2 e1738857346801

تكوين التوراة – الفصل الثاني: نشأة الحكم الملكي – مايكل لويس

في مُحاولة قراءة المصادر التاريخية اللي وصلتنا من اكتر من 2000 سنة، لازم نحط في اعتبارنا انها مكانتش بتكتب تاريخ بحت، لكن كانت عناصر السياسة واللاهوت جزء لا ينفصل عن التأريخ، الفصل اللي احنا بنعمله دلوقتي ما بين ما هو تاريخ وما هو سياسة وما هو لاهوت مكانش موجود في الوقت اللي اتكتبت فيه كتب العهد القديم، في الكتاب اللي انت بتقرا فيه تاريخ انت بتقرا في نفس الوقت اسطورة، في الوقت اللي انت بتقرا فيه سياسة انت بتقرا في نفس الوقت لاهوت.

بحسب النظرة العبرانية، بعد موت موسى ويشوع بدأ عصر تم تسميته بعصر القُضآة، الكتاب اللي بيتكلم عن العصر دا في العهد القديم هو كتاب بنفس الاسم (سفر القُضآة)، لكنه بيجي من زمن متأخر عن الفترة اللي هو المُفترض انه بيسجلها، اخر القُضآة كان نبي اسمه صموئيل، قصته مذكورة في كتاب في العهد القديم اسمه سفر صموئيل (بيتم تقسيمه حاليًا لسفرين، صموئيل الأول وصموئيل الثاني)، وبيكون في الفترة دي ان الشعب بيطلب ان يكون ليهم ملك زي بقية الأُمم بدلًا من القُضآة، فبيتم مسح أول ملك لاسرائيل وهو شاول.

الكتب اللي بتوصف الاحداث اللي بيبدأ فيها نشأة الحُكم الملكي هي اسفار صموئيل والملوك واخبار الايام (كل سفر منهم تم تقسميه فيما بعد لسفرين، أول وثاني).

بيُعتقد ان كاتب سفري صموئيل والملوك هو كاتب واحد (هرجع لمسألة الكاتب مرة تانية فيما بعد)، ولكن سفر الاخبار بيُعتقد انه اتكتب في فترة مُتأخرة عن الاحداث اللي هو بيوصفها، تقريبًا في القرن الرابع قبل الميلاد.

سفر الملوك بيقسمه النُقاد لطبقتين، طبقة بتنتهي عند يوشيا الملك، والطبقة التانية تم اضافتها على السفر فيما بعد واللي بتحتوي على نهاية سفر الملوك الثاني، الاجزاء الاخيرة اللي في الطبقة التانية بتوصف احداث بعد انتهاء حكم الملك يوشيا بحوالي 30 سنة او اقل، وبالتالي مش دايمًا بيتم افتراض ان الطبقة الثانية تم كتابتها من كاتب مُختلف عن كاتب الطبقة الأولى، لكن المهم ان الكتاب فيه طبقتين، الطبقة الأولى بنتهي عند حُكم يوشيا الملك، في اواخر القرن السابع قبل الميلاد.

دا معناه ان الكاتب عاش في فترة مُتأخرة عن زمن صموئيل وشاول، بل وكل من داود وسليمان برضو، لكن دي المصادر الوحيدة اللي في ايدينا اللي بتتكلم عن الفترة دي، مفيش ادلة اركيولوجية من خارج الكتاب المقدس بتيجي من ازمنة مُبكرة عن الفترة دي بتتكلم عن نفس الاحداث اللي مذكوة في الكتب دي، وبالتالي علينا اننا نتعامل مع الكتب دي بحذر واحنا بنقراها وبنحاول منها نعرف بداية نشأة الحُكم الملكي عند الشعب العبراني.

الصورة دي بتوضح تقسيم ارض بني اسرائيل بين الاسباط

3

في ملاحظة مهمة هتلاحظها، وهي ان ارض سبط يهوذا في الجنوب هي اكبرهم، ومساحتها لوحدها تكاد تكون مساوية لمساحة اراضي بقية اسباط بني اسرائيل في الشمال مُجتمعة، في ملاحظة كمان وهي ان سبط لاوي مكانش ليه ارض خاصة لإنهم بيكونوا عايشيين بين بقية الاسباط للخدمة الدينية (خدمة الكهنوت).

الكلام اللي جي مصدرنا الوحيد ليه هو الكتاب المقدس، منقدرش نتعامل معاه باعتباره تاريخ واحداث موثوق في تاريخيتها، لكن بنحكيها لان دا هيوضح حاجات في البوستات اللي بعد كدا لرؤية المجتمع اللي انتج تقليدين من التورآة، هما التقليد اليهوي  J، والتقليد الإيلوهيمي  E.

شاول كان هو أول ملوك اسرائيل، كان من سبط بنيامين ومسحه صموئيل النبي ملك لاسرائيل، بالرغم من ان عصر القُضآة كان انتهى، إلا ان دور رجال الدين (الكهنة والانبياء) كان مُستمر، حُكم الملك مكانش ليه أي معنى بدون دعم الكاهن، قوة الملك كانت بتبقى مُستمدة من دعم رؤساء الاسباط ورؤساء الكهنة والانبياء، الملك كان بيحتاج دعم رؤساء الاسباط لإن الجيش كان بيجي من كتائب الاسباط، منغير دعم رؤساء الاسباط ببساطة مفيش جيش، وكان بيحتاج دعم الكهنة والانبياء لإن الدين ببساطة مش بيتفصل عن اي شيء، ودا اللي كان السبب في تنصيب الملك داود من بعد شاول، شاول في النهاية اختلف مع صموئيل، النبي والكاهن اللي مسحه ملك، وكانت النهاية ان صموئيل مسح ملك اخر، المرة دي من سبط يهوذا، هو داود.

داود كان احد اعضاء حاشية شاول الملك، وكان متزوج من بنته، كنتيجة لما سبق، شاول شاف ان داود كان بيهدد مُلكه، وحاول يقتل كل الكهنة اللي أيدوا داود، وكان الكهنة اللي داود حصل على تأييدهم هم كهنة شيلوه (مدينة موجودة في ارض افرائيم، ممكن تشوفها في الخريطة السابقة)، فاللي حصل ان شاول قتل كل كهنة شيلوه ما عدا واحد بس هو اللي قدر يهرب، وهو أبياتار الكاهن، هرب لأرض يهوذا وقدر يوصل لداود.

شاول فضل ملك لحد موته في معركة ضد الفلسطينيين (1 صم 31)، وفيما بعد انقسمت المملكة بين داود، واللي كان بيحكم نصف المملكة الجنوبي (مملكة يهوذا)، وبين إشبعل ابن شاول وكان بيحكم نصف المملكة الشمالي (مملكة اسرائيل)، فيما بعد تم اغتيال إشبعل وهو نايم (2 صم 4)، وتم تنصيب داود ملك على كل شعب اسرائيل في مملكة واحدة عاصمتها أورشليم.

لازم يتم التأكيد مرة تانية، التاريخ اللي بنحكيه دلوقتي مش مكتوب غير في مصادر مُتأخرة عن الاحداث اللي بيوصفها بحوالي 300 او 400 سنة مُستقآة من مصدر واحد، وبالتالي احنا بنشوف وجهة نظر الشعب العبراني في تاريخه (او جايز في لاهوته او آماله او تطلُعاته؟) اكتر ما احنا بنشوف تاريخ او ماضي مُوثق فعلًا.

موضوعات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *