9 e1740868684631

تكوين التوراة – الفصل التاسع: التقليد التثنوي – كتب التأريخ التثنوي – مايكل لويس

المقال رقم 9 من 12 في سلسلة تكوين التوراة

اليهود بيقسموا كُتب العهد القديم “التناخ- Tanakh” كالتالي:

(التوراة “Torah” – الأنبياء “Neviim” – الكتابات “Ketuvim”)

  • التوراة بتشمل ما صار يُعرف باسم اسفار موسى الخمسة:

التكوين – الخروج – الاحبار (اللاويين) – العدد – تثنية الاشتراع.

  • الأنبياء بيتم تقسيمهم لثلاثة أقسام:
  1. الأنبياء المُبكرين:

يشوع – القضاة – صموئيل (أول وثاني) – الملوك (أول وثاني).

  1. الأنبياء اللاحقين:

أشعيا – إرميا – حزقيال.

  1. الاثنى عشر:

هوشع – يوئيل – عاموس – عوبديا – يونان – ميخا – نحوم – حبقوق – صفنيا – حجّاي – زكريا – ملاخي.

  • الكتابات بيتم تقسيمها لثلاثة أقسام:
    1. الأسفار الشعرية:

المزامير – الأمثال – أيوب.

  1. اللفائف الخمسة:

نشيد الأناشيد – راعوث – المراثي – الجامعة – استير.

  1. كتابات أُخرى:

دانيال – عزرا – نحميا – الاخبار (أول وثاني).

دي تقسيمة كتب العهد القديم عند اليهود.

يهمنا من التقسيمة دي كتابات الأنبياء المُبكرين (يشوع – القضاة – صموئيل – الملوك)، الاربع (او الست) كُتب دول، بالاضافة لسفر تثنية الاشتراع بيسميهم علماء النقد الكتابي بأسفار التأريخ التثنوي (Deuteronomistic History)، أول من أطلق التسمية دي عليهم كان باحث ألماني ظهر في القرن العشرين اسمه مارتن نوث- Martin Noth.

اللي لاحظه نوث هو ان في وحدة ما بين كُتب دي (تثنية الاشتراع – يشوع – القضاة – صموئيل أول – صموئيل ثاني – ملوك أول – ملوك ثاني)، الكتب دي بتحكي تاريخ متسلسل من زمن موسى لحد انهيار مملكة يهوذا، الكتب غالبًا مكتبهاش كاتب واحدو في نفس الوقت متكتبش كل كتاب منهم على مرحلة واحدة، يعني سفر يشوع بعد ما اتكتب جه حد اضاف وعدل عليه، ونفس الكلام على القضاة وعلى صموئيل وصولًا للملوك، يعني الكتب كلها اتكتبت على مراحل وفيها كذا طبقة، الشخص اللي حط التعديل النهائي على كل من السبع كتب دول هو شخص واحد، وبالتالي، فالاجابة على سؤال عن شخصية كاتب التقليد التثنوي هتجاوب كمان على الشخص اللي انهى انتاج وتعديل كل من الست كتب اللي بعده.

لما أصبح يوشيا ملك على يهوذا وبدأ اصلاحه الديني لما كمل 18 سنة كان في حدث مهم جدًا أثر على الفعل دا، الحدث دا هو اكتشاف سفر الشريعة، اللي حلقيا رئيس الكهنة اكتشفه في المعبد، واللي بحسب كتير من اباء الكنيسة والرابيين اليهود وبشكل مش مختلف عليه من الباحثين بل على العكس بيميل لتأكيده، فسفر الشريعة دا هو سفر تثنية الاشتراع.

التأريخ التثنوي بيبدأ زي ما قلت من الايام الاخيرة لموسى وصولًا لانهيار مملكة يهوذا، بيحكي تاريخ حكام وملوك وحروب، التأريخ الثنوي بيحكيلنا تاريخ لكن من وجهة نظر دينية ولاهوتية، وجهة النظر دي متقدمة في صورة عهد ما بين يهوَه وشعبه، المؤرخ بيقيم الملوك إذا كانوا كويسيين ولا لأ بُناء على تمسكهم بالعهد دا، ودا بيظهر أوي في سفر الملوك، لكن ايه هو العهد دا؟

في التقليد اليهوَي في قصص عن عهود ما بين يهوَه والاباء الأولين زي نوح او ابراهيم، في التقليدين اليهوَي والإيلوهيمي في عهد حصل ما بين يهوَه وموسى، في التأريخ التثنوي في عهد كمان بيظهر، ما بين يهوَه وداود، العهد دا هو عهد غير مشروط بأن بيت داود هيفضل يحكم المملكة للأبد (2 صم 7):

“هكذا يقول رب القوات: إني اخذتك من المرعى من وراء الغنم، لتكون رئيسًا على شعبي إسرائيل، وكنت معك حيثما سرت، وقرضت جميع أعدائك من أمامك، وسأُقيم لك اسمًا عظيمًا كأسماء العظماء الذين في الأرض، وأجعل مكانًا لشعبي إسرائيل، وأغرسه فيستقر في مكانه ولا يضطرب من بعد، ولا يعود بنو الإثم يذلونه كما كان من قبل… وإذا تمت أيامك واضطجعت مع آبائك، أُقيم من يخلفك من نسلك الذي يخرج من صلبك، وأنا أُثبت عرش مُلكه للأبد. أنا أكون له أبًا وهو يكون لي ابنًا. وإذا أثِم أؤدبه بقضيب الناس وبضربات بني البشر. وأما رحمتي فلا تُنتزع عنه، كما نزعتها عن شاول الذي أبعدته من أمام وجهك، بل يكون بيتك ومُلكك ثابتين للأبد أمام وجهك، وعرشك يكون راسخًا للأبد.”

دا العهد اللي حصل ما بين يهوَه وداود، ان العائلة الملكية لداود هتفضل موجودة في حكم مملكة اسرائيل للأبد، عهد غير مشروط بسبب ان داود كان انسان بار وكانت دي مكافأة يهوَه ليه، لو حد من نسله اخطأ هيتم تأديبه بضربات البشر (الحروب أو ما شابه)، لكن هيفضل دايمًا حاكم المملكة من نسل داود، لما حصل والمملكة انقسمت لمملكة اسرائيل في الشمال ويهوذا الجنوب، كان التبرير ان مملكة يهوذا بيحكمها شخص من نسل داود نتيجة للعهد دا، ولكن لإنه مكانش بار فالمملكة كانت منقسمة، لكن لازم يفضل شخص من نسل داود في المُلك (1 مل 11: 34).

السؤال هنا بقى، إذا كان التأريخ التثنوي بيحكي تاريخ من أول أواخر ايام موسى لحد انهيار مملكة يهوذا والسبي البابلي، ليه المؤرخ بيحكي عن عهد أبدي غير مشروط بين ويهوَه وداود بالشكل دا لما هو شاف مملكة يهوذا انهارت قدام عينيه؟

الاجابة هي ان التأريخ التثنوي تم إصداره وانتاجه على مرحلتين، المرحلة الأولى كانت في عصر الملك يوشيا، مرحلة مليانة بالتفاؤل والأمل ومن المنطقي وقتها ان حد يشرح عهد أبدي بالشكل دا، في حين ان المرحلة التانية حصلت بعد انهيار المملكة، واللي لو حد مسك فيها الكتاب باصداره الأول هيبصله باعتباره كتاب ساذج بيقدم رؤية غير واقعية، فحصل التعديل التاني بعد حدوث السبي البابلي، المرحلة دي تم اضافة فيها تاريخ الاربع ملوك اللي جم بعد يوشيا ومكتوب تاريخهم في الصفحات الاخيرة من سفر الملوك الثاني، والكاتب الأُخير عدل واضاف بعض النصوص في النُص في كتب التأريخ التثنوي عشان يقدر يبرر شوية التغير الجذري اللي حصل وقت انهيار مملكة يهوذا.

احد الادلة على وجود اصدارين لكتب التأريخ التثنوي هي ان المؤرخ بيتكلم عن حاجات تم تدميرها وقت السبي البابلي باعتبارها موجودة لحد زمن الكتابة، حاجة زي قضبان تابوت العهد مثلًا كان بيقول انها موجودة في الهيكل تحت اجنحة الكاروبيم “إلى هذا اليوم” (1 مل 8: 8)، ليه واحد بيكتب الكتاب دا بعد انهيار مملكة يهوذا وتدمير اورشليم وحرق الهيكل يكتب نَص زي دا؟ حتى لو بيعتمد على مصادر اقدم منه مثلًأ فالنَص دا مكانش لازم ينقله إذا كان الكاتب وقت الكتابة شاف انهيار مملكة يهوذا، لكن الاجابة هي انه وقت ما الكاتب كتب الكلام دا كانت مملكة يهوذا لسة موجودة فعلًا، كان الهيكل لسة موجود والتابوت لسة في مكانه.

الاصدار الثاني من التأريخ التثنوي هو نفس الاصدار الأول تقريبًا، مفيش غير نصوص قليلة هي اللي اتضافت في النهاية وبين النصوص عشان تبرر وتؤرخ الحدث الجديد، في الواقع الفرق بين زمن يوشيا الملك وانهيار مملكة يهوذا كله 22 سنة بس، واسلوب الكتابة مش مختلف بين الاصدارين، ودا معناه ان الفرق الزمني بين الاصدارين ووحدة الاسلوب مش بتدفعنا بالضرورة للاعتقاد ان الاصدارين كُتابهم كانوا شخصين مُختلفين، ممكن ببساطة يكونوا نفس الشخص، الشخص دا كتب الاصدار الأول من التأريخ التثنوي وقت الملك يوشيا، ولكن لما انهارت مملكة يهوذا عدل في كتاباته في الإصدار الثاني.

سفر الملوك، في اصداره الأول على الأقل، اتكتب لتتويج الملك يوشيا، يوشيا حكم لمدة 31 سنة، وسفر الملوك بيحكي قصته في اصحاحين كاملين (22 و23)، بالرغم من ان في ملوك غيره حكموا لمدة اكتر وعملوا حاجات اكتر، لكن سفر الملوك متكلمش عنهم بالكم دا، منسَّى جد يوشيا على سبيل المثال حكم 55 سنة لكن الكلام عنه مكملش اصحاح، نفس الكلام على عزريا اللي ملك 52 سنة لكن الكلام عنه كان قليل جدًأ، مفيش غير حزقيا الملك تقريبًا هو اللي سفر الملوك اتكلم عنه بنوع من الاستفاضة زي يوشيا بجانب سُليمان، بس في حاجة كمان مُهمة، في نبوة موجودة في سفر الملوك عن ميلاد يوشيا قبل ما يتولد بـ300 سنة، بتُشير ليه بالاسم (1 مل 13: 2)، مفيش نبوة تانية في العهد القديم كله ولا حتى في العهد الجديد بتشير لشخص هيتولد بالاسم غير النبوة دي، دي احد الادلة القوية على ان الكتاب اتكتب تتويجًا ليوشيا الملك، مش بس كدا في حاجة كمان، زي ما قلت قبل كدا ان الكاتب بيقيّم الملوك بُناء على تمسكهم بالعهد (اللي هنفهم قدام انه العهد الموسوي في سفر التثنية وهنعرف تفاصيل اكتر عنه)، معظم الملوك كانوا اشرار، والملوك الكويسيين مكانوش على أفضل ما يكون، محدش فيهم كان مثالي، حتّى حزقيا سفر الملوك بيأرخ ان اشعياء النبي انتقده، وداود وسليمان كمان اخطأوا وخطاياهم مكتوبة، مفيش غير يوشيا الملك هو الوحيد اللي كان مثالي بشكل ملوش نظير بين ملوك يهوذا واسرائيل، بيقول عنه سفر الملوك (2 مل 23: 25):

“ولم يكُن قبله ملك مثله، لأنه أقبل إلى الرب بكل قلبه وكل نفسه وكل قدرته، بحسب كل شريعة موسى، ولا قام بعده مثله.”

ودي كانت نهاية سفر الملوك في اصداره الأول، النصوص اللي ظهرت بعد كدا كانت بعد السبي البابلي، وكان تبريرها ان خطايا الملك منسَّى كانت عظيمة جدًا وهي اللي كانت السبب في دمار مملكة يهوذا، تم تسمية الاصدار الأول بـ(Dtr1)، والثاني بـ(Dtr2)، ممكن نسميهم احنا الاصدار التثنوي الأول والثاني.

جزء من سلسلة: تكوين التوراة<< تكوين التوراة – الفصل الثامن: يوشيا الملك وانهيار مملكة يهوذا – مايكل لويستكوين التوراة – الفصل العاشر: التقليد التثنوي – الإصدار التثنوي الأول – مايكل لويس >>

موضوعات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *