الخبر في علم المعرفة – معايير وإشكاليات

John Edward

MA in Applied Linguistics and TESOL, Portsmouth University, United Kingdom. His current research areas are Critical Discourse Analysis, Gender Relations, Religious Literature, and Hermeneutics

مُقدِّمة:

بصّ يا سيدي، دلوقتي العالم القديم كله بيحكي حكاوي. كل الأخبار اللي نعرفها عن التاريخ جايه من حاجه من إتنين مالهومش تالت، إما (١) الآثار أو (٢) الأخبار. والأخبار —موضوعنا النهارده— هي معلومات بيحكيها واحد عن واحد عن واحد لحد ما واحد بيكتبها وبتوصل لحضرتك. السؤال العاجل والمؤكد هنا هو “إزاي نضمن صحّة نقل المعلومات اللي كانت بتتنقل شفاهة؟”. السؤال ده مبني عليه مبحث كلمل في علم المعرفه إسمه باب “الخَبَر” أو Testimony. وفي عركه كبيره حوالين طبيعة المعرفه وهل هي بتحصل بالحَدس بشكل لا يتخلله تفكير (يعني non-inferential) ولا بتحصل بناءاً على تفكير ومعايير محدده (يعني inferential). طبعاً من الجدير بالذكر إن الخناقه دي كلها في سيناريو أبسط بكتير من سيناريو الأخبار المتسلسله اللي بتمر بعدد كبير من المُخبرين. يعني مجال ال Epistemology of Testimony بشكل أساسي بيناقش موقف مباشر زي إنك بتكلم واحد ف قالك معلومه وإنت إما بتصدقها أو لأ. ف تخيل بقا لما نضرب الجدليه دي في ١٠ وأقولك إن الخبر اللي جالك مر بعشر أشخاص ومطلوب منك تصدقهم كلهم.

على سبيل المراجعه، خليني أفكرك إن المعرفه لازم يتحقق فيها ٣ شروط: إعتقاد صحيح مُبرر. يعني لازم اللي بيديك المعلومه يكون يعتقد في صحتها (مش بيكدب يعني) ولازم تكون المعلومه صحيحه (يعني في وسيله للتحقق منها) ولازم تكون إنت مُبرر في التصديق (يعني عندك دليل كافي). وبردو لازم أقولك إن كل واحد من الشروط التلاته دول يتخلله مشاكل ضخمه في تطبيقه، وفي ناس زي Edmond Gettier بيقولو إن ال ٣ شروط دول مش كافيين لتحقيق معرفه سليمه كمان (في مقال بعنوان Is Justified True Belief Knowledge؟).

المهم، في باحثه متخصصه في ال Epistemology of Testimony إسمها Miranda Fricker حددت ٣ شروط للمُخبِر/الرّاوي الجيِّد Good Informant، الكلام ده قالته في مقال إسمه Group Testimony? The Making of A Collective Good Informant. ال ٣ شروط دول هم:

(١) إن المُخبر يكون موجود في سياق يسمحله إنه يعرف المعلومه اللي بينقلها.(٢) تكون قنوات التّواصل معاه مفتوحه بحيث ميكونش بيتعمّد الكذب أو إخفاء المعلومات.(٣) يكون في المُخبر ده صِفات تسمح للمُتلقّي إنه يعرف تَحقُّق الشَّرطين (١) و (٢) في المُخبِر.

لحد هنا هاتقولي طب ما الشّروط دي كويسه وإتحققت كتير، أغلب الوقت اللي بينقل المعلومه بيكون متاح معلومات عنه وعن سياقه تسمح إننا نعرف إن كان قريب من الحدث ولا لأ وإن كان بيكذب ولا لأ. هاقولك آه، صحيح إن الأخبار (مش هاسميها معرفه) دي متاحه، بس خليني أديك مثال يوضحلك المشكله فين.

دلوقتي لو أنا عندي شخص إسمه “س”، والشخص ده نقل معلومه بس مش ليا بشكل مباشر، هو نقلها ل “ص”، و “ص” نقلها ل “ع”. يعني مثلاً، ده شبه نقل المعلومات في المسيحيه المبكره من يوحنا تلميذ المسيح ل بوليكاربوس ومن بوليكاربوس لإيرينيوس في القرن التاني الميلادي. بس أنا هاكمل في “س” و “ص” و “ع” عشان منضربش مثال يضايق حد. المهم، دلوقتي “س” اللي هو أول واحد نقل المعلومه ممكن نعرف عنه من “ص” إنه معاصر للي بيحكيه، وإنه في ظروف تخليه في وضع “إمكان المعرفه”، يعني في ظروف تخليه قادر على تحصيل المعلومه اللي بيحكيها، وإنه شخص طيب وإبن ناس وأمين، محدش يعرف عنه الكدب. المشكله هنا إن معلومة إن “س معاصر” جتلك من “ص”، وبالتّالي قبل ما تاخد شهادة “ص” ل “س” لازم تتأكد إن “ص” يتحقق في شروط ال Good Informant التلاته، وبعد كده تتحقق من وجود نفس الشروط في “ص” تاني بخصوص المعلومه التانيه وهي إنه قال إنه “س” مبيكدبش. يعني كل مره هاتستخدم معلومه عن “س” لازم تتأكد إن “ص” مؤهل لنقل المعلومه بنفس الشروط، وإلا ميبقاش عندك “إعتقاد حقيقي مُبرّر” وبالتّالي معندكش معرفه.

خلي بالك كل ده إحنا لسه بنقول يا هادي وبنشوف صلاحية “ص” في إنه يُخبر عن “س”، لسه مشوفناش صلاحية “ع” في إنه يُخبر عن “ص”، وهكذا. شايف هنا كم المعلومات اللي محتاج توافق على صحتها عشان تقول جمله ببساطة إن “س” اللي بينك وبينه شخصين “قال كذا”؟ تخيل لو كانو ١٠، طب لو كانو ٢٠؟ هل الطريقه دي في نقل المعلومات —بكل ما تنطوي عليه من مخاطر وتعقيدات ونقاط غير قابله للتحقق منها— تعتبر طريقه تؤدي إلى يقين؟ طب لو مش بتؤدي إلى يقين، مش إحنا نقدر نقول إن كل ما بيزيد عدد الأفراد اللي في النص بينك وبين “س” بتزيد إحتمالية الخطأ؟ يعني كل ما بيزيد عدد الناس بينك وبين “س” بيزيد عدد المعلومات اللي إنت محتاج تسلم بصحتها عشان تفترض إن المعلومه اللي قالها “س” وصلتلك صح بدون كدب أو تغيير (سواء مقصود أو غير مقصود) أو تفسير من اللي بينك وبين “س”.

يعني من الآخر، عشان تاخد “س” ك Goog Informant لازم تثبت إن “ص” اللي نقل عن “س” هو نفسه Good Informant في كل تفصيله نقلهالك بخصوص “س” الخبر اللي نقله “ص” عن “س”، وعشان تقول إن “ص” Good Informant لازم تتحقق إن “ع” اللي حكالك عن “ص” هو كمان Good Informant، وهكذا وهكذا وهكذا.

لو عرفت بقا تحِل المُعضله دي، يتبقالك سؤال كبير أوي. هو “س” اللي في الأول ده، نقدر إزاي نتأكد إنه مكدبش أو إلتبس عليه أمر ما أو نسب للحواس أمر هو نفسه سمع عنه مش شافه بنفسه؟ يعني مش معنى إنه مكدبش أو إلتبس عليه في ١٠ أخبار قدرنا نتحقق منهم (وده سيناريو متفائل أوي) إنه في المره ال ١١ بالضّروره مكدبش أو إلتبس عليه أو وافق الأمر ده مصلحه خاصّه عنده تخليه يخفي المعلومه أو يغير فيها. ودي نسخة ال Epistemology of Testimony من مشكلة الإستقراء أو ال Induction Problem.

خلاصة القول يعني، لو بتصدق الأخبار اللي منقوله بالطريقه دي ف لازم تكون فاهم إنك بتصدق لأنك عايز تصدق الأشخاص اللي في السلسله كلها، وعايز تصدق إن أوّل حلقه في السلسله نقلت صح وبحياد وبدون تفسير وعن مشاهده بالحواس، مش بتصدق لأن الدليل قوي وجامد ورهيب وأي حد هايسمعه هايسلملك بصحته، إنت بتصدق أفراد السلسله لأنهم موثوقين بالنسبالك، مش لأن عند دليل دماغ على صدق كل تفصله قالوها عن سابقيهم، ناهيك عن صحة تفاصيل المحتوى اللي بينقلوه نفسها. إنت بتصدق لأنك جوا الدايره اللي بتتبنى الخبَر، مش بتصدق لأنك وقفت وقفه مُحايده ودرست المعطيات. إبستمولوجيا إنت مبرر في التّصديق لأن الدليل حتى وإن كان غير كافي هو هايقنعك، لكن من حقّ أي حد يوقفك ويقولك إنك معندكش “معرفه” بما هي من true justified belief، عندك تبرير وعندك إعتقاد، بس متقدرش تثبت “الصحّه”.

مِثال لمُشكلة موثوقية الشاهِد:

في المُقدِّمه إتكلمنا في ال ٣ شروط اللي حطيتهم Miranda Fricker للتحقُّق من المُخبر الجيِّد Good Informant أو الشّخص اللي تقدر تاخد منه المعلومه الصحيحه بدرجه كبيره من الموثوقيّه. ال ٣ شروط كانو:

(١) إن المُخبر يكون موجود في سياق يسمحله إنه يعرف المعلومه اللي بينقلها.(٢) تكون قنوات التّواصل معاه مفتوحه بحيث ميكونش بيتعمّد الكذب أو إخفاء المعلومات.(٣) يكون في المُخبر ده صِفات تسمح للمُتلقّي إنه يعرف تَحقُّق الشَّرطين (١) و (٢) في المُخبِر.

دلوقتي هانتكلّم في مثال يساعدنا نفهم تعقيدات الموضوع. تخيّل إني نزلت منطقه معرفهاش عشان أشوف عربيه مُستعمله كنت تواصلت مع صاحبها أونلاين عشان أشتريها. بس سمعت إن الناس مش متعاونين أوي في مجال تجارة العربيات سواء بعدم إهتمامهم بتقديم التفاصيل كامله أو بتعمُّد تقديم معلومات غلط عشان اللي عايز يبيع يتمم البيعه. ف نزلت هناك ووصلت للمكان وقابلت الراجل وشوفت العربيه وخدت منه كل المعلومات اللي أنا محتاجها. بس قبل ما أمشي من المنطقه قررت أسأل عنه عشان أعرف رأيّ الناس فيه عشان أكوّن إنطباع عن مصداقيّته. وسألت أول محل قابلني في الشارع عن الراجل اللي هاشتري منه العربيّه، ف قالي إنه راجل كويس، “مشوفناش منه حاجه وحشه”.

تعالى نحلل الموقف ده عشان نشوف هل معرفياً أقدر أضمن تحقُّق ال ٣ شروط بتوع Fricker ولا لأ. أولاً أنا عندي هنا فردين بيقدمو الأخبار، الأول هو صاحب العربيّه والتاني الراجل اللي في المحل اللي أنا سألته عن صاحب العربيّه. صاحب العربيّه هو الهدف الأساسي اللي أنا محتاج أقيّم موثوقيّته، بس عشان أعمل كده إحتاجت شهادة الشخص التاني وبقيت محتاج أتحقق من موثوقيّته في شهادته للأول، لأن لو التاني كداب ف معنديش طريقه أتطمن بيها لصدق البائع.

لو أنا كنت بفهم في العربيات والميكانيكا، كنت هاروح أفحص العربيّه بنفسي وأخد قرار موضوعي تجاه الحاجه اللي هاشتريها بدون الحاجه للحكم على شخصية البائع نفسه. حتى لو هو وحش وكداب وواكل مال اليتيم ميفرقش معايا في البيعه لو كانت الحاجه اللي بشتريها كويسه وسليمه ومناسبه لمتطلباتي والمبلغ اللي هادفعه. يعني من الآخر، لو عندك القدره على التحقق من المعلومه بحواسك ف مش هاتحتاج تدخل في دوامة الموثوقيّه أو ال reliability بتاعت ناقل الخبر.

طب بما إني معنديش معرفه تخليني أفحص العربيّه، وأنا معرفش ناقل الخبر شخصيّاً عشان أقيّمه من ناحية موثوقيّته وأطبق عليه الشروط بتاعت Fricker، خصوصاً إن عنده دافع ممكن يضرب النقطه التانيه والتالته، وهي إنه عنده دافع للكدب وإنه يخفي عني معلومات عشان البيعه تتم، حتى لو كانت تحقق فيه النقطه الأولى وهي إنه في موضع يسمحله “يعرف” المعلومه اللي هاينقلها عن العربيّه. طب دلوقتي أنا مش عارف أحقق ال ٣ شروط مع بعض فيه، وبالتّالي روحت لشهادة شخص آخر عنه عشان يديني موثوقيّه في “شخص البائع” وبناءاً على الموثوقيّه في شخصه أقدر أرجّح إن المعلومه اللي هاينقلهالي صحيحه أو لأ.

طب هنا أنا عندي مشكله تانيه، إن اللي بينقل المعلومه اللي بناءاً عليها هاكوّن تصوُّر عن البائع هو نفسه لازم يكون Good Informant، يعني لازم أطبق عليه ال ٣ شروط هو كمان. هو فعلاً جار الراجل اللي بسأل عنه، وكونه جاره يعني ممكن يكون في موقف يخليه يعرف عنه ويقدر يُخبر عن صفاته، بس في نفس الوقت كونه جاره ده ممكن يكون دافع لمُجاملته. وفي مُشكله كمان إنه مش معنى إنه مشافش منه حاجه وحشه إن البائع ده في سياق كونه بائع وصاحب مصلحه من بيع العربيّه مش هايكدب أو يخادع.

خليني أديك مثال، في مقال بعنوان Reliability as a Virtue ل Robert Audi بيقول إن “حتى الشخص الموثوق بشكل عام مش بالضّروره موثوق في كل إختصاص، ومفيش شخص موثوق بالكامل هايتظاهر بإنه موثوق في كل الإختصاصات” (ص٤٤). الفكره هنا إن ممكن يكون في شخص reliable ك “جار” لكن ده مش معناه إنه بالضّروره reliable كتاجِر أو كبائِع. نفس الكلام ينطبق من زاوية تانيه، الجار اللي أنا باخد رأيه في اللي هايبيعلي العربيّه ممكن يكون قادر على تقييم ال reliability بتاعت جاره في حدود تعاملهم كجيران لكن مش هايقدر يقيّمه كبائع لأنه متعاملش معاه في ال domain ده.

تخيّل بقا إنك بدل ما بتشتري عربيّه بتاخد إعتقاد. الشّخص اللي بيديك الإعتقاد ده هو في ذاته مصدر المعلومه، يعني إنت معندكش الأدوات الحسيّه اللي تخليك تراجع وراه، إنت لا شوفت ولا سمعت بنفسك، وكمان لما روحت تدور عنه لقيت ناس بتتكلم عنه وهي تتبعه في الإعتقاد، وبالتّالي هو نفسه مصدر ليهم في الإعتقاد. هنا الموضوع إتعقد جداً لإن الشخص مبقاش مجرد ناقل، ولكن بقا هو نفسه مصدر، لو سقط ممكن تسقط المعلومه نفسها، ولأن اللي بيشهد للنّاقل عايز يحافظ على المعلومه ف من الوارد إن تقييمه للناقل يتأثر بإنحيازه للمعلومه (هنا في circular thinking أو دَور لأنك بتصدق المعلومه من فلان بس بتصدق فلان عشان قال المعلومه)، وبالتّالي يختَل تماماً دور مبحث الثقه في المعرفه. يعني عشان أنا مصدق المعلومه اللي بينقلها فلان مش هاقدر أنقلك طعن عن فلان وإلا أبقا بضرب في معلومه أنا نفسي مصدقها، وفي الحاله دي إنت كمتلقي مش هاتقدر تحقق فيا الشرطين ٢ و ٣ من شروط Fricker وبالتّالي تنتفي المعرفه في الطريقه دي في نقل المعلومات.

التَّسويغ وحَجم الدَّليل:

في سؤال كبير في مبحث المعرفه مُرتبط بنوعية الدليل اللي تصلُح كتسويغ للمعرفه. يعني إمتا تقدر تعتبر نفسك مُبرر في المعرفه اللي تعتقدها. في نوعين من التسويغ أو التَبرير، في تسويغ خارجي وتسويغ داخلي، أو external justification و internal justification، الأول مقصود بيه إن العوامل اللي بيتم فحصها في الخَبَر بتكون خارجه عن الشخص اللي بيعتقِد في الخَبَر (تسويغ المُصدَّق Justification of the Belief)، أما التاني ف مقصود بيه عوامل داخِل ال agent نفسه أو داخل الفرد نفسه (تسويغ المُصدِّق Justification of the Believer).

مُجرَّد كون شخص مُعتقِد في شئ ده مش معناه إنه مُبرَّر في تصديقه، لازم يكون عنده رابط مع الواقِع يخليه يتحقق من صِدق الخَبَر. يعني مثلاً لو إنت صحيت بليل وكنت عطشان وإعتقدت إن جنبك إزازة ميه ده مش معناه إن في جنبك إزازة ميه فعلاً ولا معناه إنك هاتتخلص من العطَش. عشان إعتقادك يكون سليم لازم يكون عندك وسيله تتحقَّق بيها من وجود إزازة الميه وبالتّالي تقدَر تشرب منها وتحِل المُشكله اللي هي العطش.

التسويغ أو الدَّليل اللي إنت محتاجه على معرفه ما لازم يتناسب مع العواقِب. يعني مثلاً لو أنا وإنت أصحاب ولينا صاحب تالت إسمه X، وجيت إنت قولتلي إنك من يومين تلاته قابلت X في إسكندريه مش هايكون عندي سبب يخليني مصدقكش لأن مفيش عواقب مترتبه على الموضوع. لكن لو الموضوع مثلاً فيه تحقيق في جريمة قتل متهم فيها X وإنت روحت المحكمه وقولت إنك شوفت X في إسكندريه وقت الجريمه العواقب أكبر بكتير وبالتّالي في عوامل تانيه لازم أفحصها قبل ما أحكُم بقبول شهادتك بخصوص المعلومه اللي بتقدمها. وبالتّالي في مُعالجة سؤال التسويغ مينفعش نلتجيء لأمثله فيها تبسيط مُخِل يديك صوره غيره صحيحه عن التعقيدات اللي في الموضوع.

بعض الأمثله اللي بيقولها Stephen Hetherington للأسباب اللي بتخلينا نُخطيء في الحُكم على الأمور هي كالتّالي:

(1) إساءة إستخدام أو تفسير الدّليل. مثلاً في واحد من الأمثله اللي بيقولها Edmond Gettier في مقاله بعنوان Is Justified True Belief Knowledge بيقول إن أوقات الشخص بيستنتج حاجه من الدّليل بس الدّليل ميكونش بيقولها بشكل حصري. زي مثلاً إنك تستنتج إن فلان عنده عربيه فورد لأنك شوفته سايق عربيه فورد. هنا إنت بتستنتج الملكيه من الحيازه، وده مش ضروري. مش شرط إن معايا شيء إنه ملكي بشكل قانوني.

(2) مشكله تانيه بتواجه التسويغ هي مشكلة عدم موثوقية الحواس. في حاجات كتير تخليك تظُن إن حواسك بتديك معرفه بشيء في حين إن المعرفه دي مش صحيحه. زي مثلاً طول النظر وقصر النظر والهلاوس والسراب والتوهُّم.

(3) وكمان ممكن نضيف للي فات مُشكلة الذاكره. إنت ممكن تتحصَّل على معرفه بالحواس وتكون معرفه صحيحه، بس لما تيجي تستحضر المعرفه دي تستحضرها بشكل خاطئ بسبب أخطاء الذاكره. ممكن تشوف كتاب إسمه Seven Sins of Memory وهايشرحلك بالتفصيل مُشكلات كتير بتواجهك وإنت بتحاول تفتكر شيء. وبالتّالي تحصُّلك على معرفه صحيحه لا يضمن تحصُّلك على ذاكره صحيحه تنقل المعرفه الصحيحه، يعني ممكن تعرف بشكل صحيح وتستحضر بشكل خاطئ ف يكون العِلم الحاصل عندك خاطئ إجمالاً. والمُشكله إنك مبتعرفش إن ده حصل أساساً.

(4) المعرفه بتتأثّر بالمشاعر، ف إدراكك لشيء مُرتبط بشعورك تجاه الشيء ده، وكل ما بتقرب من الشيء شعورياً إنحيازاتك بتزيد وبالتّالي أحكامك بتضطرب.

(5) محدودية الذكاء البشري، ودي مقصود بيها محدودية قدرات العقل البشري على إستنباط المجهول من المعلوم.

(6) بعد كده عندك حواجز اللغه والتواصُل. مش معنى إنك تعرف شيء إنك تقدَر تُدركه بشكل كامل، ومش معنى إنك أدركته إنك تقدر تعبَّر عنه للآخرين زي ما انت نفسك تُدركه. دي شبه حاجه إتكلم عنها Jean Francois Lyotard تحت مُسمى Differend أو نقطة النزاع اللي بيكون فيها طرفين أو تلاته أو أكتر مبيقدروش يفهمو الآخر بيقول إيه بسبب إن مفيش أرضيّه موضوعيّه مُشتركه يتواصل بيها الأطراف مع بعض، وبالتّالي بتتعدَّد الحقائق بحسب منظور وموقع ولغة كل طرف منهم.

(7) النقطه الأخيره هي الإنحيازات والإعتقادات اللي عند الشخص اللي مُمكن تأثر على حُكمه على القضايا التانيه، أو بتتسمى الpsychological status of epistemic agents. الإنحيازات دي بيشبهها Francis Bacon بإنها أوثان يتبناها العقل وعندها القدره على تعطيل المعرفه العلميه.

* في booklet لذيذ جداً نزلته جامعه في نيجيريا بيدي مقدمه لطيفه لموضوع ال Epistemology ممكن تبدأ بيه قبل ما تدخل على كتب Robert Audi والناس دي وتتشعّب في كل قضيه من القضايا الثانويه.

الشّهاده كإعتقاد خاطيء مُبرَّر – أكبر مشكله في المعرفه بناءاً على الشهاده:

بص يا سيدي .. زي ما قولنا كذا مره، تعريف المعرفه هي “إعتقاد صادق مُبرّر”، يعني “أن تعرف x” = “أن تُصدِّق x” + “أن يكون x صَحيحاً” + “أن يكون لك من الأسباب ما يكفي للإعتقاد في x”. التعريف ده عام. ف مثلاً لما بتشوف شجره ف إنت تعتقد إنك شايف الشجره ومصدق ده، لكن لو مش متأكد إن كنت صاحي ولا بتحلم ف دي متعتبرش معرفه. ولما بتشوف الشجره وبتقدر تتحقق من وجودها بحواسك بتتيقن إن إعتقادك صحيح لأنك تُسلِّم بصحة وجودة حواسك، لكن لو عندك إضطراب عقلي مش هاتقدر تتحقق من صحّة إعتقادك. وبناءاً على الدليل الحِسّي perceptual ف إنت عندك أسباب تسوِّغ إعتقادك ده، لكن لو واحد شايف الحواس مش وسيله مقبوله لتسويغ الموجودات هايشوف إن إعتقادك مش مُبرر.

كل ده وإحنا بنتكلم عن أكثر طرق المعرفه مبُاشرة وهي الحواس. لما تنقل النقاش للشهادات testimonies بيكون في مشكله في لل ٣ محاور بتوع المعرفه. بيكون في مُشكله في “الإعتقاد” وفي “صحة الإعتقاد” وفي “تبرير الإعتقاد”. هاشرحلك دول بالتفصيل لأن يهمني تفهم إنت بتراهن على إيه لما بتبني نتايج كبيره على شهادات الأفراد.

رؤيتك للشجره تعتبر firsthand experience، يعني إنت بتواجه الظاهره بنفسك وبتعاينها بنفسك وحواسك بتُخبرك بصدقها. لكن إعتمادك على الشهاده مش مبني على قدرتك على التحقق من الظواهر. يعني لو أنا قولتلك إن في حادثه بعد ٣ شوارع قدامك حل من إتنين، إما إنك تنزل بنفسك تشوف الحادثه، وبالتّالي بتستبدل الشهاده بالحِسّ، وساعتها لما إنت نفسك تحكي الحدث هاتحكيه بإعتبارك شاهد عيان عليه ومش هاتحتاج شهادتي في حاجه. والحل التّاني إنك تاخد شهادتي كموضع ثقه وتصدق بناءاً على شهادتي وهنا معرفتك بالحدث تعتبر second-hand knowledge صحّتها من عدمها على “إعتقادي الصادق المُبرر”، يعني عِبء التحقق من المعرفه بقا مرمي عليا أنا وصحّة أعتقادك إنت مرهونه بصحّة حكمي أنا على الأمور. ف لو أنا خالف مبدأ الإعتقاد وكدبت إنت هاتصدق لأنك أحالت القضيّه لحكمي. ولو أنا حكمت بالصدق على شيء خاطيء إنت بالضّروره هاتاخد بحكمي الخاطيء لأن معندكش مصدر تاني. ولو أنا إكتفيت بدليل غير كافي للتصديق ف إنت بالضّروره هاتبني على عدم كفاية أدلتي معرفه وهاتكون غير مبرره بس إنت متعرفش إنها غير مبرره لأنك هاتفترض إني عاقل ومتمكن بشكل كافي من المعرفه ومش هاقبل ولا هانشُر شيء بدون دليل كافي على صحّته.

اللي فات ده بيعرض مشكله في المعرفه المبنيه على الشهادات وهي إن لو معندكش وسيله خارجيّه تتحقق بيها من إدعائي ف إنت مُعرّض لقبول “إعتقاد خاطيء مُبرر” يعني إنت هاتعتقد في صحّة كلامي، وهاتكون مُبرر في تصديقي لأنك بتثق فيا، بس إعتقادك خاطيء لأي سبب سابق ذكره سواء سوء حكمي على الأمر ده نتيجة خلل في الحواس أو الهلوسه أو نقص المعلومه أو ضيق المنظور أو الإنحياز … إلخ.

كام خبر بتاخده كمُسلَّم به بدليل شهادة فَرد؟ طب تخيٍل لو معرفتك مش مبنيه على شهادة شخص، تخيل لو إتنين، كل واحد منهم بيدخل إختبار “الإعتقاد الصادق المُبرر” بشكل منفصل، وكل واحد منهم لو أخطأ في بند من التلاته هاينتج عنه “إعتقاد خاطيء مُبرر” وانت مش هاتعرف. طب تخيّل لو الخَبَر اللي بتصدقه مبني على نقل ١٠ أفراد! مُتخيّل خطورة الموضوع؟ كل ما المترتب على الشهاده بيزيد كل ما بيكون في إحتماليّه ودوافع أكبر للخطأ في الشهاده، سواء عن قصد أو عن عمد.

هاتقولي طيب ماحنا بنحاول نطور منهجيات تفحص صحّة الخبر. هاقولك حقيقي، بس المشكله اللي محدش بياخد باله منها إن تطوير أدوات لقياس صدق الخَبَر بتخلي آليات تزوير الخَبَر تكون أكثر تعقيداً وصعوبه هي كمان. يعني لو بنتكلّم عن تأثير تطوُّر التكنولوجيا على صكّ العُمله مثلاً، ممكن تقول إن تطوُّر التكنولوجيا خلّى صكّ العمله إحترافي أكتر وصعّب التزوير، بس في نفس الوقت جودة التزوير زادت، وبقت القدره على تمييز المزور من الحقيقي أكثر تعقيداً إلا لو عندك تكنولوجيا تحِل الإشكال، لكن بالعين أوقات كتير متقدرش تميِّز التزوير. طب لو الوضع بقا في سياق مفيهوش القدره على إستخدام آله لفحص المُدّعى، يعني لو بنفحص شهادات عن حدث من ٥٠٠ سنه، مفيش طريقه آليه أو حاسوبيّه تقدر تقولك الشهاده صحيحه أو خاطئه، ولو اللي بينقل المعلومه عارف منهجيّة كشف تزوير الخبر هو نفسه هايكون قادر على تزوير الخبر بطريقه تتجاوز أدوات كشف التزوير، وبالتّالي كونه صاحب أدوات بيخليه مُختلق بارع لو أستخدمت أدواته هاتنطلي عليك كدبته. وعليه، كل ما زاد البحث في كشف الحقيقه كل ما زادت حرفة مزوري الحقيقه، وهي دي المُشكله الكبرى في دراسة الشهادات التاريخية.

Similar Posts

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *