مقدمة منهجية في المعرفة بالخبر — الفصل الثاني: مذاهب المعرفة بالخبر، شروحات ونقوضات
- الخبر في الإبستمولوجيا الإجتماعية
- الخبر في علم المعرفة – معايير وإشكاليات
- مقدمة منهجية في المعرفة بالخبر — الفصل الأول
- ☑ مقدمة منهجية في المعرفة بالخبر — الفصل الثاني: مذاهب المعرفة بالخبر، شروحات ونقوضات
- إبستمولوجيا الخبر والتّاريخ: المؤرخ والتسويغ وآليات الكذب
- الهستيريا الجماعية وشهود العيان
- مشكلة ظهور الزيتون: بحث في مشكلة الخبر والتاريخ والمعجزة
MA in Applied Linguistics and TESOL, Portsmouth University, United Kingdom. His current research areas are Critical Discourse Analysis, Gender Relations, Religious Literature, and Hermeneutics
الفصل الأوّل: Bare Credulism – Global Reductionism – Modest Credulism – Local Reducationsm
مبدئياً في قُطبين في دراسة الخَبَر (التعريفات اللي هاشرحها من ورقة Timothy Perrine سنة 2014 بعنوان In Defense of Non-Reductionism in the Epistemology of Testimony)، القُطب الأوّل وهو المنظور الإختزالي Reductionism اللي بيشوف إن المعرفه بالخَبَر مش مصدر معرفي مُستقل بذاته، وبالتّالي أي معرفه بالخَبَر لازم يدعهمها حاجه من المصادر التلاته الأساسيه وهي الحِس perception والمنطق Reason والذاكرة Memory، والقُطب ده بيُنسب لـ David Hume (مع إن في بعض الباحثين زي Coady اللي بيشوفو إن دي قراءه مش دقيقه لكلام هيوم). أما القطب التّاني أو المنظور اللا-إختزالي Non-reductionism ف بيشوف المعرفه مصدَر مُستقل بذاته مش محتاج يُستدَل عليه بالمصادر التلاته التانيه، يعني من الآخر عنده أربع مصادر للمعرفه وهم الحِس والمنطق والذاكرة والخَبَر، وده قطب بيُنسب لـ Thomas Reid). كل منظور من الإتنين بيتفرَّع لنظريات متعدده وكل نظريه منهم على كذا نَقد. خلينا نمشي الأول مع النسختين اللي ناحية القطبين وبعد كده نشوف النُسخ اللي في النصّ على ال spectrum.
(١) السذاجة المُجرَّدة Bare Credulism
القطب الأول صيغة التَّعبير عنها كالتّالي:
For all of the one’s TBB, one’s TBB can be justified even though one is unable to offer any independent [positive] supporting grounds in favour of that TBB. (Duncan Pritchard 2004, 332)
Some testimonial beliefs possess positive epistemic status independent of that conferred by perception, memory, and induction. (Duncan Pritchard 2004, p.328)
“لكل إعتقاد مبني على الخبر، يعتبر الفرد مُسوّغاً في التصديق حتّى إن كان غير قادر على تقديم دليل [غير خَبَريّ] يدعم الإدعاء. … بعض الإعتقادات المبنية على الخبر تمتلك مكانة معرفية إيجابية بمعزل عن تِلك المعرفة التي يمنحها الحِس والذاكرة والإستقراء.”
(٢) الإختزالية العامة Global Reductionism
صيغة التعبير عنها كالتّالي (هاكتبهالك بالإنجليزي زي ما هي في الكتب وبعدها مصدر الصيغه وبعد كده هاشرحهالك بالعربي):
For all of one’s TBBs, if one’s TBB is justified, then one is able to offer sufficient non-testimonial grounds in support of that TBB. (Duncan Pritchard 2004, p.328)
“لكل إعتقاد مبني على الخبر، يعتبر الفرد مُسوّغاً في التصديق [فقط] إن كان قادراً على تقديم دليل [غير خَبَريّ] يدعم الإدعاء.”
المذهب الأوّل بيتسمّى بردو بإنه مذهب “غيرإختزالي”، يعني بيعتبر الخبَر مصدر صالح للمعرفه بذاته من غير ما يتم ردّه لدليل من التلاته الأساسيين: الحِسّ والمنطق والذاكرة. أما المذهب التاني فهو المذهب الإختزالي، واللي بيقول إن الخبَر لو مالوش حاجه تدعمه من الحِسّ والمنطق والذاكرة ف لا يصلُح للإحتجاج به. طبعاً للوهله الأولى هاتُدرك إن المنهجين وإن كانا صالحين في بعض الحالات إلّا إنك متقدرش تعمم واحد منهم وتستخدمه في حياتك بشكل كامل. ف مثلاً لو تبنِّيت السّذاجة المُجرَّدة هاتصدّق كل شيء بدون دليل، ولو تبنِّيت التاني (الإختزالية العامّة) هاتلاقي أغلب معارفك مفيش عليها دليل كافي، زي مثلاً كل المعارف اللي إتعلمتها في المدرسه من غير ما يكون عندك عليها دليل خارجي وكل المعارف اللي أخدتها من أهلك ومكونتش واعي أساساً لمعنى الدّليل ونوعه وصلاحيِّته وكفايته من عدمها. طبعاً في شَروط تانيه إتضافت للقطبين دول وتفرّع منهم نظريات تانيه. إعتبرهم قطبين وكلّ اللي جي يقَع بدرجة ما بين القطبين دول.
(٣) السذاجة المُتواضعة Modest Credulism
“لكل إعتقاد مبني على الخبر، يعتبر الفرد مُسوّغاً في التصديق حتّى إن كان غير قادر على تقديم دليل [إيجابي] مُستقِل يدعم الإدعاء.”
المقصود هنا من الصياغه دي إن الشخص مُسوَّغ في تصديق الخبر حتى لو غاب الدّليل ولكن بشرط إن ميكونش في دليل ناقض defeater للخبَر. يعني طول ما مفيش شيء يناقض الخبَر ف إنت مسوّغ في تصديقه حتى لو مفيش عندك ما يدعم الخبَر من الحِسّ والمنطق والذاكرة أو الأخبار الأخرى. ف مثلاً لو واحد صاحبك قالك إنه لقى ٢٠ جنيه في الشارع ف مفيش مانِع إنك تصدّقه حتى لو مكونتش شوفت العشرين جنيه بنفسك. لكن لو جه قالك إنه لقى ورقه واحده ب ٣٥ جنيه ف هنا إنت مش مسوّغ في تصديقه لأن معرفتك بتقولك إن مفيش ورقه ب٣٥ جنيه أصدرتها الحكومه.
(٤) الإختزالية المحلية Local Reductionism
“لكل إعتقاد مبني على الخبر، يعتبر الفرد مُسوّغاً في التصديق فقط إن كان قادراً على تقديم دليل [إيجابي] مُستقِل يدعم الإدعاء.”
في الإختزالية المحلية بيتم تسويغ الخبَر بواحد من الأدله التلاته (الحِسّ والمنطق والذاكرة) أو من خلال النظر في مواصفات ناقل الخبَر، وده مبحث كبير إسمه Virtue Epistemology. من طرق إثبات صحّة الخبَرإنك تثبت إن ناقل الخَبَر يتوفَّر فيه ٣ نقط إسمهم The Criteria of Good Informant وذكرتهم Miranda Fricker (٢٠١٢، ص٢٥١): (١) إنه يكون في سياق يسمحله يعرف المعلومه اللي بينقلها، (٢) إن تكون قنوات التواصل معاه مفتوحه بالنسبالك، بحيث تقدر تكلّمه وتعرَف منّه من غير ما يخفي عند المعلومه أو جزء منها أو يكدب عليك، (٣) إن يكون عندك طريقه تتحقق بيها من (١) و (٢).
ممكن تقولي طب ما دي طريقه كويسه، وغالباً كلنا بنعمل كده لما بنيجي نعرف أي شيء بالخبر، بنروح ندوّر في مواصفات اللي بينقل الخبَر وفي أخبار بتيجي من ناس ثقه ف بنصدقها وأخبار بتيجي من ناس مش ثقه ف بنرفضها أو على الأقل بنتوقّف فيها. صحيح، بس في مُشكله كبيره هنا: إنك لما بتحكم على مواصفات شخص ما أو وجوده في سياق يسمحله يعرف ف إنت فعلياً بتسوَّغ خبَر خبَر، وبما إن مذهبك بيقول إن كل خبَر يجب توفُّر دليل عليه (لأنك تبنِّيت نُسخه من نُسخ ال Reductionism) ف الخبَر لازمله دليل، ولأن الدليل هو نفسه خبر ف يلزم للخبر خبر، ولكل خبر هاتجيب خبر وبالتالي تقع في تسلسُل.
بيعلق على النمط ده من المعرفه بالخبر Duncan Pritchard وبيقول إن لو كل إعتقاد مبني على الخبَر هايتطلب داعم مُستقل هو نفسه إعتقاد مبني على الخبر ف إحنا عندنا دائره من التسويغ (دَور منطقي) circular argument أو تسلسل لا نهائي infinite regression مش هايحصل فيه تسويغ حقيقي (٢٠٠٤، ص٣٣١). تعالى نقرا نَصّ كلامه: إقرا كده الفقره دي وهاشرحهالك: “على كل حال، في قطاع عرض من الإعتقادات المبنية على الخبر، المُسوِّغ المُستقل [الذي يحتاجه الخبر] محَل النَّظر يتكّون هو نفسه من إعتقاد مبني على الخبر وبدوره يتطلَّب مسوِّغاً مُستقلّاً .. وهكذا. على الأرجح ستتكون عندنا دائرة من التّسويغ. في هذه الدائرة سيكون الإعتقاد محَل الإثبات هو نفسه آداة التسويغ للإعتقادات المبنية على الخبر، ولكن حتى إن لم يحدث هذا، سيتبقى لنا تسلسل لا نهائي من المسوِّغات [التي تفتقر هي نفسها للتسويغ]، وهذا ليس أفضل بأي حال.”
وده جزء تاني من Standford Encyclopedia of Philosophy يوضحلك الدَّور circular argument والتسلسُل infinite regression
“تاريخياً، أُثقِلَت الإختزالية العامة Global Reductionism بثلاثة إعتراضات. الأوّل، جادل المُعارضون بأن أيّة مُحاولة للتحصُّل على أسباب غير خَبَريّة non-testomonial للإعتقاد في الموثوقية العامّة للخَبَر ستئول بالضّرورة إلى دَورٍ مُفرَغ أو تسلسل مُعضل. فمثلاً لكي أعرف أن النّاس بشكلٍ عام يقولون الحقيقة، سأحتاج أن أعتمد على شهادة “بيل” لأثبت أن ما قالته “أليس” صحيح. ولكن لكي أعلم أن “بيل” موضِع ثِقة، رُبّما سأضطر للإعتماد على “كارلي” لتأكيد أنه عادة ما يقول أموراً حقيقية. ولكن لأعلم أن “كارلي” عادة ما تقول الحقيقة، إما سأضطر للإعتماد على “أليس” و “بيل” ليؤكدا هذا الأمر لي (وهذا دَور مُفرَغ vicious circle)، أو سأحتاج شخصاً رابعاً مثل “دونالد” (وبهذا يستمِر التّسلسُل regress). لهذا، ولأنه لا يوجَد وسيلة جيِّدة للتحصُّل على الأسباب غير خبرية موضع السؤال، يلزَم الإختزالية العامة إشكال أننا نادراً ما نكون مُسوَّغين في قبول ما يقوله النّاس لنا.”
(١) بيل أخبرني بالخبر P
(٢) صدق P مرهون بصدق بيل
(٣) أليس أخبرتني بصدق بيل
(٤) صدق أليس مرهون بصدق كارلي
(٥) كارلي أخبرتني بصدق أليس
(٦ أ) صدق كارلي مرهون بصدق بيل أو أليس
× دَور
(٦ ب) صدق كارلي مرهون بصدق دونالد
(٧) صدق دونالد يتطلب شهادة شخص آخر وصدق الآخر يتطلب شهادة آخر وصدق الآخر يتطلب آخر
× تسلسل
المُشكله إن كل خبَر هنا هو نفسه محتاج دليل. يعني عشان تثبت الخبر X من خلال إثبات إن المُخبر Y صادق، ف الخبَر اللي هاتثبت بيه صدق Y هو نفسه محتاجه تسويغ أو دليل، ولو صدق Y مفيش عليه دليل ثابت يبقا X مش خبَر ثابت. المُشكله دي بينبه ليها باحثين زي Pritchard اللي بيقول إن النمط المعرفي ده بالضّروره هايؤدي إلى infinite regression أو تسلسل، يعني الخبر A مفيش عليه دليل حاسم ف بتجيب الخبر B عشان تثبت بيه A، بس B نفسه مفيش عليه دليل حاسم غير الخبر C، والخبَر C بردو مفيش عليه دليل حاسم معرفياً ف بتضطر تجيب الدليل D، وهكذا إلى ما لا نهايه. المنظومات اللي بتنظر في أخبار الأشخاص وحياتهم وقدراتهم مش هاتؤدي إلى معارف موثوقه. وكمان بيعلق Robert Audi على النمط ده وبيقول “حتّى الشخص الموثوق بشكلٍ عام ليس موثوقاً في كُل مساحة [معرفيّة] خاصّة، ولا شخص موثوق يُمكنه أن يدَّعى كونهِ هكذا.” (٢٠٠٧، ص٣٣)
لو حاولت أصيغ نسختي الخاصه من المعرفه بالخبر هاصيغها كالتالي:
“For each Testimony Based Belief (TBB), one is justified in believing that P if P is not defeated; and after believing that P, the justification for P is revoked if an undefeated defeater arises. The bigger the epistemological cost of believing that P, the stronger the evidence required for P.”
“لكل إعتقاد مبني على الخبَر، يعتبر الفرد مسوّغاً في التصديق أن الإدعاء كذا صادق إن كان الإدعاء كذا لا تعارضه أيّة نواقض؛ وبعد أن يعتقد الفرد في كذا يسقُط التّسويغ إن طرأ ناقض غير منقوض. كلّما زادت الكُلفة المعرفية للتصديق في كذا، زاد حجم الدليل المطلوب على كذا.”
الصياغه دي صياغتي الخاصه اللي مفيش مانع يكون حد صاغها في ورقه أو كتاب أو إنها تكون غلط أو فيها مشاكل. أنا بطرحها عشان أشتغل عليها أكتر، وهاسميها Revisionist Modest Credulism.
بحسب الصياغه دي ف أي خبر هايجيلك ولا يتعارض مع ناقض ينفيه ف تقدر تصدّقه، لحد هنا دي النُسخه العاديه من ال Credulism. بس في هنا نقطتين زياده، الأولى هي إن موقفك المعرفي لازم يتغير في حالة ظهور نواقض، يعني لما بتقول إنك تعرف شيء مش بتصدر حكم نهائي لا رجعة فيه، ولكن بتقول إنك مسوّغ حالياً في تصديقه، ولو ظهر ناقض غير منقوض undefeated defeater لازم في الحاله دي تتراجع عن إدعاء المعرفه. وبالتّالي أحكامنا المعرفيه هي أحكام مؤقته ممكن تتغيّر ويجب عليك بشكل مُستمر التحقيق في الأخبار مش إنك تتلقاها وتقفل باب مراجعتها. الجزء ده بيحل مُشكله بتواجه ال Credulism، وهي إن الأولى بتقول إننا في سن صغيّر بناخد معارفنا من أهلنا ومن مدرسينا وإحنا كبار بناخد معارفها من المتخصصين، ف في الحاله دي إنا بنتلقى الأخبار بدون مراجعه ومضطرين نعمل ده لإن وإحنا صغيرين أو كبار غير متخصصين معندناش الأدوات المعرفيه.
ف الإضافه اللي ضيفتها بتقول إن تلقّي الخبر سواء في سن صغيّر أو في باب عدم التخصص هو تسويغ مؤقت لازم يتبعه بحث مُستمرّ وإعادة بحث في المسوغات، مينفعش تاخد كلام فلان وتقفل الباب على كده. ممكم تكون النهارده مسوّغ في تصديق خبر وبكره تبقا غير مسوّغ في تصديقه. في نفس الوقت الصياغه دي مفيهاش circular argument أو infinite regression طول ما الخبَر مالوش نواقض، بس في كل الأحوال لو كانت الكُلفه المعرفيه كبيره ومفيش تسويغ للأخبار غير بأخبار يقَع الدَّور والتسلسُل. يعني موضوع تسويغ الأخبار بالأخبار غالباً مفيش صياغه هاتعرف تخرج من إشكالاته المنطقيه.
الإضافه التانيه وهي كلاسيكيه جداً، كل ما تزيد الكُلفه المعرفيه لازم يزيد قدامها الدليل الخارجي. في الحاله دي ال Credulism تقدر تتحوِّل ل Reductionism لو الكُلفه المعرفيه كبيره. يعني مثلاً، لو جيت قولتلي إنك شوفت واحد صاحبنا من يومين، والخبَر ده على سبيل الدردشه، ف مفيش عندي كُلفه معرفيه في تصديقه، مدام شوفته good for you، معنديش مشكله أصدقك. لكن لو قولتلي إنك شوفت واحد أنا في بلد تانيه وأنا لسه مقابله من ١٠ دقايق ف تصديقي لخبرك معناه تكذيب حواسي يبقا هنا في كُلفه معرفيه مهوله، إنت هاتشككني في حواسي وفي قدراتي العقليه، هنا لازم أطلب دليل مهول. مش كفايه إنك تكون في معرفتي بيك مبتكدبش، مش كفايه إنك أكون بصدقك عشان أكدب حواسي. كل ما تزيد تكلفة تصديق الخبر اللي إنت جايبهولي لازم يزيد قدامها حجم الدليل اللي إنت مُطالب تجيبه.
الإضافه دي مهمه لسبب، كان ممكن الخبَر بتاعك عن إنك شوفت فلان في بلد تانيه وأنا لسه شايفه في شارعنا من عشر دقايق يترفض بناءاً على معارضه ل defeater أو ناقض وهو حواسي. أنا لسه شايفه في شارعنا، ف خبرك كذب وخلصنا. بس في إحتمال إني أكون فعلاً متوهم وإن إنت صحّ، ف التعديل هنا هدفه إن ال credulism متتحولش لدوجماطيقيه بتستثنى الخبَر بدون التحقيق فيه.
.