحه للتطّبيق ويجدُر الإستثمار فيها هي فكرة “العَيش المُشترك” والتخلي عن الفوقيٍه الكدابه بتاعت أنا هاستخدم نفس منطق الظالم بس أنا مش هابقا ظالم زيّه.

Similar Posts