11 e1740869198786

تكوين التوراة – الفصل الحادي عشر: التقليد التثنوي – الإصدار التثنوي الثاني – مايكل لويس

المقال رقم 11 من 12 في سلسلة تكوين التوراة

لما اتقتل يوشيا الملك وبعديه بفترة مش طويلة انهارت مملكة يهوذا اضطر احد الكتاب يعدل ما تم كتابته في التأريخ التثنوي عشان يسجل الاحداث اللي حصلت بعد كدا، وفي نفس الوقت حاول يعدل تأويل التأريخ التثنوي للاحداث لإن الاصدار الأول من التأريخ التثنوي تأويله متفائل جدًا ومتناقض مع الواقع والوضع اللي اصبح اليهود فيه بعد انهيار مملكة يهوذا.

بيبقى فيه معايير معينة عشان يتقال على نص بشكل عام انه اضافة، يعني مثلًا لو الصيغة النحوية للجملة مش مظبوطة أوي (لو جملة مثلًا بتتكلم عن حاجة مفردة وفجأة تقلب جمع او ما شابه)، او لو النص المشكوك فيه استعمل الفاظ او تعبيرات معينة متمش استعمالها غير في نصوص تانية مشكوك فيها برضو، او ان يتم كسر الموضوع فجأة، يبقى النص بيتكلم عن حاجة وفجأة ينط لموضوع تانية او يلتفت لنقطة ملهاش علاقة بالموضوع، بناء الجملة والبناء الادبي للنص، كل دي حاجات بتوضحلنا اذا كان النص المشكوك فيه أصلي ولا مُضاف، دي نفس الأدلة اللي تم استعمالها في الأول خالص عشان يتم تقييم النصوص اذا ما كانت تبع التقليد اليهوي ولا الإيلوهيمي ولا الكهنوتي، بس في حالة التمييز بين الاصدار التثنوي الأول (Dtr1) والثاني (Dtr2) الموضوع كان اصعب، لإن في الامثلة الأولى كل تقليد كان بيكتب نص خاص بيه، لما فصلنا بين قصة الطوفان في التقليدين اليهوَي والكهنوتي على سبيل المثال، كل قصة كانت واقفة لوحدها بشكل متناسق ومتماسك، لإن كل نص كان اتكتب لوحده اصلًا، لكن مش دا اللي حصل في التقليد التثنوي التاني، التقليد التثنوي التاني اخد التقليد التثنوي الأول وضاف كام جملة بين السطور بس وكام باراجراف في النهاية وخلاص، فصل الاصدارين عن بعض في الحالة دي هيكون اصعب لإن مفيش ثُنائيات زي ما كان فيه في حالة التقليد اليهوي والكهنوتي والإيلوهيمي، عشان يتقال على نص انه اضافة من الاصدار التثنوي التاني لازم المؤرخين يلاقوا كذا دليل من انواع الادلة اللي ذكرتها فوق كلهم بيشاوروا في نفس الاتجاه.

يعني على سبيل المثال لو لقينا نص بيتكلم عن سبي اليهود او تشتتهم في الارض، دا مش دليل كافي ان النص دا تمت اضافته في الاصدار التثنوي الثاني، لإن الخوف من السبي والتبدد في الأرض خوف طبيعي بالنسبة للشعب العبراني في الوقت دا، خصوصًا ان مملكة يهوذا واسرائيل تعتبر ممالك صغيرة بالنسبة للممالك القوية المُحاوطة ليها زي مصر واشور وبابل.

1111

وبالتالي الخوف من الشتات او التهديد بيه للشعب اذا متمسكوش بالشريعة، دا مش دليل لوحده على انه اضافة حصلت للنص بعد انهيار المملكة، لكن لو حصل وكان النص دا بيقطع السياق مثلًأ او بيحصل خلل نحوي في الجُملة يبقى دي كلها أدلة ان النص دا تمت اضافته في الاصدار التثنوي الثاني.

بعض النصوص اللي بالشكل دا هي النصوص التالية، كلها مكتوبة تقريبًا بنفس الطريقة ونفس التعبيرات: (تث 4: 26، 27 – يش 23: 16- تث 28: 36، 63، 64 – تث 30: 18- 1 مل 9: 7)، بالشكل دا اصبح الخوف من الشتات موضوع وفكر طبيعي موجود داخل التأريخ التثنوي، ومش بس كدا، الكاتب وضح ايه هو السبب اللي ممكن يحصل عشانه كدا، والسبب دا هو عبادة آلهة تانية غير يهوَه (تث 31: 16 لـ18):

“وقال يهوَه لموسى: إنك تضطجع مع آبائك، وإن هذا الشعب سيقوم ويزني وراء آلهة الأرض الغريبة التي هو داخل إلى وسطها، ويتركني وينقض عهدي الذي قطعته معه. فأغضب عليه ذلك اليوم، وأتركه وأحجب وجهي عنه، فيصير مأكلًا وتُصيبه شرور كثيرة وشدائد، فيقول في ذلك اليوم: أليس لأن إلهنا ليس في وسطي أصابتني هذه الشرور؟ وأنا أحجب وجهي في ذلك اليوم، بسبب كل الشر الذي صنعه، إذ تحوَّل إلى آلهة أُخرى.”

بعد كدا حاول الكاتب يلاقي شخص يرمي عليه اللوم بالشكل دا في تاريخ المملكة، والشخص دا كان الملك منسَّى، الملك اللي شروره كانت عظيمة جدًا حتّى ان صلاح الملك يوشيا مكانش كافي لتغطيتها (2 مل 23: 26، 27):

“ومع ذلك، لم ينثن يهوَه عن اضطرام غضبه الشديد الذي غَضبَه على يهوذا، بسبب كل ما أسخطه به منسَّى. وقال يهوَه: أُبعد يهوذا أيضًا عن وجهي، كما أبعدت إسرائيل، وأنبذ هذه المدينة، أورشليم التي اخترتها، والبيت الذي قلت فيه: يكون اسمي فيه.”

وفيما بعد أضاف تاريخ الأربع ملوك اللي جم بعد يوشيا الملك، وعلى نفس نهج الاصدار التثنوي الأول وضح ان كله واحد فيهم صنع الشر في عيني الرب.

لكن كدا ناقص حاجة، وهي العهد اللي بين يهوَه وداود، العهد دا كان عهد أبدي غير مشروط.

فاللي حصل ان الكاتب في الاصدار الثاني للتأريخ التثنوي لفت نظر الكاتب لعهد أقدم من العهد مع داود، وهو العهد مع موسى، والعهد دا كان عهد مشروط بالتزام الشعب بالشريعة، واللي عمله الكاتب انه اضاف فكرة السبي والشتات بين السطور باعتبارهم نتيجة هما كمان لعصيان الشعب وتركه للشريعة، في سفر الملوك في الاصدار التثنوي الأول بيظهر يهوَه لسليمان الملك ويتم التأكيد على عهد داود وان الهيكل هيفضل موجود للأبد (1 مل 9: 3):

“وقد قدست هذا البيت الذي بنيته لأجعل فيه اسمي للأبد، وستكون عيناي وقلبي هُناك كل الأيام.”

لكن في النصوص اللي بعد كدا (التابعة للمصدر التثنوي الثاني) بيرجع الكاتب ويحط صورة العهد اللي حصل مع موسى وشعب بني اسرائيل في البرية، وبيكون ان الشعب لو عبد آلهة تانية بتكون العقوبة هي الشتات وتدمير الهيكل.

الصورة دي خلّت العهد اللي حصل مع موسى هو عهد الشعب، الشعب لو اطاع الشريعة هتكون حالته كويسة، لكن لو منفذهاش هيتشتت، العهد اللي مع داود هو عهد لشخص داود ان دايمًا هيكون في ملك من نسله يجلس على العرش، لكن بوضع أولوية العهد مع موسى في الصورة فالعهد التاني بيكون ملوش معنى لو مفيش شعب يَحكمه الملك! بالصورة دي اصبح العهد مع داود معناه ان العرش هيكون دائمًا وابدًا “مُتاح” لإن حد من نسل داود يومًا ما هيجلس على العرش، والصورة دي كان ليها اثر كبير جدًا على تصورات اليهودية (والمسيحية) فيما بعد، ان من نسل داود هيجي ملك (مسيّا) يحكم الشعب بالعدل بحسب شريعة موسى.

اخر لعنة في فصل اللعنات في سفر تثنية الاشتراع من الاصدار الثاني هي عقوبة العودة لمصر، البلد اللي تم استعباد العبرانيين فيها بحسب تقليدهم (تث 28: 68):

“ويردك يهوَه إلى مصر في سُفنٍ، على الطريق التي قُلت لك فيها: لن تعود تراها ابدًا. وهُناك تبيعون أنفسكم لأعدائكم عبيدًا وإماءً، وليس من يشتري.”

وهو دا بظبط اللي حصل وقت انهيار مملكة يهوذا (2 مل 25: 26):

“فقام كل الشعب من الصغير إلى الكبير، وقُوَّاد الجيوش، وذهبوا إلى مصر، لأنهم خافوا من وجه الكلدانيين.”

بس مين اللي كتب الاصدار التثنوي الثاني؟

اولًا في ملحوظتين لازم ناخد بالنا منهم:

  • التشابه في اسلوب الكتابة بين الاصدارين قوي جدًا وتقريبًا مفيش اختلاف.
  • الفترة الزمنية بين الاصدار الأول والثاني هو 22 سنة بس.

ودا معناه ان ممكن جدًا يكون نفس الشخص اللي انتج الاصدار الأول هو اللي عمل الاصدار التاني، ودا ممكن يبرر ليه هو كمل عليه وعدل حاجات بسيطة بس لكن مكاتبش تاريخ كامل من أول وجديد من أول موسى لحد انهيار مملكة يهوذا، الاصدار التثنوي الثاني في النهاية مش بيشكل اكتر من 5% بس من التأريخ التثنوي، واضح كمان ان الشخص اللي كتبه كان عايش في مصر بعد انهيار المملكة بسبب النصوص المُقتبسة فوق، في الواقع في شخص مُهم بيُقال انه كان عايش في الفترة دي وبتنطبق عليه المواصفات اللي قلنا ان كاتب التقليد التثنوي بيفضلها، الشخص دا هو إرميا النبي، إرميا كان من كهنة شيلوه، إرميا كان بيحب يوشيا الملك وكتب مرثآة ليه لما مات (المرثآة اللي كتبها إرميا مفقودة، سفر المراثي المنسوب لإرميا مكتوب في زمن مُتأخر عن زمن إرميا)، إرميا مكنش بيحب الملوك اللي جم بعد يوشيا من نسله، إرميا كان ابن كاهن اسمه حلقيا (جايز هو نفسه حلقيا الكاهن اللي لقى سفر الشريعة في الهيكل؟)، سفر إرميا اسلوبه مشابه جدًا لنصوص كتير من التقليد التثنوي الأول والثاني، مش بس كدا، بل حتّى في التلمود تم نسب سفر الملوك لإرميا (جايز للتشابه الكبير في الاسلوب)، سفر إرميا مكتوب فيه نبؤاته بشكل شعري، ومكتوب فيه عن حياته وأعماله بشكل نثري، البعض بيرجح ان الشعر ألفه إرميا النبي، وان تلميذه باروك ابن نيريا (اللي راح معاه لمصر برضو) هو اللي كتب النثر، ودا مذكور في سفر إرميا نفسه ان باروك كان بيكتب الكلام اللي بيسمعه إرميا من يهوَه في سفر إرميا، وبالتالي بالشكل دا فمن الوارد جدًا ان يكون كاتب التقليد التثنوي وكُتب التأريخ التثنوي في اصداراتها الأولى والثانية هو نفسه إرميا أو تلميذه باروك ابن نيريا، او قد يكون تم كتابتهم بشكل مُشترك بينهم هما الاتنين بحيث ان باروك كتب التأريخ التثنوي وتأويله في ضوء تعاليم ورؤى مُعلمه إرميا.

دلوقتي احنا عرفنا مصدر وموقف كتابة كل تقليد، في الفترة اللي تم فيها كتابة التقليد التثنوي بيُصبح قصادنا 3 تقاليد:

  • التقليد اليهوي-إيلوهيمي JE
  • التقليد الكهنوتي P
  • التقليد التثنوي D

ازاي في النهاية كل تقليد من التقاليد دي، اللي كل واحد فيهم بيخبط في اللي قبله، تم ضمهم في النهاية في كتاب واحد بالشكل اللي في ايدينا دلوقتي؟ ليه تم ضمهم بالشكل دا وايه الظروف اللي أدت لكدا؟

جزء من سلسلة: تكوين التوراة<< تكوين التوراة – الفصل العاشر: التقليد التثنوي – الإصدار التثنوي الأول – مايكل لويستكوين التوراة – الفصل الثاني عشر: المُفارقة الكُبرى والمُحرر الأخير – مايكل لويس >>

موضوعات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *