مشكلة ظهور الزيتون
MA in Applied Linguistics and TESOL, Portsmouth University, United Kingdom. His current research areas are Critical Discourse Analysis, Gender Relations, Religious Literature, and Hermeneutics
الفصل الأول: مقدِّمة .. أول ١٢ ساعه
مبدئياً خليني أجاوب سؤال ممكن يكون جه في دماغك من العنوان، “هو انت ليه مسميها مُشكله؟”. الحقيقه إن عندي هنا سببين: الأوّل إني شايف الحدث مُشكله فعلاً، ومُشكله على كذا مُستوى كمان. مُشكله لأن ده واحد من أكبر —إن مكانش الأكبر— الأحداث الميتافيزيقيَّه في العَصر الحديث. حَدَث بالحَجم ده مَتقدرش تِقراه بمعزَل عن الظَّرف التَّاريخي والسِّياسي، وبالرَّغم من كَم التَّوثيق اللي هاعرضه عليك للحَدَث، وبالرَّغم إنه موثَّق بدرجه أكبر من أي حدث تاني من المُعجزات والأحداث الكبُرى اللي بتُسرَد في التَّاريخ إلّا إن الحدث ده تَم الإهمال في توثيقه بشكل غريب، وهاييجي الكلام عن الموضوع ده بالتَّفصيل. السَّبب التَّاني اللي يخليني أسميها مُشكله هو إن طريقة العَرض اللي أنا هاستخدمها، واللي إسمها جَي من مُصطلح problematisation في الإنجليزي، والمقصود بيه عَرض ظاهره ما بإعتبارها محَل بحث بيتم من خلال نَقد القراءات والتَّنظيرات المُتعارف عليها للوصول لقراءات وأطروحات جديده أفضل. ظهور الزَّيتون هنا هو التَّطبيق، أما محَل البحث الحَقيقي فهو الإبستمولوجي (عِلم المعرفة) والتَّاريخ والخِطاب.
السّلسله دي هاتستمر لكذا جُزء، وفي النِّهايه هاجمّعهم كلّهم في مقال واحد طويل على المَوقِع. وكالعاده يهمني أفكرك إن مش دوري أديلك إجابات نهائيّه وسهله، ولكن دوري أعرضلك أبعاد الأسئله بشكل يخليك تدوَّر في المُعطيات والنظريَّات اللي هاتفسَّر بيها المُعطيات وتوصل لنتيجتك النهائيّه بنفسك.
ده كان واحد من آخر المواضيع اللي إتكلمت مع بابا فيها بالساعات، لأنه كان شاهد عيان على الأحداث، كان عنده ١٢ سنه ساعتها. وكان مهتم يحكيلي اللي شافه والتفاصيل المكان وطريقة إجتماع الناس حوالين الكنيسه، وبعض النقط دي بتتقاطع مع بعض الشهادات ومع تفاصيل ناقشتها باحثه أمريكيه إسمها سينثيا نيلسون كانت شغاله في الجامعه الأمريكيه وقت الظهورات وراحت وقف وسط الناس وكتبت ورقه بحثيه عن الموضوع، وهانجيلها في وقتها. بابا شاف الظهور، سينثسا نيلسون شافت نور مالوش شكل ومعرفتش تحدد جي منين، بس الإتنين إتفقو على إن النور كان مقطوع عن المنطقه وبابا قال حاجه عن إن الشجر إتقطع من حوالين الكنيسه عشان الناس تعرف تتجمع وتشوف اللي حصل. أنا هاحاول أكتب السلسله دي عشان منساش اللي سمعته، وعشان اللي قعدت أشتغل فيه كذا شهر ميضيعش، ولسه معنديش تصوُّر عن نهايتها، بس أدينا بندور في نقط فيها تقاطعات من التّاريخ وعلم الإجتماع وعلم المعرفه وممكن يكون فيها شيء جديد. والحقيقه في رأيي إن موضوع الزيتون من أكتر المواضع اللي تم الإهمال في دراستها إما بتقديس الحدث وعدم مراجعته أو برفضه بشكل مُسبَق. وده بيخلي الطرفين يهملو كم المعطيات اللي ممكن معرفتها عن الإنسان والمُجتمع وسلوكهم، ويمكن عن التّاريخ والسّياسه كمان.
خلينا نبتدي القصَّه من الأول خالص.
يوم الثلاثاء ٢ إبريل سنة ١٩٦٨ بدأت الظاهره الأغرب في تاريخ مصر، وواحده من أغلب الظهورات المريمية Marian Apparitions اللي حصلت في كذا بلد تانيه وفي فترات زمنية مُتباعده، زي ظهور مدينة لورد Lourdes في فرنسا سنة ١٨٥٨ وظهور فاتيما Fatima في البرتغال سنة ١٩١٧. لو حسبت الفرق ما بين الظهورات التلاته هاتلاقيه تقريباً ٥٩ سنه ما بين ظهور لورد وظهور فاتيما، و ٥١ سنه ما بين ظهور فاتيما وظهور الزيتون. ويمكن ده واحد من أسباب قصه هانشوفها قدام مرتبطه بـ “نبوءه” عن ظهور العذراء في الزيتون بيرويها البعض ضمن سيرة مؤسس الكنيسة خليل بك إبراهيم صاحب الأرض اللي إتبنت عليها الكنيسه. المُهم، في مساء الثلاثاء ٢ إبريل وعند كنيسة العذراء بحيّ الزّيتون والمُطلّه على شارع طومانباي وجراج النقل العام لاحظ العاملين بالجراج شابه لابسه أبيض واقفه فوق سطح الكنيسه ناحية القبه البحريه. واحد من العاملين بالجراج وكان إسمه فاروق محمد عطوة (سائق في هيئة النقل العام) إفتكر إن الشابه دي هاترمي نفسها وتنتحر، والسبب في كده إن في حدث مشابه حصل من فتره قريبه في مكان تاني وده خلاه ينتبه للموقف. ف نده عليها وقال (هاحاول أنقل كلام الناس من المصادِر الصحفيه زي ما إتكتب): “حاسبي .. إنتظري”. لكنها متحركتش. بدأت الناس تلتفت بسبب زعيق فاروق محمد عطوة وواحده من السيدات اللي ماشيين في الشارع قالت دي “مريم العذراء”. بس اللي فاروق كان شايفه إن شكلها زي شكل الرهبات، بس فجأه ظهر حمام أبيض إستمر لبعض الدقائق وإختفى. من ساعة الظّهور ده بيقول فاروق محمد عطوة إنه شاف الظهور ٧ مرات. تقدر تقرا التقرير الصّحفي والحوار اللي عمله عزت السعدني مع فاروق محمد عطوة لجريدة الأهرام واللي تم نشره بتاريخ ٢٧ إبريل سنة ١٩٦٨ في الصفحه التالته.
في حوار تاني مع الأهرام بردو بتاريخ ٦ مايو سنة ١٩٦٨ وبردو في الصفحه التالته، بيضيف فاروق محمد عطوة تفاصيل تاني وبيقول إن وهو بيمضي على دفتر الحضور سمع أصوات برا ف لما خرج شاف اللي شافه، وواحد من اللي شغالين معاهم إسمه ياقوت علي (عامل بمؤسسة النقل العام) بلغ الشرطه. وبيقول عطوة إن في الأول الشرطه إفتكرت النور مُجرّد إنعكاس لمبات أعمدة النور ف جم وكسرو لمبة عمود النور المقابل للكنيسه (والتفصيله دي هايقولها قرابني الكنيسه بردو).
فاروق عطوة مكانش لوحده، كان معاه اللي شغالين معاه في الجراح. بيقول فاروق محمد عطوة في حواره التالت مع جريدة الأهرام بتاريخ ٦ مايو إن واحد من زمايله راح لبيت كاهن الكنيسة القمص قسطنطين موسى عشان يبلّغه باللي حصل، بس العاملين بالجراج مش هم اللي راحو للقمص قسطنطين موسى، واحد منهم راح لإبراهيم يوسف اللي بيعمل القربان للكنيسه، وإبراهيم يوسف هو اللي راح للقمص. هانعرف في حوار تاني مع إبراهيم يوسف والقمص قسطنطين موسى إن القمص لما سمع الخبَر بعت إبنه بس مراحش بنفسه. وقبل ما تقول إن خلاص يبقا مشافش حاجه خليني أقولك إن الأحداث اللي بنتكلم عليها دي إستمرت من ٢ إبريل لحد نوفمبر ١٩٧١، يعني بتتكلم في أحداث إستمرت حوالي تلت سنين أو تلت سنين ونص، ف متستعجلش. تاريخ نهاية الظهورات مش معروف بالتّحديد. بحسب ناس من الكنيسه الظهورات إستمرت لحد نوفمبر ١٩٧١، وبحسب مذكرات راهبه كاثوليكيه تابعت الحدث وقت حدوثه وسجلت تواريخ الظهورات اللي حضرتها بنفسها (موجوده في كتاب Pearl Zaki بعنوان Before Our Eyes: The Virgin of Mary in Zeitoun Egypt 1968 and 1969) آخر ظهور مُسجل في مذكراتها كان بتاريخ ١٩ سبتمبر ١٩٧٠، وأنا شخصياً دورت في الجرايد ورا آخر خبر للظهور ف لقيت خبر عن ظهور كان في جريدة الفداء بتاريخ ٢٢ فبراير ١٩٧١. يعني في كل الأحوال إحنا بنتكلم على حدث إمتد لقرابة ال ٣ سنين، وكم المُعطيات ضخم جداً، ف متتسرعش في الحُكم على الظاهره كلها من أحداث أول يوم.
يوم الأربعاء ٣ إبريل الساعه ٣ الصبح سمع مأمون عفيفي (مدرب سائقي النقل العام ورقم بطاقته الشخصيه ٩٩٣٧، قسم السيدة) صوت عبد العزيز غفير جراج النقل العام وهو بيقول “نور فوق القبة”، ف خرج مأمون وشاف العذراء فوق القبه وجسمها في شكل شعلة نار، ونادى عبد العزيز زميله حسين عواد (حدّاد بجراج هيئة النقل العام ورقم بطاقته ٣٣٢٨٩، قسم الجيزة) اللي شاف العذراء مُضيئه بنور زي نور الشمس وفي إيديها ما يُشبه غُصن الزيتون. هاتلاقي المعلومات دي في تقرير القمص جرجس متى والقمس يوحنا عبد المسيح والقمص بنيامين كامل بتاريخ ٣٠ إبريل ١٩٦٨، ونقل التقرير الأنبا غريغوريوس في كتاب “العذراء في الزيتون: تقرير عن وقائع الظهور المُتكرر المُتوالي للسيدة العذراء مريم أم النور بالكنيسة المُدشّنة بإسمها الطاهر بضاحية الزيتون بالقرب من مدينة القاهرة منذ مساء يوم الثلاثاء ٢ إبريل ١٩٦٨ الموافق ٢٤ برمهات ١٦٨٦”، ص١٢ .. وأيوه كل ده إسم الكتاب!
بعد ظهور الساعه ٣ الصبح جري إبراهيم يوسف على بيت القمص قسطنطين موسى وقاله “إلحق … العذراء ظهرت فوق القبة الشرقية”. ف بعت القمص قسطنطين موسى إبنه يوسف مع إبراهيم القرابني عشان يشوف اللي بيحصل، ورجع وأكد الظهور. تفاصيل الجانب ده من القصه موجوده في اللقاء الصحفي اللي عملته جريدة الأهرام مع القمص قسطنطين موسى بتاريخ ٢٧ إبريل ١٩٦٨ الصفحه التالته. بعد تأكيد إبنه، نزل القمص قسطنطين موسى وشاف العذراء في صوره نورانيه “نصفيَّة” إستمرت كذا دقيقه وإختفت. وبعد كده في يوم ٩ إبريل شافها تاني بالحجم الطبيعي لمدة عشر دقائق وإختفت تاني. وبعد كده مره تالته يوم ٢٧ إبريل بالحجم الطبيعي وفي إيديها غصن زيتون ممدود ناحية الناس اللي واقفين قدام أسوار الكنيسة.
دي كده أحداث حصلت أقل من ١٢ ساعه من إجمالي ظهورات ٣ سنين. شهودها غير مسيحيين، معروفين بأرقام بطايقهم ووظايفهم وأماكن عملهم. عملو مقابلات صحفيّه ومتصورين فيها بوشوشهم. شافو الحدث كذا مرّه، وهم أول من تنبّه وبلّغ العاملين في الكنيسه وبلغو الشرطه. لحد هنا عايزك تتوقَّف في الحُكم لكذا سبب. أولاً إنت لسه مشوفتش باقي ال data، وتاني حاجه ودي اللي تهمني جداً إن كل السّرديات اللي هاتيجي في دماغك فيها مشاكل. ف إستنى وإمشي معايا السلسله لآخرها وساعتها حاول تشوف إيه الفرضيّه اللي ممكن تفسَّر كل اللي حصل بشكل كافي.
اللي عايز بردو ألفت نظرك ليه هو الجانب الإجتماعي للي قريته واللي هاتقراه. الشهادات دي مهمه عشان هاتخليك تعرف حاجات عن طريقة تفكير النّاس وتعاملهم من الأحداث اللي مبيعرفوش يفسّروها. لسه قدام هاعرضلك شهادات ناس ضِدّ الحدث وحاولت تفسّره من ناحيه طبيعيّه، وناس ضدّ الحدث ومعرفتش تفسّره، وناس من الجاليه اليهوديه في مصر وفسّرت الحدث تفسير لاهوتي وسياسي.
الفصل الثاني: التغطية الصحفية
بعد موضوع ظهورات يوم ٢ و ٣ بدأت الصحافه تتحرَّك، بس الأيام الأولى مكانتش صحافة الدوله هي اللي بتنشر ولكن النَّشر بدأ في الصحف المُعتبره صحُف مسيحيّه، زي وطني مثلاً. في فايل مُنتشر على الإنترنت مجمع صور الأخبار من الجرايد بتواريخ نشرها، بس مش كفايه إنك تفتح منه وتقرا، لازم تكون شويه بتقارن المصادر وبتفكر بشكل نقدي لأن في تفاصيل كتير فيها أخطاء. ودي أول نقطه عايز ألفت إنتباهك ليها في دراسة التّاريخ: مش معنى إن الورق متستِّف حلو إن المصادِر مفيهاش مشاكل وإن السَّرديّه كامله مُتكامله ومش محتاجه مُراجعه. إفتكر المبدأ ده لأنه مفتاح مُهم للتّعامُل مع التّاريخ بشكل عام، وخلي بالك أنا بكلمك على حدث مكملش ٦٠ سنه. ما بالك لما نتكلم في سرديّات ومصادِر من قرون ومرِّت بمراحِل تنقيح وتقنين ومنها اللي وصل واللي ضاع واللي إتراجِع. ف لما تتعامِل مع التّاريخ متبقاش مُتسرِّع في تلقِّي الأخبار كمعلومات نهائيه.
واحد من الأمثله هو أول صفحه في الفايل اللي بقولك عليه. الفايل ده خارج من مركز الأهرام لتنظيم وتكنولوجيا المعلومات، وبحسب الفايل ده ف أول خبَر عن الظهور كان يوم ٢ إبريل ١٩٦٨. لو مخدتش بالك من التّاريخ ف ده تاريخ أول ظهور، فهل من المنطقي يكون الظهور حصل في مساء يوم ٢ الجرايد نشرته في نفس اليوم؟ لأ وعنوان الخبَر إيه؟ “الألوف يشاهدون العذراء: إهتمام عالمي بمعجزة ظهورها في الزّيتون. ظهور العذراء في مصر يفوق ظهورها في فاتيما ولورد وأسبانيا.” طبعاً الخبَر ده مُستحيل يكون تاريخه زي ما أرّخه مركز الأهرام للتنظيم وتكنولوجيا المعلومات. اللي عايز أوصلهولك هنا، إن ممكن حد عشان يدعَم رأيه، يمسك في خبَر زي ده وخطأ زي ده ويستخدمه من باب إن الحدث كان عظيم جداً لدرجة إن الصحف كتبت عنه في نفس اليوم، وأصل ده “ممكن عقلاً” أصله “مش مستحيل يعني”. خلّي بالك دايماً إن المؤرخ مبيشتغلش كده.
الخبَر اللي متأرّخ بتاريخ يوم ٢ إبريل غالباً بيرجع لإسبوعين بعد يوم ٢ إبريل (والإستنتاج ده مبني على عباره من التقرير نفسه بتقول إن الظهورات بدأت الثلاثاء الأسبق، ف لو فرضنا دقة إستخدام اللغه العربيه عن كاتب التقرير يبقا الثلاثاء اللي فات “السابق” واللي قبله “الأسبق” يبقا التقرير ده بعد يوم ٢ بإسبوعين). المُهم، في التقارير الصّحفيّه دي بتسرد جريدة وطني مُعجزات حصلت مع الظهورات، وقصة المُعجزات دي أنا رأيي إنها محتاجه تتدرس كظاهره مُنفصله، ويتحقَّق فيها كل واحده لوحدها لأن دراستها أصعب من دراسة حدث يُقال إن شافه الآلاف على مدار ٣ سنين كاملين. المُعجزات المذكوره كانت لناس بيرجعلها النظر زي جرجس مليكه (مدرس التربية الموسيقية). هانبقا نرجع لسرد المُعجزات بعدين، المُهم إن نفس التقرير بيقولنا معلومه مُهمّه، في حوار مع عياد إبراهيم القرابني بتاع الكنيسه، بيقول إن يوم ٩ إبريل حصل ظهور تاني والناس إتجمعت تاني، ويوم ١٠ حصل ظهور تاني بردو، ولما النّاس حبّت تتأكد من مصدر النور كسرو لمبة عمود النور و “بقيت العذراء مضيئة وسط الظلام”. وكمان بيحدد مدة الظهورات اللي الأيام اللي بعد كده بإنها إستمرت دقائق واوقات نص ساعه كامله.
أنا لسه هاكمل معاك التقارير ومُحتواها، وممكن ده يمتد لكذا فصل لوحده، بس ركّز معايا في التّفاصيل عشان تشوف إن شهادات النّاس بتستثني إحتمالات كتير النّاس بتحاول تفسّر بيها الحدث. ف مثلاً هنا إنت مش بتتكلم على ومضات سريعه النّاس بتتوهّم فيها، إنت بتتكلم على نور موجود ومُستمر لمده طويله، وواخد صور مُحدَّده مُتكرِّره، وشايفه المسيحي وغير المسيحي، وشافه النّاس اللي مكانوش مصدقين وكسرو لمبات أعمدة النّور. بس في نفس الوقت المعلومات دي تخليك تسأل سؤال مُهم، لو النور واخد شكل واضح ومُحدد للعذراء، إيه اللي يخلي الناس في مُناسبات مُتفرّقه تشتبه إنه إنعكاس من عمود النور؟ الشيء المُربك في ظهورات الزيتون مش حقيقة ما إذا كان مُعجزه ولا شيء مُفبرك، ولكن إن شهادات النّاس كلها بتتفق في تفاصيل صغيره غريبه وبتختلف في تفاصيل كبيره تتراوح ما بين حد شايف النور أبيض وحد شايف الجِسم اللي ظاهر غامض ومُظلم! وناس شايفاه بيتحرك وبيشاور وبيتحرك ناحية الناس وناس مش شايفه حاجه خالص. عشان كده بقولك إحنا قدام حدث مُعضل ومُشكل على المُستوى الإنساني والإجتماعي قبل ما يكون سؤال مُثير من ناحية الميتافيزيقا.
قارن معايا الشهادات دول مثلاً: في التقرير بتاع وطني اللي كنت بكلمك عنده في لقاء مع محمد عبد السلام، الساكن بالمنزل رقم ٣ بشارع خليل إبراهيم اللي فيه الكنيسه. بيقول إنه شاف العذراء في قبة الكنيسه وهي جسم من النور و “ظللت أمعن في الصورة برهة إلى أن توارت”. ده واحد مش مسيحي، معندوش سبب يخليه يختلق اللي شافه، شايف النور “في قبة الكنيسة” وده theme غريب جداً هانجيله قدام وهاتلاقي ناس كتير بتوصف النور وانه بيخرج من القبّه وبيطلع يتمشّى فوق الكنيسه وبيقرّب من النّاس وبيشاورلهم. محمد عبد السلام مش شخص مُختلق لأنه معاصر للحدث وعنوانه معروف وساكن في نفس شارع الكنيسه، ف محدش إختلقه ولا إتبلّى عليه. نفس فكرة ظهور النور داخل القبة بيقولها نشأت فخري المقيم بشارع نصوح رقم ٣٣ (أ) “شاهدت العذراء تتحرك داخل القبة، وترتفع رويداً رويداً حتى بدأ نصفها الأعلى من خلال الأعمدة، وتتجه ناحية الصليب ثم تستدير إلى مكانها الأوّل إلى أن غابت عن الأبصار”. هنا نفس الفكره بتاعت خروج الظهور من جوا القبه وإن الجسم اللي ظاهر بيطلع يتمشى فوق الكنيسه زي ما قولتلك. ده شيء مُتكرر ومُشترك في شهادات النّاس، ويوريك إن تفسيرات زي أصله projector أو حاجات زي كده هي تفسيرات إختزاليه جداً، الناس مكانتش شايفه مُجرّد صوره معكوسه على حاجه، ده جسم له وجه وظهر وبيخرج من جوا القبّه ويتمشّى رايح راجع فوق الكنيسه.
الشهاده التانيه غريبه جداً، وقد تكون أغرب شيء لقيته وأنا بدوّر في موضوع الظهورات. اثناء بحثي عن مصادِر للظهورات لقيت مقال على موقع Haaretz الإسرائيلي، كاتبه صحفي إسمه Benny Ziffer بتاريخ ١٠ ديسمبر ٢٠٠٤. المقال بعنوان For I Will Pass Through (1) Revelations in the Land of Egypt. في المقال ده بيتكلم عن إنه جه مصر وزار أماكن كتير وكده، ومن ضمن الناس اللي قابلهم وإتكلم معاهم كانت Carmen Weinstein رئيسة الجاليه اليهوديه في مصر، قابلها بشكل مُباشر وحكيتله عن ظهور الزيتون! بتقول كارمن إنه لما سمعت ن الإشاعه بتاعت الظهور راحت وسط الناس عشا تشوف بنفسها، وأخيراً شافتها ولكن في “رداء أسود” وقالت كارمن إنها شافت الجِسم اللي ظاهر بيشاور ناحية بيت جمال عبد الناصر، وكان تفسير كارمن للظهور ده إن جمال عبد الناصر هايموت .. وقد كان! وبعد ما شاورت على بيت جمال عبد الناصر مدت إيدها ووقتها السقف بتاع سيناجوج بن عزرا وقع في الحال!
الفصل الثالث: تابِع التغطية الصحفية
الجرايد مش بس بتديك كلام منقول عن النّاس، لا دي بتديك أسمائهم ووظايفهم وأماكن سكنهم، معلومات مكانش حد هايغامر يقدمها لو بيحاول يخدعك أو يختلق شهادات، وده يوريك إن الحدث كان فعلاً منتشر على scale كبير. عندك مثلاً في نفس العدد من وطني اللي إتكلمنا عنه الفصل اللي فات هاتلاقي ناس كانت بتروح في مجموعات، زي محيي الدّين العطّار (طالب بكلية التجارة) ومكان سكنه ٢٥ شارع الصدِّيق في الزيتون واللي كان معاه نسيم حبيب وتوفيق سمير اللي شافو الظّهور يوم ١٢ إبريل. في نفس يوم السبت ١٢ إبريل شاف سمير حلمي الظهور الساعه ١٠.٣٠م، والمره دي الشهاده من واحد بيقول إنه متشكك من الأخبار، وبيوصف الظهور إنه كان “من خلال” أعمدة القبه الشرقيه وبعد كده خرج الظهور من أعمدة القبه وسار نحو الصليب أعلى الواجهه، وبيقول إن الشكل الظاهر كان العذراء بطول كامل الجسم وبرداء أبيض واصل للقدمين. نفس ال theme اللي إتكلمت عنه الجُزء اللي فات واللي هايفضل يظهر في شهادات ناس تاني كتير بردو. التقاطعات في مواعيد الظهورات وبين بعض التفاصيل الصفيره بخصوص كانو شايفين إيه بالظبط هاتخليك تحس إن في شيء كان بيحصل، بس بردو الإختلافات هاتخليك تحس إن مش كل النّاس بتوصف نفس الشيء. ظاهره غريبه!
في الجُزء اللي فات كلمتك عن مُعجزه حصلت مع جرجس مليكه، وفي بردو مقابله صحفيه إتعملت مع سيد حسن أحمد بيقول سيد إنه كان عنده مُشكله في صباعه بسبب شوكه دخلت بين “الظفر واللحم” (لما تلاقيني حاطط علامات الإقتباس وكتبت الكلام بالفٌصحى إعرف إن ده نَص كلام الشخص)، وإضطر يعمل ٣ عمليات “نزع فيها ظفر الإصبع ثلاث مرات، وكان آخرها في مستشفى قصر العيني” وبيكمل “عرض علي الطبيب نزع العقلة الأولى من الإصبع فرفضت”، وبيكمل بعدها بيكمل إن بعد ما شاف الظهور وهو عند الكنيسه ايده خبطت في عربيه وخرج دم كتير من مكان الجرح وغرق قميصه، ف لما رجع البيت غسل القميص وسابه ينشف ولما نشف لقا عليه علامات صليب في كل حته في القميص وصباعه خف من بعدها. أنا هنا نقلتلك نَص كلامه وهاسيب للأطباء يقيِّمو التوصيف اللي قاله، بس عشان أوريك إن عَرض الأمثله دي مش سذاجه منّي، خليني أوريك حاله أغرب. في المثال اللي فات ممكن تكون إنت كلمتني عن مسيحي خَف وعن غير مسيحي خَف والإتنين ممكن يكون عندهم دوافِع. المسيحي كده كده مؤمن باللي عايز يشوفه، وأياً كان السبب سواء بيكدب أو شفاء بالإيحاء بشكلٍ ما ممكن نقدر نفسرها، وغير المسيحي ممكن تقولي أصله عايز يظهر في الإعلام وياخد لقطه ويمكن مزقوق من الحكومه اللي كانت شريك مع الكنيسه في الموضوع. طب شوف الخبَر اللي جي.
في ورقه نشرتها Cynthia Nelson دكتورة الأنثروبولوجي بالجامعة الأمريكية (وبعد كده في جامعة California, Berkeley) وقت ظهورات الزيتون بعنوان The Virgin of Zeitoun سنة ١٩٧٣، والورقه دي هانفصصها جُزء جُزء لأنها من شاهدة عيان وأكاديميه والوحيده اللي راحت تشوف الحدث ونشرت عنده بحث أكاديمي. من ضمن الحاجات اللي حكيتها سينثيا نيلسون اللقاء التالي: ولكن يوجد البعض الذين بالنسبة لهم “ولكن، هناك من يعتبرون ظهور العذراء [في الزيتون عام 1968] أمراً غير منطقيّ، والاعتراف بصحته قد يهدد رؤيتهم المألوفة للعالم worldview. وقد عبّر جراح بارز في القاهرة عن هذا التحدي الأساسي في السرد الآتي في ص١١: ‘أحد مرضاي الذي كنت قد أجريت له عملية جراحية قبل عامين بسبب السرطان، عاد إلى مكتبي قبل ثلاثة أسابيع لإجراء فحص. أثناء الفحص، اكتشفت أن الرجل يعاني من ورم آخر. لقد شعرت بالورم أثناء الفحص الداخلي وأخذت عينة نسيجية لفحص النسيج. عندما أظهرت النتائج أنه خبيث، أوصيت بإجراء عملية جراحية فورية، لكن الرجل رفض، مدعياً أنه لا يملك المال الكافي، وغادر مكتبي. بعد أسبوعين، عاد وطلب فحصًا آخر. لدهشتي، لم أتمكن من العثور على الورم، بل وجدت فقط نسيجًا ندبياً أبيض. أخبرني الرجل أنه ذهب إلى الزيتون وصلى للعذراء طلباً للمساعدة. أنا لا أؤمن بمثل هذه المعجزات، لكن لا أستطيع تفسير اختفاء الورم، وهذا الأمر يضعني على حافة الجنون”‘.
دلوقتي إحنا قدام شهاده من جرّاح، بتنقلها مُتخصصه في الأنثروبولوجي، لا الجرّاح مُصدق المُعجزات ولا المُتخصصه مصدّقه الظهور، وهي نفسها لما راحت مقالتش أكتر من إنها شايفه نور بس مش عارفه جي منين ولما بتركز فيه مش بتلاقيله شكل. بالرّغم من كده، الجرّاح معندوش أي تفسير لشفاء الحاله من السرطان، ومعندوش سبب لإختلاقها.
حدث الزيتون مُبهر في إنه عشان تفسّره محتاج تتبنّى نظريّه فيها مُغامره تقترب من الجنون في مجال معرفي ما. يا إما إنت قدام مُعجزه وبالتّالي المُغامره هاتكون في كمية الحاجات المُريبه المُحيطه بالحدث، زي إن حدث إستمر ٣ سنين متمِّش توثيقه بصور وفيديوهات واضحه في حين إن الأطفال بتاعت ظهور فاتيما اللي قبل الزيتون بأكتر من خمسين سنه ليهم صور شديدة الوضوح، والصحفيين المصريين كانو عاملين تقرير في جريده من جرايد الدوله يوم ٦ إبريل سنة ١٩٦٨ مصورين فيه غواصه ذريّه أوروبيه من جوّا. يعني عرفو يروحو يصوّرو سلاح ذري أوروبي ومش عارفين يصوّرو كنيسة الزيتون؟! وزيّ إن جريدة الأهرام تنشر خبر يوم ٣ إبريل ١٩٦٨ يعني تاني يوم الظهور الصبح إن عبد الناصر إتبرع للكنيسه ب ٥٠٠٠٠ جنيه عشان يستكملو بناء الكاتدرائيه اللي كان تعطّل بناءها لأسباب ماديّه .. صدفه دي؟ وإن محافظة القاهره تساهم في بناء الكاتدرائيه؟ (خبر بتاريخ ٧ إبريل). كل دي صُدف بريئه؟!
البديل التّاني إنك هاتقول إنك قدام خدعه ما. بس المُغامره هنا هي إنك عشان تبيِّن إن كل النّاس دي كانت الدّوله والكنيسه بيلعبو بيهم سواء مسيحيين أو مسلمين أو يهود أو ملحدين محتاج توريني إزاي من المُمكن كل دول يكون بينهم “تواطؤ على الكذب”.
إنت هنا مش قدام ناس مخدوعين. إنت قدام ناس بتحكي حاجات شافتها عكس قناعاتها الدّينيّه في أوقات كتير، وناس تانيه بتحكي عن مُعجزات وإعاقات كانت عندهم وخفِّت وقايلينلك أسماء المُستشفيات اللي كانو بيتعالجو فيها. وجرّاح ودكتوره جامعيه بينقلولك خبَر لمريض سرطان الدكتور بنفسه كان بيباشر حالته بنفسه. من ناحية التّاريخ، لو قولت إنها خدعه وإن كل النّاس اللي معانا بياناتهم وعناوينهم ووظايفهم (سواء اللي شوفناهم أو اللي لسه هانشوفهم) دي تواطئت على الكذب يبقا مفيش أي حدث تاني في التّاريخ تقدر تثبته بمعيار “إستحالة الكذب”. لو إنت قدام دوله تلاعبت بحواس النّاس (ودي مشكله تالته، إنك محتاج تبين إزاي ده حصل بالتكنولوجيا المتاحه وقتها) وكمان نقلتلك أخبار من خلال عدد ضخم من الكذبه كل واحد منهم بينقل قصّه مُستقلّه تخالف قناعاته الدّينيّه وال worldview بتاعه ومنهم أجانب وأكاديميين يبقا متجيش بعد كده تقولي كذا في التّاريخ البعيد حصل لأن في شوية ناس بيتقال إنهم شهود عيان نقلو خبر مَر بعشره أو عشرين شخص ووصلك في كتاب وإنهم مستحيل يتّفقو على الكذب.
الفصل الرابع: هي الظهورات حصلت كتير؟
في الفصل ده هاوريك جُزء من الشغل اللي عملته كمحاوله لبناء جدول مُفصّل بتواريخ الظهورات وأسماء الشهود وشافو الظهور إمتا وشافو إيه. اللي عملته سنة ٢٠٢٤ كان المفروض يتعمل سنة ١٩٦٨، لكن للأسف متعملش. طبعاً مش هاديك كل الداتا اللي معايا عشان حجم الداتا ضخم، بس هاوريك شغلي على شهر إبريل بس. في الصور المُرفقه جدوَل مُفصّل. كل لون بيحدد المصدر اللي المعلومه جت منه. طبعاً الموضوع ممكن يكون مُفصّل أكتر من كده، بس بحُكم ضيق الوقت وكم المجهود اللي يتطلبه موضوع زي ده بعض الحاجات لسه مش متصنّفه.
إقرا الجداول وبعد كده إقرا تعليقي عليها في باقي البوست.
تعليقات على أحداث إبريل ١٩٦٨:
أول حاجه عايزك تلاحظ ال themes المُشتركه في كلام النّاس. الظهور بيحصل بشكل مُتدرِّج. زي مثلاً شهادة سيد أحمد عبد الموجود الساعه ٩م يوم الثلاثاء ٢ إبريل. في نور بيخرج من قبة الكنيسه (وده لفت نظرك ليه قبل كده)، وبعد كده بياخد شكل آدمي، النور معاه طيف أزرق، وده نفس الوصف اللي وصفه بابا، وساعتها قالي إن الظهور شبه تمثال فاتيما اللي كان منتشر في البيوت في إن لون الرداء اللي لابساه العذراء لونه طيف من الأزرق، وإفتكر النقطه دي عشان إحتمال نرجعلها بعدين. ياقوت علي في نفس اليوم بيقول إن النور وهو بيغيب بيرجع تاني جوا القُبّه. إبراهيم يوسف في نفس اليوم بيأكد موضوع الطيف الأزرق اللي بيظهر حوالين الجسم اللي ظاهر، وبيقول إن الظهور كان بين أعمدة القبه. بعض الناس وصفت حالة النور بإن لونها ذهبي أو برتقالي، زي وديعه إسكندر مسيحه وأمين صليب سليمان يوم ٩ إبريل الساعه ٨م، ولاحظ الإتفاق في الوقت والوصف. وناس تانيه شافت النور المُحيط بالظهور فضّي، زي نبيل درياس يوم الأربعاء ١٠ إبريل.
الحاجه التانيه إن الصور اللي بيظهر بيها الظهور مُختلفه. أوقات جسم كامل وأوقات صوره نصفيه، وبعد الشهادات وصفت الظهور إنه كان للعذراء ومعاها المسيح، وده theme مشهور في الصور الكنسيّه. يعني لحد دلوقتي الظهور بياخد أشكال متعارف عليها عند النّاس، إما صورة تمثال فاتيما أو شيء شبهه أو صوره شبه الأيقونات النصفيه الكنسيّه.
في ناس بتوصف تفاصيل شديدة الدقّه، زي إبراهيم يوسف اللي بيوصف الظهور بإن العذراء ماسكه الطرحه من الدّاخل، وناس تانيه بتوصف غصن زيتون، وناس بتوصف إتجاه إيد العذراء وهي بتشاور للنّاس. على الجانِب الآخر في ناس تانيه بتوصف نور شديد بدون تفاصيل، وناس تانيه غير اللي في الجدول مكانتش شايفه حاجه.
الظهور بيتحرّك. ده مش مجرّد صورة projector معكوسه على حيطه. الفرضيّه دي أضعف حاجه ممكن تتقال في الموضوع. واللي عايز يلجأ لتفسير تكنولوجي عنده مُعضله كبيره في إنّه يوضّح ده ممكن يكون إتعمل إزاي في مبنى دور واحد وبدون وجود سطح عاكس تنعكس عليه الصّوره.
الظهورات دي كانت بتستمر لدقائق وأوقات لنصف ساعه، يعني مش ومضات، مش شيء بييجي بسرعه ويروح ف النّاس تبتدي تقول لبعض شافو إيه. وفي نفس الوقت الظهورات اللي إستمرت للفترات الطويله دي يومياً (أنبا أثناسيوس بيقول إن في ظهور منهم إستمر من ١١.٣٠م لحد الساعه ٢ الصبح في واحد من الأيام في نهاية إبريل) ولمدة ٣ سنوات كامله محدش قدر يلقطها بكاميرا عدله وأغلب الصور اللي موجوده إما ملعوب فيها أو رديئه للغايه.
في بعض الناس كانت بتشوف الظهور من الجنب، يعني الشكل اللي بيشوفوه مش باصص ناحيتهم ولكن باصص في ناحيه تانيه وبالتّالي شايفين الوش والجسم من الجنب، زي حلمي يوسف خلفه يوم ٩ إبريل الساعه ١١م، وده معناه إن الصوره مش مجرد 2D معكوس على حيطه. وسيد حسن أحمد في نفس اليوم ١٢ص كان بيقول إن الهوا كان يبدو وكأنه بيحرك الطرحه.
في ناس تانيه قالت إن الظهور كان مصاحب برائحة بخور، بس دي ممكن حد ببساطه يقول إنه بخور خارج من الكنيسه.
سينثيا نيلسون قال نفس المعلومه اللي قالها بابا، الشجر اللي حوالين الكنيسه كله إتقطع عشان الناس تقدر تشوف بشكل واضح. سينثيا قالت إن ده حصل في آخر إبريل لما هي راحت، لأنها راحت مرتين، وده معناه إن قطع الشجر حصل ما بين يوم الإتنين ١٥ إبريل ونهاية إبريل. وده معناه إن المره اللي بابا شاف فيها الظهور كانت غالبا في إبريل، وإن كان هو مكانش فاكر اليوم بالظبط. وده يساعدنا في تأريخ تفصيله مهمه وهي تفصيلة قطع النور عن المنطقه حوالين الكنيسه، واللي في ناس كتير حاولت تنفيها بس عندي شهادة سينثيا نيلسون واضحه جداً في الموضوع ده، وأكدهالي والدي اللي بالتأكيد مقراش ورقة سيثنيا نليسون بنفسه.
في شهاده من فتحي رياض رزق الله، في مساء أحد الأيام ما بين ٢٠ و ٢٦ إبريل. الراجل ده كان رئيس نيابة طنطا. وشهادته منقوله في عدد من أعداد وطني.
أغرب ظهور بقا كان في يوم ١ مايو، مش هاتلاقيه في الجدول عندك، بس في اليوم ده في خمسه أسمائهم رمزي جرجس بسطوروس ومراته سناء بسطا سليمان وشوقي عبد الشهيد وصلاح كيرلس وحرم الدكتور كامل جرجس، شافو ظهور فوق نخله قدام بيت دكتور جارهم إسمه إدوارد المصري على ناصية شارع طومانباي وشارع سنان. الظهور بيوصفوه كأنه نور شفاف، والوجه إسود زي لون السما بليل، بيوصفو جسم منور بس من جوا إسود، وإستمر لمدة ٣٥ دقيقه. الوصف ده غريب لكذا سبب، ده من الشهادات القليله جداً لحاجه حوالين الكنيسه مش عند الكنيسه، وكمان موضوع الجسم الإسود ده شوفناه في شهادة Carmen Weinstein.
الأوصاف دي كلها بتوريك إن في المواعيد دي في حاجه حصلت، يعني مش ناس بتضرب تواريخ ومواعيد عشوائيه، وإلا مكانتش التواريخ والمواعيد هاتتقاطع. وجُزء من الوصف كمان مُشترك. وتقدر تعد الأسماء اللي عندك هاتلاقي الشهادات في حدود السبعين. وهاتلاقي أغلبهم مسيحيين بس فيهم غير مسيحيين. هاتلاقيهم مصريين، بس فيهم سينثيا نليسون. هاتلاقي ناس راحت ومشافتش حاجه، بس رجعت في أيام تانيه شافت. التفاصيل كلها تخليك تقف وتفكّر إيه الظاهره أو تشابك الظواهر اللي ممكن يكون حصل وينتج كل الكم ده من الشهادات المتوافقه والمتناقضه في شهر واحد بس، إحنا كل ده مدخلناش في باقي ال ٣ سنين. الغريب والمُثير إن من كتر ما الموضوع كان consistent ومُستمر الحكومه كانت عملت مُقترح لإخلاء منطقة الزيتون وتحوليها لمنتج سياحي، والإقتراح ده تم إعلانه في الجرائد الرسميه. فهل الحكومه كانت عارفه إن الحدث ده هايفضل مستمر لدرجة إنها تستثمر فيه فلوس وتخلي المنطقه كلها عشان تستقبل فيها زيارات سياحيّه؟
الفصل الخامس: السِّياق التّاريخي وتعليقات المٌعارضين
واحده من الإشكاليات الكُبرى في موضوع ظهور الزيتون هي السِّياق التّاريخي اللي حصل فيه الحدث. كلّ النّاس بتتكلِّم عن نكسة ١٩٦٧ والموقف الصَّعب اللي كانت فيه دولة عبد النّاصِر، بس الموضوع فيه نقطه تانيه أهم. يوم ٣٠ مارس عبد النّاصر أعلن برنامج بيحاول فيه يعيد ضَبط موازين الدّوله وإعادة تقديم نفسه للشَّعب مرّه تانيه مع ضمانات بحريّة التّعبير وأشياء أخرى. البنود اللي ناقشها عبد النَّاصِر في بيان ٣٠ مارس كان هايتعمل عليها إستفتاء بتاريخ ٢ مايو من نفس السَّنه. سبحان الله يا مؤمن، تبتدي الظهورات يوم ٢ إبريل بليل ويتبرَّع عبد النَّاصِر للكنيسه يوم ٣ بمبلغ ٥٠٠٠٠ جنيه (راجِع الأهرام بتاريخ ٣ إبريل) وتتبرَّع مُحافظة القاهره بمبلغ ٥٠٠٠ جنيه (الأهرام بتاريخ ٧ إبريل) ويُستكمل بناء الكاتدرائيّه بالعباسيّه بعد ما كان بناءها متعطّل ويرجع يشتغل في البناء ١٠٠٠ عامل.
طبعاً ال theme المُشترك للجرايد في الفتره دي كان مبايعة عبد النّاصر، كل الشركات والمصانِع كانت عامله إعلانات في الجرايد الرسميه مفادها إحنا معاك يا ريِّس. وبحسب اليوم السَّابِع، نتيجة إستفتاء ٢ مايو كانت ٩٩.٩٨٩%. لما تفكّر كده في الظروف دي هاتلاقي إن عبد النَّاصِر مكانش يحلَم بأفضل من اللي حصل. سيناريو ولا في الخيال!
في كتاب “قذائف الحَقّ” بيقول الشيخ محمد الغزالي في صفحة ٥٩ إن ظهورات الزيتون “أسطورة” و “نبأ غامض”، وبيقول إنه لما حاول يتحقق بنفسه من الموضوع راح مع الشيخ محمد أبو زهرة وعشان يشوفو اللي بيحصل هناك ومشافوش أي حاجه مع إن الناس كانت عماله بتصيح كل شويه. وبيقول إنه لما حاول ينشر عن الموضوع ده الرقابه منعت النشر وبعض “الخبراء” قالوله إن “الحكومة محتاجة إلى جعل هذه المنطقة سياحية لحاجتها إلى المال، ويهمها أن يبقى الخبَر ولو كان مكذوباً”.
لحد هنا معنديش مُشكله يكون راح ومشافش لسببين، أولاً عندها شهادات ناس تانيه راحت ومشافتش بس شافت في أيام تانيه، ف مفيش حاجه بتقول إن كل اللي راح بالضّروره شاف. النقطه التانيه إن في شهادات كتير لناس كانت شايفه الظهور من زاويه معينه بس مكانش باين من زوايا تانيه، عشان كده الناس كانت بتنده لبعض بحسب النّاحيه اللي باين منها الظهور عشان اللي واقف في زاويه مش باين منها حاجه يتحرك ناحية مكان تاني ويشوف، ودي معلومه في الشهادات مش تبرير من عندي. أما النقطه التّالته فهي متوافقه مع كلام الجرايد بخصوص إن الدّوله عايزه تعمل المنطقه مزار سياحي، دي مش معلومه محتاجه خبراء ولا حاجه.
موضوع منع النّشر هو التفصيله الوحيده المُهمّه في كلام الشيخ محمد الغزالي. هاتقولي طب ما عادي يكون بيقول كده كنوع من المبالغه أو الغِل، هاقولك ﻷ، هو آه إسلوبه عنيف جداً في الكلام عن المسيحيّه في الكتاب كلّه، بس التفصيله دي إستوقفتني لسبب تاني. في جريدة الأخبار بتاريخ ٧ مايو في خبر صغير كده بيقول “مجمع البحوث الإسلامية يدرس الظاهرة: مجمع البحوث الإسلامية يبحث الآن ظاهرة ظهور السيدة العذراء … وطلب المعلومات الخاصة بمشاهدتها في كنيسة الزيتون .. تمهيداً لإصدار بيان في هذا الشأن.” لما لقيت الخبر ده إهتميت جداً إني أدوّر ورا الموضوع، بس ملقتش البيان ده في أي حتّه. يبدو إن البيان ده مخرجش للنّور، فهل مخرجش للنّور لأن البيانات اللي جمعوها أكّدت الظهور ولا لأن النَّشر إتمنع بردو؟ الخبَر ده يخليني أتوقّف للحظه قبل ما أقول إن الشيخ محمد الغزالي “إختلق” قصّة منع النّشر، على الأقلّ مش هاكدِِّبه ومش هاصدّقه، بس هاقول إن ده وارد بالرّغم إنه في المُجمل مُتحامل جداً.
عشان يأكد كلامه في إن الظهورات مُجرَّد خرافه إستدَل الشيخ محمد الغزالي بمتخصص في “الظواهر الجويّة” وهو الدكتور محمد جمال الدّين الفندي، ونشرله بحث بعنوان “ظاهرة كنيسة الزيتون ظاهرة طبيعيّة” في فصل من فصول كتابه قذائف الحَقّ. المُشكله إن البحث بتاع محمد جمال الدّين الفندي أبعد ما يكون إنه يدعم كلام الشيخ محمد الغزالي، ده بالعكس بيأكِّد إن النّاس كانت شايفه شيء فعلاً، مش زيّ ما الشيخ قال إن النّاس بتهلل ومفيش حاجه وعمم ده على كلّ المرّات اللي النّاس إدّعت فيها الظهور في حين إنه بيقول إنه راح مره واحده. بإختصار، البحث بتاع الفندي بيقول إن اللي بيحصل فوق الكنيسه ظاهره طبيعيّه إسمها St. Elmo’s Fires، وبيقول عنها إنها “الوهج الذي يلازم التفريغ الكهربائي البطيء من الجوّ إلى الأرض، وهذا التفريغ المُطابق لتفريغ “الفرشاة” المعروف في تجارب المعامل الطبيعية، يظهر عادة في صورة رأس من الضوء على نهايات الأجسام المدببة التي على غرار برج الكنيسة وصاري السفينة، أو حتى نتوآت الأراضي المُنبسطة، وتصحبها عادة ضوضاء طقطقة وأزيز.” المُهم إنه بعد كده بيقول “الظاهرة الطبيعية تحدث في الهواء الطلق أعلى المباني والشّجر، ولا تحدث داخل المباني وهو عين ما شوهد، ولو أنها كانت روح العذراء لراحت تظهر داخل الكنيسة بدلاً من الظهور على الأشجار والقباب.” وعندي هنا مُلاحظتين، بغض النظر عن الإستنتاج الغريب اللي بيقول إنها لو العذراء لازم هاتظهر داخل المباني، اللي هو مش عارف إشمعنى يعني، بس الغريب إن شهادات الناس جزء كبير منها بيقول إن النور كان بيظهر “داخل القبه”! ف كده الموضوع مُقتنع أكتر يعني؟ أهي بقت “جوا القبه” مش “فوق القبه”، ده بقا الموضوع منطقي أكتر؟
النقطه التّانيه في بحث الفندي واللي بشوفها علامة يأس شديده، إنه يفترض إن ظاهره طبيعيّه هاتفضل تحصل فوق نفس النقطه، فوق الكنيسه وجوا القباب لمدة ٣ سنين. طب إحصائياً إحتمالية تكرار نفس الظاهره بشكل طبيعي فوق نفس النقطه كام في الميه؟ أنا أعتقد إن الرقم هايبقا ضئيل ضئالة إحتمالية المُعجزه نفسها. يعني تخيّل إني قولتلك إني في مساحه ١٠ متر في ١٠ متر الدنيا هاتمطر عليها بشكل مُتكرر لوحدها من غير ما المطر ييجي على المساحه اللي حواليها لمدة ٣ سنين، متخيِّل غرابة الطرح؟ ظاهره أكثر ندره من المطر هاتفضل تتكرر ٣ سنين فوق نفس النقطه؟
يعني إستدلال الشيخ الغزالي بالبحث بتاع الفندي أولاً مبيخدمش طرحه في إن النّاس كان بتهلوس أو بتستعبط، لأن بحسب كلام الفندي الظاهره دي نور حقيقي ومش شغل حكومه ولا نصبايه من المسيحيين، ثانياً الحَل اللي بيقدّمه الفندي هو جدعنه كده من عنده، هو إعتراف ضمني بوجود نور حقيقي، بس التّفسير لا يقل غرابه عن تفسير الحدث بالمُعجزه، إحصائياً اللي بيقوله ده مُعجزه في حد ذاته، ده غير طبعاً إنه منقوض بشهادة الشهود اللي بيوصفو حاجات بتتقاطع في تفاصيل كتير وبيقولو إن الحدث بيستمر لدقائق وأوقات ساعه كامله، ف هل ظاهرة St. Elmo’s Fires كانت بتستمر لدقائق وأوقات ساعه كامله أو أكتر بمعدل كذا مره في اليوم أحياناً وكذا مره في الإسبوع لمدة ٣ سنين وعلى إرتفاع ١٠ او ١٥ متر من الأرض بعيد عن أي سحب؟!
الفصل السادس: إلزامات معرفيَّة يفرضها ظهور الزيتون
لحد دلوقتي ولو إنت خلصت الخمس أجزاء اللي فاتو ف إحتمال كبير تتفق معايا على توصيف الحدث بإعتباره “مُشكله”. أياً كانت النَّسَق المعرفي اللي هاتتبناه هايكون مطروح عليك سؤال صعب.
لو إنت مقتنع إن الحدث مُعجزه، محتاج تبيِّن ليه كل الظروف المُحيطه بيه مُريبه بالشَّكل ده (تبرعات عبد الناصر، تبرعات محافظة القاهره، إستمرار العمل في بناء الكتدرائيه تانيه يوم الظهور بقوة ١٠٠٠ عامل، رغبه الدوله في الإستثمار في المكان وتحويله لمنتجع سياحي، التضييق على المُعارضه)، ومحتاج تلاقي إجابه لضعف توثيق حدث جَلَل بالحجم ده وبالإستمراريّه دي.
أما لو إنت غير مؤمن بالمُعجزات عموماً وبالحدث ده خصوصاً ف محتاج تجاوب الأسئله التّاليه: (١) إزاي ممكن يتم إثبات المُعجزه لو كانت حصلت؟ يعني لو رفضَك للمُعجزه رفض فلسفي، إيه نوع الدّليل اللي ممكن يخلّيك تغيَّر رأيك؟ ولو مفيش شيء قادر إنه يخليك تغيَّر رأيك مش موقفك هنا يبقا دوجمائي لأنه —بتعبير كارل بوبر— يُعتبر unfalsifiable؟ (٢) لو عايز تقول إن اللي حصل كان بفِعل فاعِل، هل تقدَر تثبت إن في تقنيات تقدر تعرض صور مُتحرَّكه مُلوَّنَه من غير سَطح يحصل عليه الإنعكاس وكل ده يحصل فوق مبني دور واحد وفي مساحه مكشوفه؟ طب ولو مقدرتش تثبت ده، هل هنا إستنتاجك النهائي يُعتبر مُسوَّغ منطقياً ولا فيه شيء أشبه بال leap of faith؟
الإحتمال التالت إنك تكون مؤمن بإمكانية حدوث المُعجزات بس تعتقد إن اللي حصل في الزيتون مش مُعجزه، وساعتها يواجهك سؤال خطير. بما إنك في نفس مأزق عدم القدره على توضيح إزاي الموضوع إتعمل تكنولوجياً وعدم القدره على شَرح أخبار المُعجزات اللي نقلها غير مسيحيين وغير مؤمنين، وفي ضوء كم الشهود الضّخم اللي وقَع في قلوبهم يقين أو “علم ضروري” بإن ده ظهور ودي مُعجزه، وبما إنك لا تُنكر إمكانية حدوث المُعجزات وتؤمن بمعاجِز أخرى، السؤال هنا، هل عندك حدث تم توثيقه بطريقه أفضل من حدث الزّيتون (على الرّغم إن كان بالإمكان أفضل بكثير مما كان)؟ لو عندك شيء مُوثّق أكتر ورينا موقف فيه شهود عيان مُختلفين في الدّين ومن كافة الطبقات الإجتماعيه والعلميه وبينهم وبينا عدد قليل جداً من نقلة الخبر ومن ضمن نقلة الخبر جرائد حكوميه، والشهود دول مُختلفين في اللغه ونقلو حدث مُعجزي قريب زمنياً مننا ولم تتم معارضته من الدّوله اللي تختلف مع دلالة الحدث لأسباب دينيّه وثقافيه. ولو قولت إن الدوله أصلاً مفبركه الحدث وشريك أصيل في النصبايه دي هايكون قدامك سؤال أكثر صعوبه، طب لو إنت مقتنع بإمكانية تواطؤ كل النّاس دي على الكذب وإن قيادة الدوله تقدر تجيب عدد ضخم من الشهود (الشهادات بالمئات والشهود بالآلاف) المُختلفين في كل النقط سابقة الذكر وتخليهم يدعمو سرديتها يبقا إيه اللي يخليك تعتبر أي مُعجزه إنت مقتنع (أو حتى أي سرديه هامه لمعتقدك أو آيديولوجيتك) بيها تتخطّى إحتمالية الكذب وإن المُجتمع أو الدّوله اللي نقلتلك خبر المُعجزه اللي إنت مقتنع بيه هم اللي صنعو الحدث لإغراض دينيه؟ إشمعنى هاتقبل إمكانية شهود الزيتون على التواطؤ على الكذب، بس مش هاتقبل إمكانية تواطؤ شهود مُعجزتك على الكذب؟
الفصل ده هايكون نقطة التحوُّل في مسار السلسله من دراسة مُعطيات ظهورات الزّيتون ما بين ١٩٦٨ و ١٩٧١ إلى دراسة الجوانب المنهجيَّه المعرفيّه والتّاريخيّه، وهانبتدي نشوف إيه اللي حدث زي ده ممكن يقولهولنا عن التّاريخ وعن إعتقاداتنا بخصوص سير المُجتمع والطّبيعه. زي ما شوفنا في الفقرات اللي فاتت، أياً كان إعتقادك في الحدث هايلزمك منه شيء إما منهجي أو معرفي أو لاهوتي. وعشان نبقا بنلعب ال game على even ground أنا هابدأ بنفسي وهاقولك ما يلزمني من إستنتاجاتي بخصوص ظهور الزّيتون. أنا شخصياً لا أعتقد إنه مُعجزه، ولكن أنا مقدرش أثبت إنه مش مُعجزه. وعدم قدرتي على الإثبات ناتج عن كذا حاجه: أولاً أنا بتحرَّك في حدود السّرديّه اللي وصلتني، والسَّرديّه اللي وصلتني مُلوَّنه بآيديولوجيا الدّوله وآيديولوجيا دينيّه. أنا مش شاهد عيان على الحدث، ولو كنت شاهد عيان كنت هاحاول أقرب من النور بأكتر درجه ممكنه وأحاول أطلع أشوف ده إيه، ولو إتمنعت كنت هاتشكك، كنت على الأقل هاحاول أدخل الكنيسه نفسها وأبص من جوا على فتحات القبه، كنت هاحاول أستخدم حواسي لأقصى درجه، كنت هاعمل interviews مع النّاس وكنت هاحاول أستغل علاقاتي في إني أعرف كل حاجه بتدور حوالين اللي الناس شافته والمُعجزات اللي بتحصل .. من الآخر كنت هاخد الموضوع جد زي مانا بحاول أعمل بعد الحدث بحوالي ٦٠ سنه. ولأن ده محصلش، ولأني حاسس إن في كتير كان ممكن يتعمل ف أنا بعيد بعد الخطوات عن الإقتناع بإنها كانت مُعجزه، في إحتمالات تانيه مقدرش أستثنيها. طب أنا يلزمني إيه معرفياً بسبب موقفي ده؟
بص يا سيدي، يلزمني الآتي، وركِّز معايا عشان لو إتناقشنا هاناقشك فيما يلزمك بردو، لأننا إتفقنا نلعب على even ground: (١) يلزمني إني مقدرش أثبت أي معجزه تانيه بأدوات التّاريخ، لأني مقتنع تماماً إن مفيش حدث تاني على كم شهود وبالقرب الزمني اللي عليه حدث الزيتون. (٢) يلزمني إن مهما زاد عدد الشهود على شيء ف في إحتماليه إن العدد ده يكون تم خِداعه بشكل ما، ممكن يكون خطأ تراكمي تناقلته الناس، ممكن حواسهم يتم التلاعب بيه، ممكن شخص عنده access لأدوات مش معروفه عند النّاس يسبب في قلوبهم يقين بخصوص شيء على خلاف الحقيقه، ممكن الأنظمه والدول والمؤسسات تتدخّل وتعمل حاجه بال scale ده وبالتأثير ده. (٣) يلزمني بردو إن مش كل شئ تتفق عليه سَرديّه يبقا بيصِل لمرتبه اليقين التّاريخي، وبالتّالي كل شئ في التّاريخ قابل للمُراجعه، وكل ما تظهر مُعطيات جديده هانحتاج قراءه جديد والعمليه دي مش هاتنتهي. كده يتبقا سؤال واحد، أعرف منين إني غلطان؟ إفرض أنا اللوازم اللي عليا دي طلعت فيها إشكالات، إزاي هاتستقيم بنيتي المعرفيّه؟ والله أنا رأيي إني هاقول إني غلطان لو إتحطيت في موقف مفيش بيني وبينه سَرديّه مبنيه على الخبَر واللغه والمُجتمع وإستخدمت فيها كل أدواتي الحِسِّيه وفرغت كل محاولاتي العقليه في تفسيرها وإستقر في قلبي إن اللي قدامي ده مش شئ طبيعي، ساعتها هاقول مُعجزه. لكن طول ما بيني وبين الحدث أخبار ف إحتمالية خطأ وكذب الأخبار والمُخبرين (سواء بتواطئهم على الكذب أو بكونهم جُزء من خِدعه مؤسسه أكبر بتتحكم فيها) يبقا الأكثر إحتماليه هو إن المُشكله المعرفيه في الخبَر والمُخبرين مش في إن الطبيعه بشكل ما حصَل فيها تغيير.
بس خلّي بالك، ده موقفي أنا، وأنا شايفه مُتَّسِق مع قراءتي لباقي مواقف التّاريخ، لكن إنت مينفعش تاخد حته من هنا وحته من هنا وتعمل كوكتيل، مينفعش تقولي الزيتون مش مُعجزه بس عندي شهادات مبنيه على أخبار من زمن بعيد والناس اللي قالوها والناس اللي نقولها “مينفعش” أو “يستحيل” يتفقو على الكذب بالرغم إنهم أبعد زمنياً وجغرافياً وأقل عدداً وفي سياق أقل علنيّه من حدث الزيتون. يعني إنت عايز تقبل إتفاق قيادات دوله وكنيسه وآلاف من الناس مصريين وغير مصريين على الخدعه، بس مش عايز تقبل تواطؤ أو خطأ ١٠ ولا ٢٠ واحد (مع إني أدّعي إن صعب حد يلاقي حدث عليه ٢٠ شاهد منفصل، ويمكن حتى ميلاقيش أعداد أقل من العشرين بكتير). في الحاله دي إنت مُجرَّد واحد مؤدلج ومُتناقض، وتفضيلك للمُعجزه اللي في سرديتك مش ناتج عن كونك مُسوَّغ معرفياً بدرجه أكبر من المؤمن بحدث الزيتون ولكن لكونك شايف إن الناس اللي في سرديتك أوثق من أي عدد تاني من الشهود من خارج مجموعتك، يعني من الآخر إنت عايز تثق في اللي تبعك عشان هم تبعك، ودي حُجّه أي حد يقدر يستخدمها، أي حد يقدر يقولك فلان وفلان مبيكدبوش إذاً المُعجزه الفلانيه حصلت. هنا كل الفكره إنك بترمي عبء الإثبات على أشخاص (حتى متعرفهومش شخصياً) لمجرد إنهم بيدعمو الدوجما بتاعتك، وده مش تاريخ ولا يستقيم معرفياً ولا يقَع في حيِّز الدّليل الموضوعي أصلاً.