أسطورة الإتسّاق وتفكيك الأصولية

في كتاب Discourse Dynamics: Critical Analysis for Social and Individual Psychology بيقول Ian Parker “الثقافة مُتناقضة! نحنُ دائماً مُضطرُّون للإقرارِ بوجودِ خطاباتٍ [discourses] مُتناقضة في نصوصها، وهذا التناقُض هو ما يفتح باباً للمُقاومة، لرفضِ الإستجابة للمعانِي السائدة” (2014:p.49). فكرة Parker هنا مبنيّه على تفكيكيّة Derrida اللي أساسها هو إكتشاف التناقض الفلسفي والخطابي في دواخل الأفكار والنّصوص عشان نقدر من خلال ده نتحرَّك تجاه رؤى جديده أبعد عن الأصوليّه والرؤى والمعارِف المحصوره في لحظه مُعيّنه من التّاريخ synchronic.
عشان تقدَر تغيَّر القراءه الكلاسيكيّه أو الفهم الكلاسيكي لمجموعه أو نصّ، الخطوه الأولى هي إنك تراقب ال patterns اللي بتتبني بيها الأفكار، وتطرح على الأبنيه الفكريّه دي مجموعه من الأسئله، ويكون عندك منهجيّه في إستخراج إجابات سواء من الأشخاص أو النصوص body of literature. كل ده يتطلَّب إن الشّخص يتكلِّم أو إن النَصّ يُستحضر للنِّقاش، الصَّامِت مجهول، والمجهول لا يُمكن تفكيكه … خليه يتكلِّم ويظهَر وينتَشِر عشان تعرَف تشوف تناقضاته وتفككه.
في دراسه إتعملت سنة 2014 وإتنشرت في SAGE بعنوان Conflicting Discourses in Qualitative Research: The Search for Divergent Data within Cases لاحظ الباحثين التلاته Antin و Constantine و Hunt بعد ما عملو مُقابلات و surveys مع 20 واحده من ال African Americans إن آرائهم بخصوص جسمهم بتنطوي على خاطبين مُتضادّين، الأول هو موضوع “حبي نفسك زي مانتي” و “شكل الجسم حاجه طبيعيّه وهاتحصل هاتحصل” والتاني خطاب “أنا شكلي وحش” و “لازم وزني يقل” و “الناس الرفيعه معرضين بنسبه أقل للإكتئاب”. اللي لاحظوه كمان في الدراسه دي إن في بعض الأحيان كان نوع الخطاب ليه علاقه بنوع الأسئله اللي في ال survey. وبالتالي نقدر من الدراسه دي نشوف أهمية “طرح الأسئله” و “إستخراج الإجابات” لرَصد التناقُضات والبناء عليها.
في دراسه تالته كنت إتكلمت عنها قبل كده، موجوده في كتاب Mapping the Language of Racism: Discourse and the Legitimation of Exploitation بتحكي Margaret Wetherell و Jonathan Potter نقدر نشوف فيها إن الخطاب دايماً متناقض ولو إنه لو مش متناقض تأثيره هايقل! أو بعباره اخرى أكثر دقّه، من علامات إحتمالية بقاء الخطاب وإنتشاره إنه يكون مُتنوّع بدرجه كبيره تخلي ناس كتير َتتعاطف معاه وتتبناه على إختلافاتهم وتنوّعهم، وده يتطلّب آن الخطاب يكون بيعرض أفكار كتير منهم مش بالضّروره مُتّسق لكن قابل للتأطير في الخطاب. واحد من الأمثله اللطيفه للتعارُض ده إتكلمت عنها Margaret Wetherell و Jonathan Potter موجود في تحليل خطاب بعض السكان النيوزيلانديين المنتمين للسكّان ال Pākehā في كلامهم عن أحفاد ال Māori. في تحليل خطاب واحد من ال Pākehā إسمه Sargeant كان بيتكلم عن التغيرات اللي حصلت في مُجتمعه ف كان بيقول إن الزمن الحالي بقا فيه الشباب بيقاومو السُلطه العائليه والتقاليد ووصف ده بشكل سلبي جداً. على الجانب الآخر، في حوار تاني ليه Sargeant إتسأل عن إزاي يقدر يوصف ال Pākehā وآزاي هم مُختلفين عن ال Māori والأمريكان والبريطانيين ف كان من ضمن النقط اللي إمتدحها في ال Pākehā إنهم مش بينفذو الأوامر لو مش مقتنعين بيها. هنا Sargeant عنده خطاب موجه للشباب بيتبنى فيه قراءه سلطويه وعايز الشباب تخضع لضوابط العائله والتقاليد، بس في نفس الوقت بيتمدح في جيله أو بالأصح في جماعته هو في مُقابل الآخر ال Māori اللي هو بيوصفه بالبربريّه وضعف الذكاء بالمُقارنه بال Pākehā الأبيض وفي مُقابل الأمريكي والبريطاني إنه مش بيخضع ومش بيسمع ومش بينفذ لو مش مقتنع.
هنا الخطاب فيه تناقض داخلي، ولكن كل discourse ليه ناس معينه بيأثر فيهم وبيسمعوه ونفس الشخص ممكن يتبنّى الإتنين في نفس الوقت، واحد في التعامُل مع جماعته وواحد في التعامُل مع الآخر. ف مثلاً Sargeant ك واحد متقدم في السن بيعيب على الشباب تحررهم من التقاليد، وكواحد من ال Pākehā بيشوف التحرر وعدم الإنصياع واحد من القيم اللي بتميّزه عن الآخر الأمريكي والآخر ال Māori عديم التحضُّر. من الآخر، الخطاب هو سلّه كبيره مش من مصلحتها تكون محدوده ومتّسقه، لازم تكون repertoire متنوّع ومتضارب عشان توصل لأكبر قدر من الناس وينشر الأيديولوجيا الأساسيّه بتاعته.
أفكار البشر ومحتويات النصوص في أي لحظه من الزمن هي مُنتج تراكُمات تاريخيّه كبيره. ولأن التاريخ هو “عمليه” أو “حركه” مُستمرَّه ف كل مرحله فيه بتنتج خطاب مُختلف عن اللي قبلها واللي بعدها. الخطابات دي بتتراكم وتتناقض وتتوافق وتختلف لحد ما بييجي حد يحتويها كلها في نص أو في نمط فكري واحد. ولما ده بيحصل بيظُن الجَمع إن الإحتواء ده بينتُج عنُّه إتساق داخلي وإن كل الأفكار دي يُمكن قراءتها قراءه واحده صحيحه لا يتعارض فيها فكرتين. ولما ده بيستقر بتبدأ الأصوليه والجمود ومُقاومة التَّغيير.
من أدوات الأصولية في البقاء هي إن كُل ما تنشأ مُشكله إجتماعيّه أو فكريّه بسبب خطاب أصيل فيها تروح تفتح ال inventory بتاع كوكتيل الخطابات تستخرج منه خطاب مُعاكس وتقلل من تأثير الخطاب الأول بالتّاني، ولكن ده مبيحلش مُشكلة وجود الخطاب اللي سبب المُشكله بالأساس، ده مُجرَّد مُسكِّن أو diversion “إلهاء” لحد ما المُشكله تهدا (مش تتحل). وبعد ما المُشكله تهدا شويه بيرجع الخطاب الأول -سبب المُشكله- للسطح تاني وتُطرح نفس الجدليات ف يُستخرج الخطاب المُضاد مؤقتاً ف تهدا المُشكله وهكذا وهكذا. وبالتالي الحل مش نفي خطاب بالتّاني ولكن إدراك إن التناقُض قائم وحقيقي وإنه مُنتج التراكُم التاريخي.
التخلُّص من الجمود بيتحقق بإعادة إستدعاء الحركه داخل النصّ. Derrida إقترح فكرة “اللعب الحُرّ” jeu libre، وهو نوع من إعادة القراءه وإعادة التفسير وإعادة طرح الأسئله من زوايا متنوّعه ومن خلال ده هاتقدر تشوف الأفكار المُتناقضه وغير المُترابطه اللي بيقوم عليها النَّص والنَّمط الفكري، ولما تقدر ترصُد الظواهر دي تقدر تستعيد زمنيّة النصّ وزمنيّة الفِكر ومن هنا تفتح الباب للحركَه ناحية “الجديد” وناحية قراءات أكثَر قبولاً للواقِع وللحاضِر وللحياه.

Similar Posts