العهد القديم: 4- من الطوفان إلى آباء ما بعد الطوفان – مايكل لويس
- تكوين التوراة – مايكل لويس
- تكوين التوراة – الفصل الثاني: نشأة الحكم الملكي – مايكل لويس
- تكوين التوراة -الفصل الثالث: مملكة داود وسُليمان – مايكل لويس
- تكوين التوراة – الفصل الرابع: يهوذا واسرائيل – مايكل لويس
- تكوين التوراة – الفصل الخامس: التقليد اليهوي والتقليد الإيلوهيمي – مايكل لويس
- تكوين التوراة – الفصل السادس: التقليد الكهنوتي – صراع موسى وهارون – مايكل لويس
- تكوين التوراة – الفصل السابع: التقليد الكهنوتي – الطوفان كمثال – مايكل لويس
- تكوين التوراة – الفصل الثامن: يوشيا الملك وانهيار مملكة يهوذا – مايكل لويس
- تكوين التوراة – الفصل التاسع: التقليد التثنوي – كتب التأريخ التثنوي – مايكل لويس
- تكوين التوراة – الفصل العاشر: التقليد التثنوي – الإصدار التثنوي الأول – مايكل لويس
- تكوين التوراة – الفصل الحادي عشر: التقليد التثنوي – الإصدار التثنوي الثاني – مايكل لويس
- تكوين التوراة – الفصل الثاني عشر: المُفارقة الكُبرى والمُحرر الأخير – مايكل لويس
- العهد القديم: 1- أنواع ومنهجيات البحث – مايكل لويس
- العهد القديم: 2- الخلق والتكوين – مايكل لويس
- العهد القديم: 3- من قايين وهابيل إلى ما قبل الطوفان – مايكل لويس
- ☑ العهد القديم: 4- من الطوفان إلى آباء ما بعد الطوفان – مايكل لويس
- العهد القديم: 5- دورة حياة إبراهيم – مايكل لويس
- العهد القديم: 6- دورة حياة يعقوب ويوسف – مايكل لويس
في المقال دا (تكوين التوراة 7)، انا وضحت ان قصة الطوفان المكتوبة في التكوين من 6: 5 لـ9: 17 عبارة عن مزيج للتقليدين اليهوي والكهنوتي وانه يُمكن فصلهم عن بعض وبعد الفصل هنلاقي ان كل قصة في كل تقليد ممكن تُقرأ بشكل مستقل كأنها قصة كاملة ومتماسكة ودا بيعتبر أحد الأدلة القوية اللي بيُستدل بيها على النظرية الوثائقية.
في المقال دا هعمل مقارنة مُختصرة ما بين اساطير الطوفان في بلاد الرافدين وبين التكوين.
اسطورة زيوسودرا:
معظم نصوص الاسطورة محطمة، لكن اللي وصلنا منها بيوضح انه لسبب ما قررت الآلهة ان يكون في طوفان يدمر البشرية، وأحد الآلهة قرر إنقاذ البشرية (بيُرجح انه إنكي)، فكلم الإله إنكي الملك زيوسودرا وأمره ببناء سفينة (الجزء اللي مذكور فيه تفاصيل او أبعاد السفينة مُحطم)، الطوفان بيقعد 7 أيام و7 ليالي وبعد كدا زيوسودرا بيخرج من السفينة وبيقدم ذبيحة وفيما بعد بيبقى النص مُحطم تاني، وبعد كدا بيتضح ان الآلهة آن وإليل أنعموا على زيوسودرا بالخلود في (KUR Dilmun)، كلمة KUR مش مفهوم ترجمتها بظبط لكن بيُرجح انها معناها جبل او ما شابه، والبعض بيفسرها على ان معناها بلد او أرض لكن يظل معناها محل خلاف. دلمون (Dilmun) هي أرض قديمة بيُعتقد انها موجودة شرق شبه الجزيرة العربية في منطقة قريبة من البحرين حاليًا وكان بيعتقد السومريون انها أرض الاحياء (أرض الآلهة)، وبيرجح البعض انها قد تكون مُلهمة أو مؤثرة لفكرة جنة عدن في التورآة.
ملحمة جلجامش:
في اللوح الحداشر بيبدأ أوتونبشتم يحكي لجلجامش قصة الطوفان، فبيقوله ان الموضوع بدأ بأن الآلهة بقيادة آنو (آن في السومرية) وإنليل (إيليل في السومرية) بيقرروا إرسال طوفان لإبادة البشر، لكن إيا (إنكي في السومرية) بيروح سرًا لأوتوبشتم ويقوله على قرار الآلهة فبيقوله يهدم بيته ويبني سفينة ويدخل فيها هو وعيلته وكل أنواع البذور الحية، وبيقوله ان أبعاد السفينة هي انها تكون مُكعبة بطول 120 ذراع، فبيبني السفينة في 7 أيام وبيتم طليها بالقار، وبيدخل السفينة هو وعيلته والحيوانات وبذرة كل حي، وفضل الطوفان 6 أيام و7 ليالي وفي نهار اليوم السابع بدأ الطوفان يهدا والسفينة استقرت على قمة جبل نيموش (جبل نصير)، وبيفضل الجبل ماسك السفينة لمدة 6 أيام وفي اليوم السابع أطلق أوتونبشتم حمامة من السفينة فطارت وملقتش مكان تقف فيه ورجعت، وبعدين أطلق سنونو فطار وبرضو رجع، وفيما بعد أطلق غراب فطار ومرجعش، فبيخرج أوتونبشتم واللي في السفينة وبيقدم ذبيحة للآلهة فلما بيعرف إنليل بيغضب من إيا انه حفظ البشرية عن طريق أوتونبشتم ولكن في النهاية بينتهي الخلاف وبينعم إنليل على أوتونبشتم وزوجته بالخلود.
اسطورة اتراحاسيس:
بعد إتمام الخلق بحسب اللوح الأول بيتضح في اللوح الثاني ان البشر عددهم كتروا جدًا لدرجة ان الله (إنليل-إيليل) كان مُنزعج من كثرة البشر، فبيوضح اللوح الثاني انه بيرسلهم اوبئة ومجاعات من وقت للتاني عشان يقلل عددهم وكل مرة الإله إنكي بيتدخل ويكلم اتراحاسيس الحكيم ويقوله على قرار الآلهة، بيظهر نص بيتكرر بين الأحداث وبعضها كأنه Chorus للاسطورة وبيتقال كالآتي: “ست مائة عام، وأقل من ست مائة عام، قد مضت. وأصبحت البلد واسعة والبشر كثروا جدًا. كان صُراخ البلد كالثور وأقلقوا الله في ضجيجهم”، وبيستمر الموضوع بالشكل دا لحد ما في اللوح التالت بيقرر إنليل-إيليل بارسال طوفان لإبادة البشر فبيروح إنكي يكلم اتراحاسيس ويقوله انه يهدم بيته ويبني سفينة ويكون ليها جُزء علوي وجزء سُفلي ويطليها بالقار، فدخل اتراحاسيس السفينة هو وعيلته والحيوانات وفضل الطوفان 7 أيام و7 ليالي وبعد ما خرج قدم ذبيحة للآلهة، فلما إنليل-إيليل بيعرف ان إنكي حفظ البشرية بيحصل خلاف بينهم ولكنه بيتحل باتفاقهم على طُرق أُخرى لتحديد نسل البشر غير الطوفان عن طريق ان بعض الإناث من البشر هيكونوا مُكرسين لكونهم كهنة معبد ومُحرم عليهم الزواج والإنجاب.
التقليد اليهوي:
بيشوف يهوه ان شر الإنسان كتر فبيأمر نوح ببناء سفينة وياخد فيها من البهائم الطاهرة 7 أزواج ومن غير الطاهرة زوجين ويدخل السفينة لإنه بعد 7 أيام هيبدأ طوفان على الأرض هيستمر لأربعين ويوم وأربعين ليلة، وبيموت كل اللي على الأرض ما عدا اللي في السفينة، وبعد الأربعين يوم بيرسل نوح حمامة لكنها مش بتلاقي مكان تقف فيه فبترجع لنوح وبيستنى 7 أيام وبعدين يرسل حمامة مرة تانية فبترجع ومعاها غصن زيتون، فبيستنى نوح 7 أيام كمان وبيرسل حمامة مرة تالتة ومش بترجع فبيفتح السفينة وبيخرجوا كلهم ويقدم ذبيحة ليهوه، ويهوه بيتوعد إنه مش هيلعن الأرض مرة تانية وضرب كل حي زي ما حصل في الطوفان.
التقليد الكهنوتي:
بيأمر الله نوح ببناء سفينة لإن عنف الإنسان كتر على الأرض فبيقوله ان السفينة يعملها من خشب قطراني ويطليها بالقار وبيديله أبعادها (طولها 300 ذراع، عرضها 50 ذراع، وارتفاعها 30 ذراع)، وبيأمره ياخد معاه عيلته ومن كل الحيوانات زوجين من الحيوانات الطاهرة وغير الطاهرة، وفي الوقت دا كان نوح عمره 600 سنة. لما دخل نوح السفينة (الشهر التاني يوم 17) فضل الطوفان مستمر 150 يوم وبعدهم الطوفان هدي لحد ما السفينة استقرت على جبال اراراط بعد 5 شهور بظبط من دخول نوح السفينة (الشهر السابع يوم 17)، وفضلت المياه تقل لحد الشهر العاشر وفي أول يوم منه بدأت تظهر رؤوس الجبال فأطلق نوح غُراب وفضل يتردد لحد ما المياه جفت عن الأرض في الشهر الأول اليوم الأول، وفي الشهر التاني يوم 27 لما أتم نوح 601 سنة خرج نوح من السفينة هو واللي فيها، وبيبارك الله نوح وعيلته وبيأمرهم بالتكاثر مرة تانية وبيكون ليهم إمكانية أكل كل عشب وكل حيوان ولكن بدون دمه (لإن نفسه فيه)، وبيقيم الله عهد مع نوح انه مش هيفني الإنسان او الحيوانات مرة تانية بالطوفان وبيضع الله قوسه (bow) في السحاب كعلامة عهد.
عهد الله مع نوح هو أول عهد على الإطلاق في التورآة، وهو عهد بين الله وبين البشر والحياة ككل، الإلتزام الوحيد فيها هو من جهة الله بأنه مش هيفني الحياة مرة تانية، لكن الإنسان هنا مش ملزم بأي شيء تجاه الله لاستمرار العهد دا، فهو عهد غير مشروط، وعلامة العهد كانت ان الله وضع قوسه في السماء وبالتالي أصبح علامة لعدم استعماله مرة أُخرى لدمار البشرية، هنا مهم ملاحظة ان الطوفان كان عبارة عن undoing للخليقة (لاحظ صيغة تك 7: 11 وقارنها بفصل المياه الأولى في تكوين 1)، واعادة انتاجها مرة أُخرى (تك 9: 1-7).
التشابهات بين النص التوراتي والاساطير السابقة سهل ملاحظتها، أهمها فكرة ان الطوفان بيهلك البشر بقرار من الآلهة وبيتم اختيار بطل لدخول السفينة مع عيلته وبذور الحيوانات وفيما بعد بيكون في عهد بعدم تكرار الطوفان مرة تانية، في اسطورة زيوسودرا السبب للطوفان مش واضح، في اسطورة اتراحاسيس السبب هو تكاثر البشر وانزعاج الآلهة منهم، في ملحمة جلجامش مش بيتم ذكر السبب في الأول لكن الخط رقم 180 من اللوح 11 بيرجح ان قد يكون السبب هو ذنوب البشر، لكن برضو إيا بيشوف ان عقاب الطوفان كان مُبالغ فيه، في التقليدين اليهوي الكهنوتي واضح انها خطية الإنسان وتحديدًا العنف.
تكرار رقم الـ7 أيام والـ7 ليالي واضح في كذا مكان.
فكرة طلاء السفينة بالقار.
فكرة ارسال الطيور لمعرفة اذا كانت الارض نشفت ولا لأ.
فكرة وجود أبعاد للسفينة بتوصية من الإله، وعلى الرغم من ان أبعاد السفينة غير متطابقة بين ملحمة جلجامش وبين التقليد الكهنوتي إلا ان مساحة السفنتين متقاربة جدًا بفرق 4% بس.
ممكن يتم عقد مقارنة ما بين سن نوح وقت دخوله السفينة في التقليد الكهنوتي وما بين الـChorus في اسطورة اتراحاسيس، لكن من الواضح ان التأثر الأكبر كان من ملحمة جلجامش.
اخيرًا فكرة استقرار السفينة على جبل نيموش (جبل نصير) في ملحمة جلجامش متنقلتش بالحرف لكاتب التقليد الكهنوتي، لكن في ملحمة جلجامش بيُذكر ان جلجامش مر من جبل ماشو (Mashu) اثناء بحثه عن أوتونبشتم (اللوح 9 عمود 2 الخطوط من 1لـ5)، وهو أحد جبال أرمنيا المعروف انهاردة باسم جبل اراراط، لكنه مكنش معروف بالاسم دا قبل العصور الوُسطى (حوالي القرن التاسع او العاشر)، وبالتالي من الخطأ المُطابقة بين الجبل دا تحديدًا وبين النص التورآتي، جبال اراراط المذكورة في التقليد الكهنوتي (سلسلة جبال مش جبل واحد) كانت بتشير لجبال أرمنيا بشكل عام بدون تحديد مكان مُحدد، ودا المعنى اللي اتفهم بيه فيما بعد على سبيل المثال في ترجمة الفولجاتا (الترجمة اللاتينية للكتاب المقدس) حيث ان مكتوب ان السفينة استقرت على “جبال أرمنيا- montes Armeniae” وبيرجح جون سكينر ان اختيار الجبال دا كان لإنها أعلى جبال معروفة لكاتب النص وقتها، على الجانب الآخر كان في تقليد بينسب منطقة الجبال اللي استقرت عليها سفينة زيوسودرا (او نوح) لجبال القردو (جبال الجودي) اللي بتفصل أرمنيا عن بلاد الرافدين والتقليد دا ظهر في الاسطورة الهيلينية لزيوسودرا (اكسيسوثروس- Ξίσουθρος) زي ما نقلها (بيروساس- Berossus) أحد كهنة بعل في القرن التالت قبل الميلاد، واتبنى التقليد دا الترجومين الآراميين، “ترجوم جوناثان- Targum Jonathan” و”ترجوم أونكيلوس- Targum Onkelos”، وتبنته ترجمة “البشيطا- Peshitta” السريانية في القرن التاني الميلادي وانتشر في الكنائس السريانية والشرقية وهو التقليد اللي اتأثر بيه القرآن (11: 44) فيما بعد.
فيما بعد في الاصحاح التاسع بعد الطوفان بيجي النص دا في الأعداد من 20 لـ27:
“وابتدأ نوح حارث الأرض يغرس الكرم. وشرب من الخمر فسكر وتكشف في داخل خيمته. فرأى حام أبو كنعان عورة أبيه فأخبر أخويه وهما في خارج الخيمة. فأخذ سام ويافث الرداء وجعلاه على كتفيهما ومشيا إلى الوراء فغطيا عورة أبيهما، ووجههما إلى الجهة الأخرى، فلم يريا عورة أبيهما. فلما أفاق نوح من خمره، علم ما صنع به ابنه الصغير. فقال: [1] وقال: [2]“
الرواية فيها كذا حاجة مش واضحة، اولهم هي خطية حام، البعض قال ان خطية حام هو انه سخر من نوح أبوه وهو التفسير الاكثر انتشارًا، لكن على الجانب الآخر جيمس كوجل- James Kugel وجون سكينر- John Skinner بيشيروا لتقاليد أُخرى بتوضح ان خطية حام كانت انه خصى نوح خوفًا من تكرار نزاع قايين وهابيل مرة تانية اذا حصل ونوح خلف مرة تانية، وبيشيروا برضو لترجمات كل من أكيلا- Aquila وسيماخوس- Symmachus وثيؤدوتيون- Theodotion وهي ترجمات يونانية غير الترجمة السبعينية تمت في القرن الثاني الميلادي غالبًا كمحاولة تعديل على بعض عيوب الترجمة السبعينية، المهم ان الـ3 ترجمات دول بيستعملوا الكلمة اليونانية “اسخيموسينين- άσχημοσύνην” اللي بتُستعمل لوصف علاقة جنسية مثلية لوصف خطية حام تجاه نوح.
الرواية بتظهر كأنها دخيلة بتقطع تسلسل النص في التقليد اليهوي، وهنا بيوضحلنا جون سكينر للمرة التانية ان التقليد اليهوي غالبًا اتكتب على طبقتين، الطبقة الأولى بتضم قصاصات او نصوص قصصية مقتطعة (زي ما حصل في قصة النيفيليم) والطبقة الثانية هي اللي بتحوي التقليد اليهوي بشكل قصصي متسلسل، وبالتالي في ضوء الفكرة دي فالنص دا وارد يكون اتكتب بشكل مستقل عن قصة الطوفان.
القصة بتقدم نوح باعتباره “مُزارع-حارث الأرض” اللي بيبدأ لأول مرة في تاريخ البشرية يغرس كرم ويشربها (حاجة كدا زي ديونوسيوس في الاساطير اليوانية او اوزوريس في الاساطير المصرية) وبيتم لأول مرة تقديم عواقب الشرب المسرف للخمر (السكر والتعري، والانحلال الجنسي الاخلاقي لو كانت قراءة أكيلا وسيماخوس وثيؤودوتين قراءة معقولة زي ما بيرجح بعض الباحثين).
بعد كدا نوح بيلعن كنعان، ابن حام، على خطية حام، وبيعلن سيادة سام (أبو الساميين-العبرانيين) ويافث (أبو أمم الشَمال وجزء البحر المتوسط وشواطئه) على كنعان (أبو الكنعانيين)، من المفهوم فكرة سيادة سام على كنعان واستعباده ليه (لعداء الشعبين)، لكن مش مفهوم بظبط ليه يافث دخل في الموضوع.
بشكل عام، النص في حاجات كتير مش واضحة وغامضة وتظل قراءته صعبة.
بعد قصة نوح اللي بتنتهي في الاصحاح 9 من التكوين بيظهر تقليد كهنوتي عن توزيع وتنوع الشعوب في الأرض بعد الطوفان وبيَليه سلسلة سام وصولًا لإبراهيم، التقليد دا بيتخلله في النص بعض الأعداد التابعة للتقليد اليهوي لكنها غير كاملة، انا هتعرض للجزء الخاص بالأنساب كمان شوية، لكن دلوقتي هتكلم عن قصة برج بابل (تك 11: 1-9)، وهي اسطورة بتنتمي للتقليد اليهوي وهعلق على الأعداد السابقة على نص برج بابل المُتقاطعة مع التقليد الكهنوتي، اللي هي (تك 10: 8-19، 21، 24-30).
في النصوص دي، التقليد اليهوي بيفسر تنوع الشعوب واللغات باعتباره نتيجة تدخل مُباشر من يهوه (الرب)، نتيجة لمُحاولات البشر مرة أُخرى انهم يوصلوا للألوهة (سابقًا بالأكل من شجرة المعرفة، وفيما بعد بزواج بنات الناس من نسل الآلهة في قصة النيفيليم، وحاليًا في القصة دي ببناء برج بيصل للسماء)، لكن في النصوص اللي قبل اسطورة البرج بنلاقي توصيف للشعوب/الأجناس، ودا لمرة كمان بيرجح إمكانية وجود اكتر من طبقة للتقليد اليهوي، على الرغم من كدا النصوص اللي قبل اسطورة البرج مقتطعة وباين انها ناقصة، وارد يكون دا نتيجة وضعها في سياق الكاتب الكهنوتي فيما بعد.
النصوص قبل اسطورة البرج بتفسر تمايز الشعوب/الأجناس بتصور قبائلي بيتصور ان كل شعب اتسمى بالاسم دا نتيجة وجود “قائد أعلى/أب أعلى/أب أول” للقبيلة/للشعب/للجنس اتسموا باسمه.
في اسطورة انوما-ايليش الإله مردوخ بعد انتصاره على تعامة وخلق العالم بيأمر ببناء مدينة بابل ومعابد الآلهة، البابليين كان عندهم معابد ضخمة للتعبد للآلهة معروفة باسم الزقورات- Ziggurats، وكانت من مميزاتها انها أشبه بالأبراج المتصلة بالسما عشان تتجلى فيها الآلهة.
في الصورة إعادة تصور لزقورة إيتمإنانكي- Etemenanki، مكانها في العراق-بابل، وهي زقورة تم بنائها للإله مردوخ، غالبًا تم بنائها ما بين القرن الـ14 والقرن الـ9 ق.م. وقد تكون هي المنسوب القيام ببنائها للآلهة نفسهم في الانوما-ايليش.
في القرن السادس قبل الميلاد كانت الزقورة اتهدت وأعاد بنائها الملك نبوخذنصر الثاني مرة تانية، فيما بعد تم هدمها ومتبنتش تاني.
كاتب التقليد اليهوي في قصة برج بابل اتلاعب بالاسم “بابل” وفسره بانها اتسمت بالاسم دا لإن فيها تم بلبلة ألسنة البشر، وفكرة برج بابل أقرب فهم وتصور ليها هو فكرة الزقورة اللي تم تأويلها بالشكل دا عشان يهاجمها كاتب التقليد اليهوي.
اخر حاجة في قصص التاريخ البدائي في التكوين، اللي هي بيتم تغطيتها في الاصحاحات من 1 للـ11، بتكون قائمة مواليد بتربط ما بين الطوفان للآباء الكبار، إبراهيم واسحق ويعقوب.
الأسماء في قصص التاريخ البدائي وتاريخ الآباء مبتبقاش تدوين لتاريخ أو أشخاص factual، لكنها بتبقى اساطير والاسماء فيها بتلعب دور تفسيري لحدث معين في القصة او كتفسير لماهية الشخصية محل الموضوع او الشعب وهكذا واحيانًا بتسخدم للربط بين الأحداث.
التقليد اليهوي بيقدم سلسلة أنساب بتبدأ بادم وحواء اللي تم تفسير اساميهم في النص نفسه، ادم بمعنى “الترابي/الأرضي”، وحواء بمعنى “أم الاحياء/أم كل حي”، فيما بعد حواء بتخلف قايين وبرضو اسمه متفسر في النص بمعنى “المُقتنى” (لإنها أقتنت رجلًا من الرب)، هابيل مش متفسر بس غالبًا معناه “الابن”، شيت “البديل” (لإنه بديل هابيل)، وشيت بيخلف أنوش “الإنسان”.
قايين فيما بعد بيخلف أخنوخ وهو اسم معناه مش واضح، قد يكون معناه “الذكي/الماهر/المُخصص-dedicated”، وبالتالي في التقليد اليهوي بيوضح ان أول مدينة تم بناءها على أيد قايين اتسمت باسم ابنه أخنوخ، وعلى الجانب الآخر لما ظهر تاني في التقليد الكهنوتي كان بيتفهم الاسم في سياق انه سار مع الله “dedicated to Elohim”.
أخنوخ خلف عيراد، وقد يكون تم تسميته نسبة لمدينة إريدو-Eridu.
عيراد خلف محويائيل، اللي اسمه معناه “إيل يُحيي- El Enlivens/God Enlivens”، ومحويائيل خلف متوشائيل (متوشالح) اللي بيعتبر عاش أطول عمر مُسجل في الكتاب المقدس، بس التقليد اليهوي مفيهوش ذكر للأعمار، لكن التقليد دا بيظهر عند التقليد الكهنوتي، وغالبًا فضل متوشائيل عايش لحد الطوفان (بحسب أعمار التقليد الكهنوتي دا اللي حصل فعلًا)، ومعنى اسمه “رَجُل الله/إيل”.
متوشائيل بيخلف لامك – اللي اسمه مرتبط بـ”القوة” لكن مش واضح بظبط معناه ايه وبينسب ليه انشودة السيف (تك 4: 23-24)، وبيتزوج من عادة (معنى اسمها “الفَجر”) وصلّة (معنى اسمها “الظل/الظلمة”).
عادة “الفجر” خلفت يابل، اللي اسمه يعتبر variant لاسم هابيل وهو يعتبر الراعي لكن الموجود في الحضارة، وخلفت برضو يوبل (اسمه قد يدل على مجرى المياه او الانهار لكن مش معروف بظبط) اللي بيوصف بأنه أبو كل عازف بالكنارة والمزمار، الجانبين مع بعض بظهور الفجر كأمهم بيُظهروا الجانب المُشرق للوجود الإنساني وبيفكرنا بالارتباط الكلاسيكي ما بين الرُعآة والموسيقى، قارن دا بشخصية داود مثلًا، او بالآلهة أبولو وارتميس في الحضارة اليونانية وغيرهم.
صلّة “الظل”، بتخلف توبل-قاين، مش واضح بظبط معنى اسمه لكن بيُذكر انه حداد، وبتخلف نعمة اللي معنى اسمها “الجمال”، قارن مع هيفيستوس وأفروديت عند اليونان مثلًا برضو وغيرهم.
فيما بعد مش بيتم إيضاح نسب نوح لكن في نَص في (تك 5: 29)، بالرغم من ان المقطع ككل كهنوتي، لكن واضح ان السطر دا يهوي لاستعماله اسم “يهوه” وهو بيوضح ان غالبًا قد يكون في التقليد اليهوي تم نسب نوح للامك زي التقليد الكهنوتي لكنه موصلش بشكل واضح بسبب التحرير- Redaction، نوح زي ما النص بيوضح معنى اسمه “الراحة/التعزية”.
نوح بعد الطوفان بيخلف سام وحام ويافث.
يافث، غالبًا اسمه مرتبط بشعوب البحر المتوسط من الشَمال واسمه قد يكون مشتق من اسم أحد الجبابرة (Titans) في الميثولوجيا الإغريقية وهو إيابيتوس- Iapetus.
حام، اسمه بالعبري قد يعني “حار (حامي)” وقد يعني “أسود” لو ارتبط بـ”كيمي” الاسم اللي كان بيُطلق على أرض مصر قديمًا، لكن يظل الاسم معناه غير واضح تمامًا.
سام، معنى اسمه “اسم أو شهرة”.
بيذكر التقليد اليهوي ان كوش بيخلف نمرود، ونمرود بتكون قلب مملكته بابل وأرك (Uruk) وأكد (Akkad)، كلهم في أرض شنعار (الرافدين)، ومنها راح اشور وبنى نينوى وكالح، مش معروف بظبط معنى اسم نمرود، ولا معروف هو تأثُر بأنهي شخصية، كلمة גִּבֹּר (جبار-Gibbor) اللي بتوصفه في النص هي نفس الكلمة اللي اتوصف بيها النيفيليم سابقًا، والبعض رجح انه قد يكون تأثر بالإله نينورتا (تشابه اسمي)، والبعض رجح تأثُر بجلجامش (تأثر موضوعي-Thematic لإن ثلثاه إله وثلثه انسان)، لكن مفيش اجابة واضحة.
التقليد اليهوي مش بيذكر مين أبو كوش، التقليد الكهنوتي بينسب كوش لحام على اعتبار ان أرض كوش كانت في أفريقيا في جنوب مصر، لكن دا بيعمل مشكلة لو جينا نقرا التقليد اليهوي لإن مش منطقي انه يربط بين بلاد الرافدين وكوش، التفسير الأوقع هو انه قد يكون كوش في التقليد اليهوي كان ابن “يافث” (الشَمال) وتم ربطه ببابل وبلاد الرافدين على اساس سلالة الكيشيون اللي حكموا بابل ما بين القرن الـ16 والـ12 ق.م.
بعد كدا التقليد اليهوي بينسب المصريين لمصرائيم، الأرض كان بيُطلق عليها اسم مصر (او variant للاسم)، الاسم كان بيُطلقه الأجانب (غير المصريين) ومعناه قد يكون “الحدود” او “الحصن”، الكاتب فسر الاسم بأنه نسبة لشخص اسمه مصرائيم.
مصرائيم بيخلف اللوديم، والعناميم، واللهابيم، والنفتوحيم، والفتروسيم، والكسلوحيم، والكفتوريم، والمفروض ان الاسامي دي بتعبر عن اماكن او بلاد او شعوب إما تابعة لمصر او تحت سيادتها بشكل او بآخر.
انا هذكر بشكل مختصر لما قد يُشيروا إليه واللي عايز يقرا زيادة ممكن يدور بنفسه او يرجع لكتاب جون سكينر.
اللوديم (לוּדִים) الباحثين بيرجحوا انها غلطة لكلمة “لوبييم-לוּבים” وبالتالي اشارة لليبيين/ليبيا.
العناميم (עֲנָמִים) قد يكون اشارة لمنطقة واحة الخارجة.
اللهابيم (לְהָבִים) غالبًا اشارة لليبيا بشكل او بآخر برضو.
النفتوحيم (נַפְתֻּחִים) يُمكن مُقاربتها لـNa-patuh وهيبقى معناها “شعب بتاح” وبالتالي اشارة لمصر الشمالية (مصر السُفلى- Lower Egypt).
الفتروسيم (פַּתְרֻסִים) من Pathros اشارة لمصر الجنوبية (مصر العُليا- Upper Egypt).
الكسلوحيم (כַּסְלֻחִים) قد تكون اشارة لمنطقة واحة آمون/واحة سيوة.
الكفتوريم (כַּפְתֹּרִים) غالبًا اشارة لجزيرة كريت او قبرص في البحر المتوسط.
في النص مش واضح بظبط الفلسطينيين خرجوا من مين (الكسلوحيم ولا الكفتوريم)، لكن (إر 47: 4) و(عا 9: 7) بيرجحوا قراءة خروجهم من الكفتوريم، تاريخيًا الفلسطينيين كانت جماعة حاولت في القرن الـ12 ق.م. احتلال مصر من شرق المتوسط وكان صدهم الملك رمسيس الثالث واستوطنوا الساحل الجنوبي لكنعان (غزة حاليًا) لحد ما في القرن السابع قبل الميلاد تم إبادتهم بالكامل على ايد ملك بابل الملك نبوخذنصر الكبير (نبوخذنصر الثاني) ومش متبقي أي اثار ليهم ولا معروف هما مين ولا معتقداتهم ايه ولا حتى معروف معنى اسمهم (فلسطينيين/فلسطين)، كل اللي نعرفه عنهم جي من الآثار المصرية والعهد القديم وبعض الآثار الأُخرى، لكن مش من شيء منسوب ليهم هما، على الرغم من كدا اسمهم فضل مترابط بالمنطقة لحد انهاردة.
فيما بعد بينتقل التقليد اليهوي للكلام عن كنعان ونسله بنفس الطريقة، وبعد كدا بينتقل للكلام عن سام وبيتم نسب قبائل العرب ليه، النقطة دي جديرة بالملاحظة لإن في التقليد الكهنوتي انه بيتم نسب العرب لحام، بس انا هكتفي لحد هنا فيما يخص التقليد اليهوي عشان مطولش زيادة عن اللزوم واللي عايز يعرف اكتر ممكن يدور بنفسه، كتاب جون سكينر مفيد جدًا في تعليقاته على النقطة دي، لكن بالشكل دا بينتهي التقليد اليهوي فيما يخص التاريخ البدائي.
التقليد الكهنوتي فيما بعد سلاسل الأنساب في الاصحاح 10 بيذكر تقسيمة للشعوب برضو، وفيما بعد في الاصحاح 11 بيركز على نسل سام وصولًا لإبراهيم أبو الآباء اللي هيجي منه شعب بني اسرائيل، الأنساب تم تقسيمها من آدم لنوح 10 أجيال، ومن سام لإبراهيم 10 أجيال، الأعمار في الأجيال من سام لإبراهيم ملهاش pattern واضح أوي زي في الأعمار من آدم لنوح غير إنها بتقل، وبشكل عام واضح ان قائمة الأنساب والأعمار مرت بتعديل لإن الأعمار مختلفة ما بين النص الماسوري والسبعيني والسامري، في النص السبعيني مثلًا بنلاقي ان متوشالح فضل عايش لحد بعد الطوفان بـ14 سنة (بدون ذكر لدخوله السفينة) فغالبًا تم تعديل القائمة من كل من النص الماسوري والسبعيني والسامري لتفادي إشكاليات زي دي، وبنلاقي برضو ان النص السبعيني زود شخصية زيادة في قائمة آباء ما بعد الطوفان وهي شخصية قينان (قايين) الثاني وبيبقى ابن أرفكشاد وأبو شالح (والأرجح انها شخصية مُضافة، مش انها كانت موجودة واتحذفت، لإنه مش مذكور في سفر اخبار الأيام)، السبب لكدا ان لما النص بيذكر فيما بعد ان تارح لما أخذ ابنه أبرام مع زوجته ساراي (اللي هيبقوا فيما بعد ابراهيم وسارة) وخرج من أور الكلدانيين عشان يروحوا كنعان، ان بحسب الأعمار المذكورة في آباء ما بعد الطوفان بنلاقي ان كان في آباء هيكونوا اتسابوا وهما لسة عايشيين في أور الكلدانيين (سام وأرفكشاد وشالح وعابر ورعو وسروج)، فالنص السبعيني غير في بعض الأعمار وأضاف شخصية قينان عشان يتفادى فكرة ترك آباء أبرام في أور الكلدانيين، انا هكتفي لحد هنا واللي حابب يستزيد ممكن يقرا اكتر بنفسه، وفي ورقة بعنوان The Genealogical Lists in Genesis 5 and 11 in Three Different Versions كاتبها “إيمانويل توف- Emmanuel Tov” ممكن الرجوع ليها.
بالشكل دا بينتهي التاريخ البدائي (الـ11 اصحاح الأولانيين من سفر التكوين).
Interesting 🌺🌺🌺