3311331

العهد القديم: 5- دورة حياة إبراهيم – مايكل لويس

المقال رقم 17 من 18 في سلسلة تكوين التوراة

تاريخ الآباء المكتوب في سفر التكوين من الاصحاح 12 لـ50 هو عبارة عن أساطير- Myths مختلفة، الأساطير دي بتحاول تشرح او تؤسس للشعب العبراني، بمعنى انها بتوضح ماهيتهم كشعب منفصل عن الشعوب الأُخرى، فهي اساطير “أصول الشعب” وقصص بتؤسس للتفضيلات السياسية-اللاهوتية لكتبة المصادر (اليهوي، والكهنوتي، والإيلوهيمي اللي هيبدأ يظهر من اول الاصحاح 20).

القصص معظم الوقت مش الغرض منها اطلاقًا انك تطلع بـmoral code اوmoral judgement، مش دايمًا الغرض من القصة اللي بتتحكي هو انه يدين الشخص محور القصة، وبالتالي محاولة استنتاج حكم أخلاقي من النص منغير ما النص يطلب منك انك تستنتجه ببساطة بيقود لسوء فهم للقصة وبتـmiss the point of the story، مش بس لإن النص هو أسطورة تأسيس شعب بيحمل في نصوصه تحيزاته تجاه نفسه وضد الشعوب الأُخرى، لكن كمان لإن اوقات بيكون محور الأخلاق مُختلف عن مفاهيمنا المُعاصرة.

تاريخ الآباء بيتم تقسيمه لـ3 دورات أو Cycles:

-دورة ابراهيم.

-دورة يعقوب.

-دورة يوسف.

دورة ابراهيم

في دورة ابراهيم (اللي بتحتوي قصص اسحق) ودورة يعقوب، هنشوف نسبيًا بشكل واضح كل تقليد من اليهوي والإيلوهيمي كان دوره ايه، لكن التقليد الكهنوتي بيكون دوره أقل في قصص الآباء.

في دورة يوسف بيكون صعب فصل التقاليد عن بعض، بالرغم من ان ممكن ارجاع نصوص كل نص للتقليد بتاعه نسبيًا، ودا وضحته قبل كدا في سلسلة تكوين التورآة ووضحت تفضيلات كل تقليد في حاجات مُعينة، لكن دورة يوسف بيتم النظر ليها باعتبارها حاجة شبه القصة القصيرة او الـNovella بشكل أشبه بقصة استير او دانيال عن الشخص اللي بيكون موجود في حضرة سلطة غريبة او اجنبية، هنتكلم عن الموضوع اكتر لما نوصله.

التقليد الكهنوتي النصوص بتاعته بتكون اقل في دورة تاريخ الآباء، وبتكون بس اقرب لكونها نصوص بتربط القصص ببعض في الشكل النهائي للتورآة باعتبار الكهنوتي هو المُحرر الأخير للنص بحسب النظرية التكاملية- Supplementary hypothesis.

التقليد الإيلوهيمي:

التقليد الإيلوهيمي بحسب النظرية الوثائقية هو مصدر مستقل بشكل كامل زي ما وضحت قبل كدا في سلسلة تكوين التورآة، لكن بحسب النظرية التكميلية (Supplementary hypothesis) مش دايمًا بيتم النظر للمصدر الإيلوهيمي بالشكل دا، بمعنى ان مش دايمًا بيتم الاعتراف بوجود المصدر الإيلوهيمي، لكن الطرح اللي هتبعه في السلسلة دي فيما يخص النظرية التكميلية هو الطرح اللي قدمه “تزيما ل. يوريه- Tzemah L. Yoreh” في كتابه The First Book of God، بحسب طرح يوريه، فالمصدر الإيلوهيمي هو مصدر مستقل بيتكون من 5 دورات (دورة ابراهيم- دورة يعقوب- دورة يوسف- دورة موسى- دورة بلعام)، والمصدر الإيلوهيمي تمت كتابته قبل المصدر اليهوي، والمصدر اليهوي هو اللي كمل عليه وعمله تحرير- redaction.

باتباعنا للفكرة دي، ف تقسيمة نصوص التورآة هتبقى مختلفة شوية عن التقسيمة بتاعة فريدمان اللي موجودة في سلسلة تكوين التورآة، هي مش مختلفة بشكل كلي، لكن هنلاقي ان بعض النصوص اللي فريدمان صنفها انها تخص التقليد الإيلوهيمي هي في الواقع جزء منها تحرير يهوي، وجزء من النصوص الخاصة بالتقليد اليهوي فيه جواها طبقة من التقليد الإيلوهيمي.

51

بيبدأ التقليد الإيلوهيمي في الاصحاح العشرين بدورة ابراهيم، بيحكي ان ابراهيم نزل في ارض اسمها جرار (بص على الصورة) وبتحصل قصة (الاخت/الزوجة)، فبيقول ابراهيم لأبيمالك ملك جرار ان سارة دي تبقى اخته فبياخدها أبيمالك عشان يتزوجها (لانه مبيبقاش عارف انها زوجة ابراهيم)، ابراهيم بيعمل كدا لإنه فاكر ان المكان دا مفيهوش “خوف الله- خوف إيلوهيم”، لكن اللي بيحصل ان الله-إيلوهيم بيظهر لأبيمالك في حلم ويقوله يرجع سارة لابراهيم لانها امرأة متزوجة يا اما هيموت، فبيرجع أبيمالك سارة لابراهيم، فبيصلي ابراهيم لإيلوهيم وبيتعافى أبيمالك ومراته وخادماته وبيولدوا اولاد ليه.

النص في الاصحاح العشرين مش كله تابع للتقليد الإيلوهيمي، لكن النصوص (4 لـ6، 9، 12 و13، 14ب، 16، 18) هي تحريرات لاحقة على التقليد الإيلوهيمي، النصوص (9، 14ب، 18) هي تحريرات يهوية، والباقي تحريرات أُخرى.

بيحاجج يوريه ان بالنظر للنص الإيلوهيمي، النص قد يوحي بإن أبيمالك دخل فعلًا على سارة قبل ما إيلوهيم يظهرله في الحلم، بعد كدا بيولد اسحق في التقليد الإيلوهيمي (اصحاح 21: 2أ، 3، 6و7)، بوضع القصتين ورا بعض واخذ دا في الاعتبار، النص قد يوحي بإن اسحق وُلد بشكل غير شرعي بين سارة وابراهيم باعتبار أبيمالك الأب البيولوجي ليه، النص مش بيأكد حاجة زي كدا لكنه بيوحي بيها، بمعنى انه بس بيجعل ميلاد اسحق مشكوك في فيه.

فيما بعد في الاصحاح 21 بتشوف سارة اسماعيل “بيلعب” مع اسحق، وبعض المُفسرين بيميلوا لان لفظ “يلعب” هنا تورية لشيء او فعل جنسي، فبتطلب سارة من ابراهيم انه يطرد هاجر واسماعيل وبالفعل دا اللي بيحصل، النص من اول عدد 1 لحد 21 كله إيلوهيمي ما عدا (12ب، 13، 18) هي تحريرات لاحقة غير يهوية.

بعد كدا بتظهر قصة تاني لابراهيم وأبيمالك بتحاول تفسر اصل تسمية “بئر سبع”، باقي الاصحاح برضو كله إيلوهيمي ما عدا الاعداد (22ب، 27، 31ب لـ34) هي تحريرات يهوية لاحقة.

اخيرًا بتظهر قصة مُحرقة ابراهيم في الاصحاح 22 وبتكون دي خاتمة دورة ابراهيم بحسب التقليد الإيلوهيمي، واللي بيحصل فيها ان إيلوهيم بيجي يختبر ابراهيم ويطلب منه تقديم ابنه الاخير المتبقي “اسحق” ذبيحة على جبل في أرض الموريا، النص كله بينتمي للتقليد الإيلوهيمي ما عدا الأعداد (12ب، 13لـ18) هي تحرير يهوي.

اللي بيحصل بحسب التقليد الإيلوهيمي، زي ما بيحاجج يوريه، وزي ما حاجج قبل كدا فريدمان وغيرهم، هو ان ابراهيم بالفعل بيقدم اسحق ذبيحة لإيلوهيم، بمعنى ان اسحق فعلًا بيتقتل كذبيحة بشرية لإيلوهيم، الفكرة من تقديم الذبيحة هو التأكيد على أهمية مخافة إيلوهيم اللي بتلعب دور مهم جدًا في التقليد الإيلوهيمي واللي بتعتبر أهم من اي شيء، ابراهيم شك في مخافة أبيمالك لإيلوهيم وكذب عليه بخصوص سارة ودا كان خطأ من ابراهيم بحسب التقليد الإيلوهيمي لإنه شك في أبيمالك وفي قوة إيلوهيم انه يحميه، فكرة تقديم الابن كذبيحة فكرة كانت منتشرة في البيئة والزمن اللي اتكتب فيه التقليد الإيلوهيمي، سفر الملوك بيحكي ان آحاز (القرن 8 ق.م. “2 مل 16: 3”) ومنسى (القرن 7 ق.م. “2 مل 21: 6”) ملوك يهوذا قدموا ابنائهم ذبيحة زي ما كانت الأمم بتعمل (السفر بيدين الملوك دول للافعال دي، سفر الملوك مكتوب ضمن ما يُسمى بالتأريخ التثنوي، هنرجع لدا تاني بعد فترة لما نوصل لكتب التأريخ التثنوي)، التقدمة كانت بتتم في مكان اسمه توفت- Topheth، موجود في وادي خارج اورشليم اسمه وادي هنوم او بالعبري “جي بن هنوم- גֵּיא בֶן־הִנֹּם” او “جي هنوم- גֵיא־הִנֹּם”، واللي تم ترجمته في اليوناني لـ”جي إينّا- Γέεννα” واللي منها جت كلمة “جهنم”، الوادي دا كان بحسب سفر الملوك بيتم فيه تقديم الابناء والبنات ذبائح للإله مولخ-مولك- Molech، وهو إله كنعاني، بعض الباحثين بيميلوا لإن مولخ مش اسم إله، لكن اسم الطقس اللي بيتم فيه تقديم ذبيحة بشرية، الوادي دا دمره فيما بعد يوشيا الملك في الاصلاح الديني (2 مل 23: 10).

على الرغم من كدا، في بعض الأدلة ان كان في ذبائح بشرية بتُقدم لإيلوهيم او يهوه، أشهرهم تقدمة يفتاح الجلعادي (قض 11) اللي بيقدم بنته ذبيحة نتيجة لنذر نذره ليهوه (قض 11: 30)، وبالرغم من ان القاريء المُعاصر بيستنكر اخلاقية الفعل وبيشوف ان يفتاح هو اللي اخطأ بتسرعه بنذره للرب بالشكل دا، لكن الحقيقة ان مفيش اي ادانة موجهة ليفتاح في النص، على العكس، من الواضح انه نذر النذر دا لما كانت روح الرب عليه (قض 11: 29).

نص (خر 22: 28 و29) برضو بيوضح ان بكر الابناء مطلوب تقديمه ذبيحة كوصية، فيما بعد (خر 34: 19و20) بيوضح ان البكر يتم تقديم ذبيحة أُخرى مكانه، لكنه شيء مثير للاهتمام ان نص (خر 22: 28 و29) موجود، وبيشير ليها سفر حزقيال (حز 20: 25 و26) فبيقول: “فأعطيتهم فرائض غير صالحة وأحكامًا لا يحيون بها، ونجستهم بعطاياهم بتمريرهم في النار كل فاتح رحم، لكي أُرعبهم حتى يعلموا أنّى انا يهوه”.

النبي ميخا (القرن 8 ق.م. “مي 6: 6لـ8”) بيوضح ان تأمُل تقديم الابن او البكر ذبيحة ليهوه كان تأمل موجود وطبيعي بالنسبة لشخص عايش في الزمن والبيئة دي.

مش سهل معرفة بظبط إلى أي مدى الموضوع كان منتشر في اسرائيل القديمة، لكن من الواضح انه كان نسبيًا موجود، النصوص الاكثر ادانة فيما بعد للذبائح البشرية هي نصوص التأريخ التثنوي (زي سفر الملوك) وارميا (لفهم ارتباطه بالتاريخ التثنوي راجع سلسلة تكوين التورآة).

دي كانت دورة ابراهيم بحسب التقليد الإيلوهيمي، التقليد الإيلوهيمي مش بيقدم ابراهيم باعتباره احد آباء اسرائيل، لكن باعتباره نموذج لاهوتي-نموذج أعلى- أب روحي او قصة يُمتثل ليها، مبيتمش الربط في التقليد الإيلوهيمي بين ابراهيم وبين يعقوب، بداية الشعب العبراني بالنسبة للتقليد الإيلوهيمي بتكون من يعقوب مش من ابراهيم.

بحسب النظرية التكميلية، فالتقليد اليهوي فيما بعد مش بيكون مَرضي بفكرة تقديم الابن ذبيحة للإله فبيضيف باقي النصوص لتقديم فكرة الذبيحة الحيوانية كفدية عن الذبيحة البشرية، إيلوهيم في التقليد الإيلوهيمي هو إله مَعني بمخافته اكتر من اي شيء، التقليد بيقدم إله مش بالضرورة منطقي او اخلاقي، دا مش معناه ان الإله غير اخلاقي بالكامل في التقليد الإيلوهيمي، لأ هو في وصايا اخلاقية، لكن في اي وقت بتتعارض الاخلاق مع مخافة إيلوهيم، بيتضح ان الخوف من إيلوهيم ليه الأولوية عن الاخلاق، على الأقل الأخلاق بمفهومها المعاصر بالنسبالنا باعتبار محورها النمو الإنساني، بدلًا من مفهوم الأخلاق اللي بيكون محوره هو مخافة الإله وطاعته في المقام الأول.

التقليد اليهوي بيحرر- redact التقليد الإيلوهيمي لمفهوم اكثر سماحية عن الإله، إله قادر اكتر انه يغفر بداية من اول آدم مرورًا بقتل قايين لهابيل ومرورًا بخطايا نوح وصولًا لإبراهيم بتعويض ذبيحته البشرية بانه يقدم حمل عوضًا عن اسحق، وبيربط التقليد اليهوي بين ابراهيم واسحق ويعقوب بشكل متسلسل باعتبار التلاتة هم آباء الشعب العبراني.

التقليد اليهوي:

بيبدأ التقليد اليهوي بانه بيقولنا ان “يهوه” كلم ابرام وهو في حاران (تك 12) وبيطلب منه ينتقل لأرض جديدة، اللي هي كنعان، وبالتالي هما هيوصلوا للأرض من جهة الشمال.

52

53

فبيروح ابرام ومعاه لوط لأرض الكنعانيين وبيمر بشكيم (في الشمال) وبلوطة مورة (مختلفة عن بلوط ممرا في “تك 13: 18”) وبيبني هناك مذبح ليهوه وبيكمل تاني لحد ما يوصل لمنطقة قريبة من بيت إيل (بالقرب من أورشليم) وبرضو بيبني هناك مذبح ليهوه.

ابرام مبيستقرش في المكان نتيجة لإن كان في مجاعة، فبينزل لمصر هو وساراي وبيقولها انه هيقول للناس انها اخته مش زوجته عشان خايف انه لو الناس عرفت انها زوجته يقتلوه.

القصة ملهاش علاقة بأن في ثقافات مجاورة كان اوقات بيُطلق على الزوجة (أخت) كنوع من الدلالة على القرب، القصة بتقول بشكل واضح ان الغرض من الموضوع هو خداع فرعون، الموضوع بيوضح نوع من تردد او عدم ثقة ابرام في بيهوه بشكل ما.

فيما بعد بيحكي النص ان يهوه ضرب فرعون وبيته نتيجة لإن خدم فرعون امتحدوها ليه، فبيستدعي فرعون ابرام وبيسأله ليه كذب، وبيقوله خد مراتك وامشوا، فبيرجعوا على أرض النقب- Negev بالقرب من بئر سبع (في أقصى الجنوب).

القصص اللي بالشكل دا بيتم تسميتها قصص الزوجة/الاخت، وبتتكرر مع اسحاق في التقليد اليهوي في اصحاح 26 وبتكون برضو مع أبيمالك ملك الفلسطينيين في جرار، وحصلت مع ابراهيم في التقليد الإيلوهيمي زي ما شفنا، القصة مش غرضها اي شيء اخلاقي، لكنها فقط بتوضح وقوف يهوه/إيلوهيم مع الآباء.

فيما بعد لما بيرجع ابرام وساراي لمصر ومعاهم لوط، وبيحصل خلاف ما بين رعاة ماشية ابرام ورعاة ماشية لوط، فابرام بيقول للوط شوف الارض قدامك والمكان اللي تختار تقعد فيه انا هقعد في المكان التاني، فبيختار لوط منطقة سهل الاردن وبيسكن في سدوم، وعلى الجانب الآخر مش بيستقر ابرام بالقرب من بيت إيل لكنه بيروح لبلوط ممرا في حبرون (في الجنوب) وبيبني هناك مذبح ليهوه.

فيما بعد بتظهر قصة بتحكي عن حرب ثار فيها 4 ملوك على 5 ملوك آخرين واثناء الحرب تم أسر لوط، فلما سمع ابرام ان لوط تم أسره جنّد رجاله وراح استرجع لوط.

بعد رجوع ابرام، بيحكي النص ان ملكيصادق ملك شليم قابل ابرام واخرجله خبز وخمر لإن ملكيصادق كان كاهن لإيل عليون (مترجمة في النص “الله العليّ”)، فيما بعد في 13: 22، بنلاقي ابرام بيعرَّف يهوه باعتباره إيل عليون.

مش معروف ايه مدينة شليم دي بظبط، تقليديًا اوقات بيتم تفسيرها باعتبارها مدينة اورشليم، بس في (تك 33: 18) وهو نص من التقليد الإيلوهيمي، بيقول ان يعقوب راح لشليم في شكيم، وبالتالي دا مكان آخر غير اورشليم كان موجود في كنعان، إيل عليون جايز كان احد آلهة شليم وفي النص تم اعتباره هو ويهوه نفس الإله.

فيما بعد يهوه بيوعد ابرام بأرض يرثها نسله، الوعد بالأرض والنسل دا هو وعد كهدية من يهوه لابرام، نوع العهد دا بيسميه الباحثون charter covenant، وهو أشبه بنوع من العهود اللي بيمنح فيها ملك مثلًا أرض لاحد الاشخاص الاولياء ليه، فبيقول يهوه لابرام ان نسله هيكونوا نزلاء في أرض مش ليهم وهيتم استعبادهم فيها لـ400 سنة، والأمة اللي هتستعبد نسله هيدينها يهوه بنفسه وبعدها هيخرجوا من الأرض بمال كثير، وهيروحوا لأرض الموعد اللي بتمتد من نهر مصر للنهر الكبير اللي هو نهر الفرات.

اوقات كتير بيتم خطأ تفسير نهر مصر على انه نهر النيل، لكن الواقع ان التفسير الأدق هو انه المقصود هو نهر العريش وهو نهر صغير موسمي على الحدود بين مصر وفلسطين.

حدود الأرض دي متحققتش تاريخيًا لممالك الشعب العبراني وهما مملكتين (يهوذا واسرائيل) لكن وهما مملكة موحدة تحت حكم سليمان كانت دي تقريبًا حدود المملكة (1 مل 5: 1/ 1  مل 4: 24).

فيما بعد بتبدأ قصة ميلاد اسماعيل، لما كانت ساراي مبتخلفش قالت لابرام يدخل على جاريتها هاجر، الموضوع غرضه ايضاح برضو نوع من التردد في عدم تحقيق الوعد بالنسل. فبعد ما بتحمل هاجر من ابرام صغرت ساراي من نظرها، فساراي ذلتها لحد ما هربت منها، فبعد ما هربت ظهرلها ملاك يهوه (كلمة ملاك يهوه بتتقال كتخفيف لغوي من ان يهوه ظهر لإنسان) وقالها ترجع لساراي تاني وانه هيكثر من نسلها واللي هتولده هتسميه اسماعيل، ومش بتظهر هاجر واسماعيل تاني بعد كدا في التقليد اليهوي.

الأصحاحين 18 و19 من سفر التكوين بينتموا للمصدر اليهوي، ما عدا العدد 29 من الأصحاح 19 بينتمي للكهنوتي، الاصحاحين بيتكلموا عن حديثين المُفترض لما نيجي نقراهم اننا نقراهم in contrast لبعض، الحدث الأول هو ترائي الرب في ممرا لإبراهيم، والحدث التاني هو تدمير مدن سدوم وعمورة.

القصة بتبدأ بظهور يهوه لإبراهيم مع ملاكين كمان في هيئة ثلاثة رجال، والنص بيحكي انه لما إبراهيم كان قاعد عند باب الخيمة اول ما شافهم من بعيد قام جري عشان يستقبلهم ويغسل رجليهم وقدملهم أكل هو وسارة.

في الموقف دا بيوعد يهوه إبراهيم وسارة انه زي الوقت دا بظبط السنة الجاية هيكون لسارة ابن.

بعد كدا بيقوم الرجال الثلاثة من عند ابراهيم وبيبدأوا يتجهوا لسدوم، لكن وهما بيقوموا بنلاقي ان يهوه مش عايز يخبي على إبراهيم اللي هيعمله في المدينتين دول، فبيقوله ان “الصراخ على سدوم وعمورة قد اشتد وخطيئتهم قد ثقلت جدًا”، وهو تعبير لحد دلوقتي كل ما كان بيستعمل كان معناه واضح جدًا، وهو بيعبر تحديدًا عن “العنف”.

اللي بيحصل ان لما يهوه بيقول لإبراهيم انه هيهلك المدينة بنلاقي ان ابراهيم رد فعله مبيكونش مجرد الموافقة وخلاص، لكنه بيعترض، واعتراض إبراهيم هنا هو أحد اجمل ما يُمكننا اننا نسميه “صلاة” في العهد القديم!

بيرد إبراهيم بإنه ممكن يكون في ناس كويسة في المدينة، جايز فيها 50 شخص كويس، ليه تهلك البار مع الشرير؟

بيرد يهوه انه لو لقى 50 مش هيهلكها.

فبيقوله إبراهيم بعد كدا جايز فيها 45.

فبيرد يهوه ويقوله لو لقى 45 مش هيهلكها.

إبراهيم بينزل العدد مرة كمان بعد كدا لـ30، وبعدين لـ20، واخيرًا لـ10.

وكل مرة يهوه بيقوله لو لقى العدد اللي قاله مش هيهلك المدينتين عشان خاطر الكام فرد دول.

النص دا من أجمل نصوص العهد القديم في رأيي، لإننا فيه بنشوف إبراهيم وهو واقف كمحامي عن ضعف البشر الأشرار وبيطلب العفو عنهم، من النص دا بتطور فيما بعد فكرة مهمة في الفكر اليهودي المستيكي، وهي فكرة الأبرار المخفيين (Tzadikim Nistarim- צַדִיקִים נִסתָּרים)، وهي الاعتقاد بأن العالم محفوظ من الهلاك بسبب وجود ناس أبرار في العالم في كل جيل محدش يعرفهم، عددهم على الأقل 36 (او 45 في نصوص أُخرى)، بعضهم من شعب بني اسرائيل وبعضهم من الأمم، والأشخاص دول ميعرفوش بعض ولا حتى عارفين انهم من “الأبرار المخفيين”، وعشان كدا يجب على كل يهودي انه يسلك ببر وبأنه يكون صالح لإنه قد يكون أحد الناس اللي يهوه بيحفظ عشانهم العالم، الفكرة الإجتماعية للمفهوم دا هو انه كل إنسان ليه تأثير ويُمكن بسبب صلاح ولو شخص واحد انه المُجتمع والعالم يكونوا مكان أفضل.

لما بيتجه الملاكين فيما بعد لسدوم بنلاقي ان لوط عمل زي إبراهيم وقام من الخيمة لاستقبالهم وغسل أرجلهم واستضافهم وحضرلهم أكل.

اللي بيحصل في المدينة على الجانب الآخر، على عكس إبراهيم ولوط، مش بيتقبلوا الملاكين بالترحاب والاستضافة، لكنهم بيطالبوا لوط بأنه يسيب الرجلين يخرجوا ليهم وبيقول النص انهم قالوا للوط “أخرجهما لكي نعرفهما”، وبسبب النص دا فسر الناس النص ان خطيئة سدوم وعمورة هي الجنس المثلي، بس اقرا النص تاني في سياقه، اقراه بالمُقابلة مع فعل لوط وإبراهيم، النص بيدور حوالين حسن الاستضافة ومعاملة الغريب، الجنس هنا فكرته مش كونه جنس مثلي لكن بكون الجنس “ادآة قوّة” يُمكن من خلالها في السياق الاجتماعي دا بالذات كسر الآخر، انا مش بقول ان النص معندوش مشكلة مع المثلية، لكن قضية المثلية بمفهومها المعاصر النابع من الفلسفة الخاصة بالحركة الرومانسية في نهاية القرن الـ18 ميلاديًا، هو ببساطة Irrelevant للنص (هو Irrelevant بالكامل بالإيجاب والسلب)، النص إشكاليته الأساسية العنف تجاه الغريب.

وبالرغم ان تفسير خطيئة سدوم وعمورة باعتبارها الجنس المثلي هو تفسير منتشر، إلا ان فكرة ان خطيئتهم هو العنف تجاه الغرباء وعدم حسن استضافتهم والتعامل معاهم بيظهر برضو في التقليد اليهودي في نصوص زي:

“هذا كان إثم سدوم أختك. إن الكبرياء والشبع من الخبز وطمأنينة الهدوء كانت فيها وفي توابعها، ولم تُساعد يد البائس والمسكين، وتشامخن وصنعن القبيحة أمامي، فأبعدتهن حالما رأيت ذلك.” –  (حز 16: 49-50).

“ولم يشفق على قوم لوط وكان يمقتهم لكبريائهم.” – (سي 16: 8 )

بيذكر James Kugel في كتابه Traditions of the Bible أمثلة أُخرى، اللي حابب ممكن يرجعلها.

اللي بيحصل بعد كدا ان الملاكين بيخرجوا لوط وزوجته وبناته خارج المدينة وبيهلكوا سدوم وعمورة بالنار والكبريت، لكن اثناء هربهم زوجة لوط بتبص وراها فبتتحول للوح ملح، وبالرغم ان النص يبدو صعب الفهم لإنه مش بيذكر سبب تحولها للوح ملح، إلا ان كتير من التفاسير بتميل لإنها اتعاقبت بالشكل دا لإنها بصت للحياة المليئة بالخطية وراها.

بعد كدا بيتجه لوط لشرق الأردن وبيستقر هناك شرق البحر الميت، وبيظهرلنا نص تفسيري لأصل شعبين موآب وبني عمون (بص على الخريطة)، اللي بيحصل ان بنات لوط بيسقوه خمرا عشان يناموا معاه ويحبلوا فيما بعد، وبيكون نتيجة الحمل دا ان البنت الكبيرة بتولد ابن بتسميه موآب وهو أبو الموآبيين، والصغيرة بتولد ابن بتسميه عمون وأبو بني عمون.

القصة محطوطة كتفسير لأصل الشعوب المحيطة باسرائيل واللي بيكونوا على خلاف معاها فبتكون اسطورة أصولهم مُهينة من قِبَل الشعب العبراني.

التقليد اليهوي في باقي دورة ابراهيم بيذكر بعد هلاك سدوم وعمورة ان سارة خلفت اسحق، وبعدها بيذكر سلالة ناحور اخو ابراهيم (تك 22: 20لـ24)، السلالة دي المفروض انها كالعادة تفسير لاصل شعوب، في الحالة دي القبائل الآرامية، ومنهم بيتولد بتوئيل اللي بيكون أبو رفقة اللي هتكون زوجة اسحق.

بعد كدا بينتقل التقليد اليهوي لقصة زواج اسحق (تك 24) وبنشوف ان رغبة ابراهيم بتكون في ان اسحق ميتجوزش من الكنعانيين فبيحلّف ابراهيم الخادم بتاعه بانه يروح لاخوه (ناحور) وياخد لاسحق زوجة منه، ودا اللي بيحصل وبيرجع الخادم من عند ناحور ومعاه رفقة بنت بتوئيل ابن ناحور وبتتزوج اسحق وبعد كدا بيموت ابراهيم.

بالشكل دا بينتهي التقليد اليهوي في دورة ابراهيم.

التقليد الكهنوتي:

التقليد الكهنوتي هو اكتر نص مختصر فيما يخص قصص الآباء، بيبدأ من انه بيكمل على النص الاخير في الاصحاح 11 وبيوضح ان ابرام وساراي ولوط ابن اخوه خرجوا من حاران ووصلوا لكنعان وبعدها افترق لوط عن ابرام فاخد لوط مدن السهل واستقر ابرام في كنعان، بعدها بعشر سنين لما كانت ساراي مبتخلفش ادت لابرام جاريتها هاجر عشان يخلف منها وبالفعل خلف منها اسماعيل، وفي التقليد الكهنوتي في الواقع ولا هاجر بتهرب ولا ساراي بتطردها لكنهم بيفضلوا عايشيين مع ابراهيم لحد ما يموت وبيدفنه اولاده الاتنين اسماعيل واسحق.

بيظهر “يهوه” لابرام وبيقدم نفسه باعتباره “إيل شاداي”، مش بيقوله انه “يهوه”، النقطة دي مهمة وأحد النقط المحورية في النظرية الوثائقية لإن في المصدر اليهوي بيكون ابرام بيتعامل مع يهوه وعارف اسمه بشكل طبيعي، لكن في التقليد الكهنوتي الآباء مش عارفين اسم يهوه.

الله بيوعد ابرام بأرض كنعان وبيقوله ان نسله هيورثوا الأرض دي، لكن في التقليد الكهنوتي الوعد بالأرض مربوط بعلامة عهد مع ابرام ونسله وهو الختان للذكور، الختان باعتباره قَطع منطقة قريبة جدًا من العضو الذكري وبالتالي بيشكل تهديد لعدم القدرة على الإنجاب، هو ايضاح بأن بممارسة الشعب للختان فهو بيضع مستقبله كاملًا تحت يد الله، بيقول بعد كدا الله لابرام ان اسمه من دلوقتي هيكون ابراهيم، وان ساراي هيكون اسمها سارة وانه هيباركها وهتخلف وهيجي من نسلها اسحق اللي هيكون معاه العهد، فابراهيم بيضحك ومش بيصدق، لكن الله بيؤكدله انها هتولد وابنها هيكون شعب كامل، اسماعيل هيتم مُباركته وهيكون أمة، لكن العهد هيكون مع اسحق، فيما بعد تم ختان بيت ابراهيم كله.

النصوص اللي بترجع للتقليد الكهنوتي في باقي دورة ابراهيم هي نص مختصر عن ميلاد اسحق، ونص عن شراء ابراهيم لمقبرة في حبرون بكنعان من بني حث عشان يتم دفن سارة ودفنه فيها (تك 23)، وفي النهاية نص عن وفآة ابراهيم وبعد كدا بيتم ربط دورة ابراهيم بدورة يعقوب من خلال سرد سلالة اسماعيل (تك25: 12لـ18)، لما نيجي لدورة يعقوب هتكلم تاني بشكل مختصر عن النصوص الكهنوتية فيه.

جزء من سلسلة: تكوين التوراة<< العهد القديم: 4- من الطوفان إلى آباء ما بعد الطوفان – مايكل لويسالعهد القديم: 6- دورة حياة يعقوب ويوسف – مايكل لويس >>

موضوعات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *