b 1 e1740743551183

تكوين التوراة – الفصل السادس: التقليد الكهنوتي – صراع موسى وهارون – مايكل لويس

المقال رقم 6 من 12 في سلسلة تكوين التوراة

لما انهارت مملكة اسرائيل في الشمال على ايد المملكة الآشورية، قدر البعض يهرب لمملكة يهوذا في الجنوب وكان معاهم تقليدهم الخاص من التوراة، وهو التقليد الإيلوهيمي، فيما بعد لأغراض اجتماعية وسياسية في الوحدة تم دمج التقليد الإيلوهيمي والتقليد اليهوي في تقليد واحد تم تسميته JE.

في الوقت اللي انهارت فيه مملكة الشمال كان حزقيا الملك في بداية مُلكه في مملكة يهوذا في الجنوب، الفترة دي حصل فيها كذا حاجة مُهمة، بشكل ما مملكة يهوذا كانت مستقرة، حزقيا عمل ما يُمكن تسميته بالإصلاح الديني، واصبح المركز الديني الوحيد في عهد حزقيا هو معبد مدينة اورشليم.

الكهنة اللي كانوا بيخدموا في مملكة يهوذا وفي معبد اورشليم كانوا هما كهنة حبرون واللي بيُعتقد انهم جايين من نسل هارون، بس هنا في مشكلة، التقليد اللي اصبح موجود بين الناس عن الاباء – اللي احنا سميناه JE – كان بيقلل جدًا من قيمة هارون، قصة العجل الذهبي دي كانت كارثة، التقليد JE كان مليان قصص بتقلل من قيمة هارون والكهنوت الهاروني، فاللي حصل في الفترة دي انه تمت كتابة اكبر تقاليد التوراة واللي بتمثل تقريبًا 50% من النص التوراتي، التقليد دا بيشمل تقريبًا نصف سفر الخروج ونصف سفر العدد وسفر الاحبار (اللاويين) كله تقريبًا، التقليد دا هو التقليد الكهنوتي.

قصة العجل الذهبي مش هي القصة الوحيدة اللي بتقلل من هارون في JE، في قصص تانية زي قصة تشاور هارون ومريم (اخت موسى) على زوجة موسى وانتقاد الله ليهم ومعاقبة مريم بالبرص، تقليد JE بيقلل جدًا من دور هارون وبيجعله مجرد تابع لموسى، وعلى الجانب الاخر بيعظم من موسى جدًا، بكونه جد الفئة اللي كتبت التقليد الإيلوهيمي.

ايه بقى اللي بيحصل وبيكون رد فعل كهنة اورشليم اللي من نسل هارون؟

اللي بيحصل انهم بيكتبوا نص هما كمان يكون بديل ومناقض للنص اللي بيقلل من شأنهم، نص بيرفع من شأن هارون، وبيقلل من شأن موسى، في JE يهوَه بيكلم موسى، في التقليد الكهنوتي يهوَه بيكلم موسى وهارون، في JE المعجزات في مصر بتتم بعصاية موسى (خر 7: 15-17، 9: 23، 10: 13)، في التقليد الكهنوتي بتتم بعصاية هارون (خر 6: 10 لـ12، 7: 19، 8: 1-12-13)، في JE بيتم تقديم هارون باعتباره اخو موسى من نفس السبط (خر 4: 14)، لكن مش بالضرورة اخوه من نفس الاب والام، التقليد الكهنوتي بيقدم هارون على انه اخو موسى “البكر” (خر 7: 7) وبيقدم سلالة انساب هارون (خر 6: 20 لـ25).

كل من تقليد JE والتقليد الكهنوتي عندهم قصص عن الخلق والطوفان وذكر للاباء ابراهيم واسحق ويعقوب وصولًا لموسى وهارون، لكن مفيش ذبيحة بتتقدم في التقليد الكهنوتي قبل ذبيحة هارون (في سفر الخروج 40)، قبل كدا مفيش اي ذكر لذبائح اتقدمت في تقليد الكهنوتي، كل الذبائح اللي قدمها قايين وهابيل ونوح وابراهيم إلى اخره مش موجودة في التقليد الكهنوتي.

حاجة كمان بنلاحظها في التقليد الكهنوتي، وهي تجريد الالوهة من اي صفات قد تبدو انها انسانية، بيجرده من الـAnthropomorphism، في JE يهوَه بيتمشى في جنة عدن، بيصنع بنفسه ملابس آدم وحواء، بيصارع يعقوب وبيكلم موسى من العليقة المشتعلة، مفيش اي حاجة من دي في التقليد الكهنوتي. JE بيقدم بشكل ما إله مُتفاعل مع الانسان بشكل مستمر وواضح، التقليد الكهنوتي بيقدم إله عالي في السماء، مفيش في التقليد الكهنوتي ذكر للملائكة، مفيش ذكر لمعجزات حيوانات بتتكلم، مفيش رؤى، مفيش انبياء، كلمة نبي مش بتظهر في التقليد الكهنوتي غير مرة واحدة بس وبتبقى عن هارون. JE بيقدم إله شخصي بيسامح الانسان بشكل بسيط وطبيعي، التقليد الكنوتي بيقدم إله كوَني وعادل، اللي اخطأ لازم يقدم ذبيحة، والذبيحة لازم تتقدم بنظام وطقس مُعين، الإخلال بالطقس دا يُعتبر اهانة للالوهة واخلال بالنظام وليه عقاب، الاشخاص اللي بيقدموا الذبيحة لازم يكونوا كهنة مُكرسين للنوع دا من الخدمة مش اي حد والسلام، ومش اي كهنة كمان، لكن كهنة من نسل هارون، هارون وبس، باقي كهنة سبط لاوي يُعتبروا كهنة مُساعدين ليس إلا، كمية التفاصيل في سرد الانساب وشرح الطقوس اي حد قرأ التوراة هيقدر يلاحظها، خصوصًا في سفر زي الاحبار، اي حد قرأ التوراة هيلاحظ التغير المهول في اسلوب الكتابة بين سفر زي التكوين وبين سفر زي الاحبار، اي شخص بيتعرف على النظرية الوثائقية (DH) بيكون قادر بعد فترة مش طويلة انه يميز نصوص المصدر الكهنوتي بنفسه من التوراة وبدقة كويسة جدًا، الاسلوب الخاص بالتقليد الكهنوتي مميز جدًا عن بقية النصوص.

التقليد الكهنوتي ميقدرش يقلل من قيمة موسى لدرجة انه يجعل منه شخص خاطيء تمامًا، في النهاية موسى هو البطل اللي اتأسست على تقاليد قصصه ثقافة الشعب العبراني كله، لكن اللي بيعمله التقليد الكهنوتي انه بيحاول على الأقل انه يقلل من شأنه لمرتبة الانسان الطبيعي.

في JE في التقليد الإيلوهيمي في قصة عن تمرد شعب بني اسرائيل وبيظهر موسى باعتباره البطل اللي على ايده خرجت مياه للشعب من الصخرة، النص في التقليد الإيلوهيمي كالتالي (خر 17: 2 لـ7):

“فخاصم الشعب موسى وقال:”أعطونا ماء نشربه.” فقال لهم موسى:”لماذا تخاصمونني ولماذا تجربون يهوَه؟” وعطش هناك الشعب إلى الماء وتذمر على موسى وقال: “لماذا أصعدتنا من مصر؟ ألتقتلني أنا وبني ومواشي بالعطش؟” فصرخ موسى إلى يهوَه قائلا: “ماذا أصنع إلى هذا الشعب؟ قليلًا ويرجمني.” فقال يهوَه لموسى: “مُرّ أمام الشعب وخذ معك من شيوخ إسرائيل وعصاك التي ضربت بها النهر، خذها بيدك واذهب. ها أنا قائم أمامك هناك على الصخرة فتضرب الصخرة، فإنه يخرج منها ماء فيشرب الشعب.” ففعل موسى كذلك على مشهد شيوخ إسرائيل. وسمى ذلك المكان “مسة ومريبة” بسبب مخاصمة بني إسرائيل وتجربتهم ليهوَه قائلين:”هل يهوَه في وسطنا أم لا؟””

نفس النص دا بيتكرر تاني في التقليد الكهنوتي، ولكن ببعض التغيرات اللي بتظهر موسى مش كبطل، لكن كخاطي، وعقابًا ليه مش بيدخل هو وهارون ارض الميعاد، النص بيبين هارون كشخص بريء بيعاني من خطية موسى (عد 20: 2 لـ13):

“ولم يكن للجماعة ماء، فاجتمعوا على موسى وهارون. وخاصم الشعب موسى وقالوا:”يا ليت أرواحنا فاضت عندما فاضت أرواح إخوتنا أمام يهوَه! لماذا جئتما بجماعة يهوَه إلى هذه البرية لنموت ههنا وماشيتنا؟ ولماذا أصعدتمانا من مصر فجئتما بنا إلى هذا المكان المشؤوم، مكان لا زرع فيه ولا تين ولا كرمة ولا رمان ولا ماء للشرب؟” فأقبل موسى وهارون من أمام الجماعة إلى باب خيمة الموعد، فسقطا على وجهيهما، فتجلى لهما مجد يهوَه. وكلم يهوَه موسى قائلا: “خذ العصا واجمع الجماعة أنت وهارون أخوك، ومُرا الصخرة على عيونهم أن تعطي مياهها. وبعد أن تخرج لهم المياه من الصخرة، تسقي الجماعة وماشيتهم” فأخذ موسى العصا من أمام يهوَه، كما أمره، وجمع موسى وهارون الجماعة أمام الصخرة وقال لهم: “اسمعوا أيها المتمردون، أنخرج لكم من هذه الصخرة ماء؟” ورفع موسى يده وضرب الصخرة بعصاه مرتين، فخرج ماء كثير، فشرب منه الجماعة وماشيتهم. فقال يهوَه لموسى وهارون: “بما أنكما لم تؤمنا بي ولم تقدساني على عيون بني إسرائيل، لذلك لن تدخلا أنتما هذه الجماعة إلى الأرض التي أعطيتها إياها” هذا هو ماء مريبة الذي خاصم بنو إسرائيل يهوَه عليه، فأظهر فيه قداسته.”

في تقليد JE، يهوَه بيقول لموسى يضرب الصخرة، واللي بيحصل ان موسى فعلًا بيسمع الكلام وبيضرب الصخرة. بينما في التقليد الكهنوتي يهوَه بيقول لموسى وهارون انهم “يأمروا” الصخرة، لكن موسى مش بيسمع كلام يهوَه ويأمر الصخرة زي ما قاله لكنه بيضرب الصخرة مرتين، واللي بيُعتبر مخالفة لأمر يهوَه وعدم إيمان وتقديس ليه.

نص تاني برضو بيقلل من قيمة موسى هي قصة نزول موسى من على جبل سيناء بعد ما استلم الشريعة، بيوضح النص ان الناس كانت بتخاف تتكلم مع موسى لإن في شيء غريب في وشه بسبب وجوده على الجبل لفترة طويلة، فاللي بيحصل ان موسى بيضطر يغطي وشه بحجاب والناس بتكلمه، وكنتيجة بتكون الصورة اللي مطبوعة في ذهن الناس عن وجه موسى هو شكل الحجاب (خر 34: 29 لـ35)، النص المُترجم بيقول ان السبب هو ان وجه موسى كان مُشع بسبب مكوثه لفترة طويلة على الجبل مع يهوَه، لكن المعنى العبري في الحقيقة مش واضح أوي، ولفترة طويلة الناس فهمت النص على انه بيقول ان موسى لما نزل من على الجبل كان ليه قرون، ودا اللي خلى شكله غريب بالنسبة للناس وخلاهم يخافوا منه، والتصور دا بيظهر في بعض اللوحات والتماثيل، احد اشهر التماثيل اللي صورت موسى بالشكل دا هو تمثال موسى للفنان مايكلانجيلو. هو في الحقيقة ترجمة القرون ترجمة حرفية أوي للنص العبري وغالبًا غير دقيقة، لكن اللي بعض الدراسات الحديثة بتميل ليه هو ان المعنى العبري ببساطة بيقول ان وجه موسى تم تشويهه.

N

التقليد الكهنوتي اتكتب عشان يعلي من شأن كهنوت هارون، ويقلل من شأن موسى، اتكتب بشكل بديل ومضاد للتقليد JE، زمن كتابة النص بتتوافق مع الفترة اللي انتهت فيها مملكة اسرائيل في الشمال، في زمن الملك حزقيا اللي ابتدى يمركز مكان العبادة في اورشليم، المكان اللي بيخدم فيه الكهنة اللي بُيعتقد انهم من نسل هارون، واللي حزقيا عظم من شأنهم، واللي التقليد الكهنوتي اتكتب عشان يعلي من شأنهم ويديهم أولوية على الكهنة اللي بُيعتقد انهم من نسل موسى.

جزء من سلسلة: تكوين التوراة<< تكوين التوراة – الفصل الخامس: التقليد اليهوي والتقليد الإيلوهيمي – مايكل لويستكوين التوراة – الفصل السابع: التقليد الكهنوتي – الطوفان كمثال – مايكل لويس >>

موضوعات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *