5 e1738858093485

تكوين التوراة -الفصل الثالث: مملكة داود وسُليمان – مايكل لويس

بعد ما اصبح داود ملك على كل الشعب العبراني، عمل عدة حاجات عشان مُلكه يكون مُستقر ومرغوب فيه من الجانبين الشمالي والجنوبي.

أولهم انه نقل العاصمة من حبرون (عاصمة يهوذا) إلى أورشليم (2 صم 5)، أورشليم مكانتش تابعة لأي سبط من اسباط بني اسرائيل، اللي حصل ان داود استولى عليها وجعلها العاصمة، وبالتالي بكونها غير تابعة لأي من الاسباط يبقى لما داود بيجعل منها العاصمة فهو مش بيهين ولا بيقلل من اي من اسباط بني اسرائيل ولا بيفضل سبط على التاني، اورشليم اصبحت هي العاصمة السياسية والدينية لمملكة داود، وتم وضع تابوت العهد اللي بيحتوي على لوحي الشريعة واللي بيُعتقد ان زمنهم بيرجع لموسى نفسه فيها، ودا قاد للخطوة التانية، وهي ان بكونها عاصمة دينية دا معناه انه هيحتاج يعين فيها رؤساء كهنة، داود اختار كاهن من الشمال وكاهن آخر من الجنوب عشان يكونوا رؤساء كهنة في اورشليم، برضو الفكرة في ان واحد من الشمال وواحد من الجنوب هي انه ميكونش بيفضل جانب على الآخر وانه يكون بيعمل توحيد بين الجانبين، الكاهن اللي من الشمال كان هو أبياتار احد كهنة شيلوه، والوحيد اللي قدر يهرب من رجال شاول لما حاولوا يقتلوا كل كهنة شيلوه بسبب تأييدهم لداود، اما الكاهن اللي من الجنوب فهو صادوق اللي جه من مدينة حبرون، واللي كان بيُعتقد ان كهنتها من نسل هارون الكاهن، في الواقع التوفيق اللي عمله داود في انه يجيب كاهن من الشمال وكاهن من الجنوب مش بس ممكن يتبصلوا باعتباره توفيق بين جانبين الشمال والجنوب، لكن ممكن يتشاف احيانًا بانه اعطى نوع من الاحترام لعائلتين مهمين جدًا من سبط لاوي، هما عائلة موسى وعائلة هارون.

داود كان ليه عدة زوجات من الامم (2 صم 3، 2 صم 5)، ودا كان بطبيعته بيحسن علاقاته بالامم والشعوب الاخرى، كمان جيش داود مبقاش معتمد على كتائب الاسباط، لكن الجيش ضم ناس من شعوب وامم تانية نتيجة لزواجه من الامم دي (2 صم 23)، بالشكل دا اصبح الجيش مستقل عن اعتماده على كتائب الاسباط، ومع الوقت ومع نجاح حكم داود قدر يضم لمملكته أراضي تانية زي ادوم وموآب واصبحت مملكة داود بتمتد من نهر مصر (وهو نهر العريش مش نهر النيل)، لحد نهر الفرات.

كنتيجة لتعدد زوجات داود انه بالطبع كان ليه ابناء وبنات كتير، كتير منهم كانوا اخوة غير اشقاء، بكونهم من نفس الاب لكن مش نفس الأم، اكبر ابناء داود كان اسمه أمنون واللي المفروض انه يكون الوريث الشرعي لحكم داود ابوه، لكن اللي حصل ان أمنون اغتصب اخته غير الشقيقة تامار، فاللي حصل ان اخوها الشقيق، أبشالوم، انتقم ليها بقتله لأمنون (2 صم 13)، فيما بعد ثار ابشالوم على حكم داود ابوه، وابشالوم كان معاه تأييد الاسباط، لكن داود كان معاه الجيش، حصلت حرب وفي النهاية الجيش هو اللي انتصر، وابشالوم اتقتل.

في نهاية حكم داود لما كان عجوز وعلى وشك الموت حصل ان اتنين من ابناؤه برضو اختلفوا على اعتلائهم للعرش، الاتنين دول هما أدونيا وسُليمان، أدونيا كان احد اكبر ابناء داود، لكن سُليمان كان ابن زوجة داود المُفضلة، أدونيا كان بيدعمه بعض الأُمراء ورؤساء الأسباط، وكان برضو بيدعمه أبياتار رئيس الكهنة اللي بيخدم في أورشليم واللي قد يكون من نسل موسى، أما سُليمان فكان بيدعمه النبي ناثان وأُمه بَتشابع واللي كان ليهم تأثير كبير على داود وبالتالي كان معاه برضو الجيش وكان بيأيده صادوق الكاهن اللي بيُعتقد انه من نسل هارون، كنتيجة اصبح سُليمان في النهاية هو الملك بدون حرب.

بعد موت داود واعتلاء سُليمان على العرش أمر بقتل اخوه غير الشقيق أدونيا، وتم نفي أبياتار الكاهن من الخدمة في أورشليم لمدينة اسمها عناتوت خارج العاصمة (1 مل 2) (مع ملاحظة ان في تقليد مُختلف بيظهر في “1 مل 3” بيوضح ان ابياتار كان لسة بيخدم في عهد سُليمان).

سُليمان زي داود ابوه بل واكتر منه اتجوز من الامم، اشهر حاجة بتنتسب لسُليمان هي بناء المعبد الأول في اورشليم اللي اتعرف فيما بعد باسم معبد سُليمان أو هيكل سُليمان، المعبد مكانش حجمه ضخم لإن في النهاية محدش بيدخله غير الكهنة، اللي كان بيجعله مميز بس هو مظهره، المعبد كان بينقسم لقسمين، القُدس وقُدس الأقداس، قُدس الأقداس شكله مُكعب كل اضلاعه متساوية، وتم وضع تابوت العهد فيه وجنب تابوت العهد كان فيه شيروبيم، الشيروبيم هي جمع لكلمة شيروب، واقرب تصور ليه هو انه كائن اسطوري شبيه بأبو الهول في مصر أو كاريبو او الثور المجنح في بلاد آشور وما بين النهرين  زي اللي في الصورة دي كدا

4

ف كان في شيروب من جنب التابوت من ناحية اليمين وواحد تاني من ناحية الشمال، اجنحتهم الاتنين مفرودة وبتغطي التابوت بيبقوا لامسين بعض، الشيروبيم، زيهم زي ابو الهول في مصر او الثور المجنح في بابل مكانوش آلهة، لكنهم كانوا بيتم وضعهم لحراسة المعابد او ما شابه، وفي حالة الشيروبيم فهما كانوا بيمثلوا عرش الله او حضوره في الهيكل في قدس الأقداس، لكنهم مش آلهة او اصنام.

حُكم سُليمان الملك كان قوي، لكنه كان بيميز بين الجانب الشمالي والجنوبي من المملكة، مقاطعة سبط يهوذا كان بيعاملها معاملة خاصة عن باقي مقاطعات اسباط بني اسرائيل، في كذا حاجة عملها سُليمان جعلت من الجانب الشمالي من المملكة يكوِّن نظرة سلبية تجاهه، لكن بالرغم من كدا بسبب قوة حكمه المملكة فضلت متماسكة لحد ما مات، هذكر من الحاجات دي حاجة واحدة بس وهي فرضه ضرائب على جميع مقاطعات اسباط بني اسرائيل ما عدا مقاطعة سبط يهوذا كانت بتتعامل بنوع مميز، النوع دا من الضرائب مكنش ضريبة مالية، لكنه كان ضريبة ممكن نقول بدنية، كل مقاطعة او سبط هيوفر نوع من الخدمة البدنية او العمل للملكة شهر في السنة، ما عدا سبط يهوذا مدخلتش في الحسبة دي، شعب بني اسرائيل سموا الوُكلاء اللي بينظموا العمل دا “وُكلاء تسخير” (1 مل 4)، دي النقطة اللي انا حابب اذكرها دلوقتي لانها هتبقى مهمة وهرجعلها تاني بعد كدا.

المملكة فضلت مُوحدة لحد موت سُليمان، بعد موت سُليمان اصبح ابنه رحبعام هو الملك، وراح لأرض شكيم (في مقاطعة أرض منسّى في الشمال) عشان يتم تتويجه، الناس سألته إذا كان هيستمر على نفس منهج أبوه ولا هيخفف عليهم الحمل اللي كان سُليمان السبب فيه، فجاوبهم انه هيستمر في نفس طريق ابوه، فثاروا عليه ورجموا مُوكل السُخرة بتاعه وتوجوا ملك تاني على اسرائيل من سبط افرائيم اسمه ياربعام، وهنا بحسب النظرة العبرانية للتاريخ اصبح عندنا مملكتين:

مملكة اسرائيل في الشمال، واللي بتضم اراضي اسباط: دان، نفتالي، اشير، زبولون، يساكر، منسّى، جاد، وافرائيم ورأوبين.

ومملكة يهوذا في الجنوب، واللي بتضم اراضي اسباط: يهوذا وبنيامين.

ملك مملكة يهوذا هو رحبعام، وعاصمتها أورشليم في اقصى شمال أرض يهوذا، وملك مملكة اسرائيل هو يربعام، وعاصمتها هي شكيم في شمال افرائيم وجنوب منسّى

3.

الوقت اللي المُفترض ان المملكة انشقت فيه هو اواخر القرن العاشر قبل الميلاد، تقريبًا سنة 933 قبل الميلاد، ومن هنا (او بعد كدا بشوية) بيبدأ يظهر تقاطعات ما بين الرواية الكتابية وما بين المصادر الخارجية من الاركيولوجي، في الواقع بعض المؤرخين بيعتقدوا ان دي كانت البداية الحقيقية للشعب العبراني، وان عمر ما كان فيه مملكة موحدة من الأساس، لكن القصة بدأت من الأول بمملكتين من الزمن دا يزيد أو ينقص، المهم، المملكتين فضلوا موجودين جنب بعض لمدة تقريبًا 200 سنة لحد سنة 722 قبل الميلاد لما انهارت مملكة الشمال (اسرائيل) امام المملكة الآشورية ومتبقاش ساعتها غير المملكة الجنوبية؛ مملكة يهوذا.

المصدرين اليهوي والإيلوهيمي غالبًا اتكتبوا في الفترة اللي ما بين انقسام المملكة لحد انهيار مملكة الشمال، بس لسة مش هنقدر نوضح دا على طول، لسة محتاجين مقال كمان عن إعادة بناء السياق، لإن زي ما قلنا ان الدين مكانش بينفصل عن السياسة، وبما ان احنا عندنا مملكة واحدة واتقسمت بحسب الفهم العبراني، فدا معناه ان بالرغم من ان الدين من المُفترض انه دين واحد في مملكتين الشمال والجنوب، إلا ان التصورات الدينية دي هتختلف بين المملكتين، والتصورات المُختلفة دي احنا هنحتاجها عشان نقدر نفهم التقليدين اليهوي والإيلوهيمي دول كانوا بيعبروا عن ايه بظبط.

موضوعات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *