المفسر النابه النابغ الواعد (متجدد)

الفقرة الأولى (١)
نَص (أ): المُتهم كان لابس ابيض.

نَص (ب): المُتهم كان لابس اسود.

مُفسر نابِه نابِغ واعِد: المصدرين رجوله وكفاءه وكلام الإتنين صح لإن المتهم كان لابس رمادي، والرمادي هو ابيض + اسود، وبالتالي كل كاتب منهم اتكلم عن جانب من الظاهره.
الفقرة الثانية (٢)
نَص (أ): ذهب عادل إلى الحديقة.

نَص (ب): عاد كامل من المدرسة.

مُفسر نابِه نابِغ واعِد: نقدر نستنتج من كده إن عادل وهو رايح الحديقه قابل كامل وهو راجع من المدرسه، ولأن الإستنتاج لا يتعارض مع نَص (أ) ونَص (ب) إذاً الإستنتاج صحيح، لو عايز تنفي صحة الإستنتاج إثبت انت إنهم متقابلوش.
الفقرة الثالثة (٣)
نَص (أ): فلان ضرب علان.
نَص (ب): ضرب علان فلان.

نَص (ج): ضرب فلان علان.

مُفسر نابِه نابِغ واعِد رقم ١:

نَص (أ) مجازي لإن معرفتنا التاريخيه بفلان وعلان بتقول إنهم أصحاب وقرايب وبالتالي الضرب هنا ممكن يكون مقصود بيه “ضرب له موعد” أو “ضرب له نصيباً من شئ”.

مُفسر نابِه نابِغ واعِد رقم ٢:
نَص (ب) و نَص (ج) غير واضحين لإن لغوياً ممكن الفاعل أو المفعول يتبع الفِعل ضرب، وبما إن النص مفيهوش تشكيل ف إحنا منعرفش مين ضرب مين، وبالتالي هانستثني النصوص لغموضها وإحتماليتها، هانلجأ للنصّ (أ) بحسب تفسير مُفسر نابِه نابِغ واعِد رقم ١ اللي قال إن الضرب هنا مجازي وبالتالي مفيش مشكله بين فلان وعلان من الأساس.
الفقرة الرابعة (٤)

بديهيات بيتغاضى عنها المُفسِّر عشان يمارس رياضة “الحنجله التّفسيريّه” – الحلقه الأولى: التناقض الداخلي في أدوات العطف والإستعاره

لما بتقول شربت شاي وقهوه لازم تكون واعي لمعلومتين على الأقل بتقولهم الجمله دي، أولاً وجود شئ مُشترك بين الشاي والقهوه وهو إن الإتنين بيتشربو، وثانياً إن الشاي مش هو القهوه وإلا بقت العباره مكرره والعطف بلا معنى. وبالتالي فالعطف زي ما هو دلاله للتشابه فهو في نفس الوقت دلاله للتمايُز والإختلاف. أوقات كتير بييجي المُفسر النابه النابغ الواعد عند جمله فيها عطف ويروح يستدل بالعطف على إن المعطوف والمعطوف عليه ليهم نفس الدلاله، دي بيبقا مجرد حركه أكروباتيّه كل الغرض منها إنه يقتل معنى ما داخل النص ويصدّرلك معنى معين عشان يضبُط معنى النص على قناعات جاهزه عند قُراءُه. لما تشوف أداة عطف تحسس مُسدسك وإتفرج على لعبة الأكروبات المُحتمله اللي ممكن تحصل.

نفس ال paradox الداخلي ده موجود في الإستعارات والتشبيهات وخصوصاً ال metaphors. بحسب بول ريكور وفيتجنشتاين، ال metaphor هي إنك تشوف شئ في ضوء شئ آخر، أو بالإنجليزي seeing x as y. في حين إن الكاتب عايز القارئ يشوف x بإعتبارها y هو في نفس الوقت بيقوله إن x مش هي y، وإلا مبقاش في إستعاره أصلاً. والتالي -زي العطف بالظبط- لما تقرا لغه أدبيه -أو لما تستخدم اللغه بشكل عام لو هاتتفق مع إدعاء داريدا إن مفيش لغه حرفيّه أساساً- لازم تكون واعي لل paradox الكامن في اللغه. تشبيه شئ بشئ أول مقدماته هو إن الحاجتين دول مش واحد، وإلا بقت كل إستعاره مضمونها إن x هي x ودي بالرغم من كونها عباره صحيحه منطقياً وضروره عقليه كمان، إلا إنها مبتقولش أي شئ عن طبيعة x ومش بتضيف معلومه عن كيفية فهم أو التنظير لماهية x. فلما تقول “الرمل كجمر نار” انت بتبين سخونة الرمل لكن مينفعش القارئ يفهم إن ماهية الرمل إنه جمر نار، وإلا يبقا ضعيف اللغه.

أوقات كتير من مصلحة المُفسّر النابه إنه يخلق إلتباس عند القارئ، يدخله في دوّامه من تعقيدات اللغه عشان يطلع المُفسِّر بإستنتاج شخصي ميعرفش القارئ يميّز بينه وبين الموضوعيّه المنهجيه. عشان كده المفسِّر لا يُعبِّر عن النصّ ولكن يعبر عن رأيه تجاه النصّ. لسبب ما إتخذ المُفسِّر مكانه مهوله في الشرق الأوسط، غالباً بسبب الإحتكام إليه دينياً، ولكن في الغرب وفي دوامة صراع التفسيرات والتأويلات حصلت حاجتين مُختلفتين. أولاً صراع التأويلات دخل حيز النقد الأكاديمي، ف بقت الكتابات توجه للمتخصص الناقد اللي صعب إستغفاله كعقل جمعي. النقطه التانيه إن تم تقويض أدوار المؤسسات اللي كانت بتنتج قراءات كلاسيكيّه بيرددها المُفسِّرين، وبالتّالي إتفتح مجال النقد الأدبي على مصراعيه وتعاطى مع كل أنواع الأيديولوجيا وكل النقد الموجه لكل أنواع الآيديولوجيا. يعني من الآخر تحوّل التفسير لمنهجيّه علميّه -كعلم من العلوم الإنسانيّه- بتحاول تتحرّك ناحية الموضوعيه النسبيه من خلال تعدد أنواع وآليات البحث الكمي والكيفي وبإستخدام ال corpora وال software. ولكن يظل مواطن الشرق الأوسط فريسه سهله لسوق الأدب اللي لسه لحد النهارده لم تقتحمه الحداثه. ليسود النابه النابغ الواعد على الوعي الجمعي ويُمارس الأكروبات بحريه في كل المجالات اللي بتلعب فيها اللغه دور مهم، بما فيها الإعلام والفنون والأدب … إلخ إلخ.

 
الفقرة الخامسة (٥)

في ليله من ليالي الشتا كان المُفسر النابه قاعد بيفسَّر نَصّ بيقول إن الملك راح يشوف أحوال الرعيه في مدُن الشَّمَال وقعد سنه في القصر بتاعه اللي هناك. المُشكله في النص كانت إن المُفسِّر النابِه عارف تاريخ المنطقه وعارف إن الملك مبناش قصر في الشمال أصلاً، بس كان محتاج يلاقيلها تصريفه عشان ميقدرش يقول للناس إن النّصّ اللي هم عارفينه كويس وبيعتبروه نَص محوري في دراسة تاريخ بلدهم فيه غلطات تاريخيه كبيره زي كده تدُل على إن باقي المُحتوى وارد يكون في أخطاء. بعد ما إستنفذ المُفسِّر النابِه كُل ألاعيبه ومُحاولاته في توفيق النَّص مع الدليل الأثري والتَّاريخ قرر يستعين بخبرة المُفسِّر النَّابِغ.

ف راحله تاني يوم وقابله وسأله عن رأيه في النَّص، ف المُفسِّر النابِغ قاله “لو معرفتش تفسَّر النَّص غيَّر السياق بتاع النَّص بحيث تقدر تلاقيله تَخريجه”، ف سأله النابِه إن كان عنده إقتراح ف النابِغ قاله “لما تحتار رمِّزها”. قول مثلاً إن القصر ده مش قصر حقيقي، ده مجاز، وإن الزياره للشمال مش مقصود بيها حركه من الجنوب للشمال فعلاً ولكن مقصود بيها إن الملك كان مسيطر على البلد من جنوبها لشمالها، والسنه مش مقصود بيه مده زمنيه ولكن رمز لفتره زمنيه كامله، يعني نقدر نقول إن النص مقصود بيه إن الملك سيطر على مملكته لزمن كامل وكان مسيطر على كل الأبعاد الجغرافيه للدوله.

الفكره عجبت النابه وراح إستخدمها في تفسيره. بس طلعله بني آدم تقيل الدم وسأله ف مره وقاله إن كان النصوص التانيه مفيهاش دليل على المجاز، إشمعنا إختارت تفسَّر النص دي مجازياً وتفسَّر اللي حواليه -اللي قبله واللي بعده- حرفياً؟ السؤال كان رخم فعلاً، لإن كده النابه لقا نفسه قدام الناس بينقِّي التفسير على مزاجه، وده حطه في موقف مُحرج أكتر. ف رجع تاني للنابغ يسأله، وقاله زي ما ورطتني شوفلي صرفه عشان شكلي بقا وحش أوي. ف قاله والله يابني مفيش حلول تانيه في دماغي، ووصفله مكان المفسِّر الواعد، وقاله روحله إسأله شوف يمكن يكون عنده حل.

ف ضرب مشوار وراح للواعِد وشرحله القصه من الأول. ف الواعد قاله قدامك حلٍِّين، يا إمَّا تعوِّمها يا إمّا تدعمها، قاله يا عم أنا جايلك عايز تفسير متدينيش فوازير وأنا أفسرها عشان مش ناقصك. ف قاله هابسطهالك، يا إما تدي تفسير تاني مختلف خالص وتسيب اللي قدامك عايم في بحر الإحتمالات على أمل إن واحد منهم صح وخلاص، يا إما تكمل ال bluff وتديله حاجه تدعم التفسير الأولاني وتصلح المشكله اللي فيه. ف قاله الأولى مفهومه، أفضل أديله إحتمالات كلها بلا ترجيح وهو يفضل يلف فيهم ويختار اللي يقنعه أكتر وأهو كده كده كلهم مجرد إقتراحات بلا دليل، ف لما ينتقد واحد يروح للتاني وخليه يلف ورا نفسه. طب التاني ممكن نعمله إزاي؟

قاله بص، في الحل التاني إنت كده كده ربطت نفسك بالمجاز، طب إيه رأيك لو طلعت دليل يأكد إن النص ده أكيد مجاز؟ قاله “حلو، نعملها إزاي؟”. قاله “بص، إنت هاتقول للقارئ اللي إنت أساساً مش عايزه يسمعه. وقبل ما هو يقولك إن النصّ فيه غلطه إنت هاتقوله إن فيه مشكله. هاتقوله التاريخ والآثار بيقول مفيش قصر هناك أصلاً.” ف قاله النابه “لا يا راجل!”، قاله “أصبر بس. إنت هاتقوله مفيش قصر أصلاً، وبما إن النصّ ده مهم جداً وحلو جداً وأساسي جداً لتاريخ بلدنا ف هو بالتأكيد مش غلطان، وبما إنه بالتأكيد مش غلطان -وهو القارئ نفسه ميقدرش يقول كده عشان ده هايخليه غريب ومرفوض وسط سكان البلد- ف أكيد الحل الوحيد إن النص مجازي فعلاً، وبالتالي إحنا نروح للمجاز لما نعطَل في الحَرف، ولكن نكون عايزين نوصَّل القارئ للمجاز ممكن نستغل ضغط المُجتمع عليه وضغط رغبته في الإنتماء لباقي المواطنين بإننا نجبره يقبَل مجازية نصّ على إنه يقبَل وجود إشكال مالوش حل في النَّص وبالتالي هايقبل بالحل الأقل ضرراً وهايتبنَّى المَجَاز. إيه رأيك، حلوه؟”.

الفقرة السادسة (٦)

في واحده من القرى اللي جنب المدينه اللي عايش فيها المفسر النابه واحد فلاح كان بيحفر ولقا صندوق مدفون، فتحه ولقا فيه عملتين دهب ووصيه بتاعت واحد بيحتضر وورقه مكتوب فيها رساله لإبنه بيقوله فيها إنه سابله عملتين دهب عشان يساعدوه على تكاليف الحياه وإنه بيدعو لإبنه بالصحه والرزق.

الفلاح كان عارف إن اللي بيلاقي حاجه قديمه ويسلمها في قصر الحاكم في المدينه بياخد مكافئه ماليه كل ما كانت الحاجه اللي لقاها أقدم. ف قرر إنه يخبي العملتين الدهب وضربهم في جيبه، وقال عشان يكسب أكتر هايروح يسلم الصندوق والوصيه ورسالة الراجل اللي كتبها وهو بيموت لإبنه يمكن ياخد على كل ورقه منهم مكافئه كويسه. بس وهو في الطريق على باب المدينه خاف لإن لو حد قرا الرساله اللي مكتوب فيها موضوع العملتين الدهب هايعرفو إنه سرقهم ويسجنوه. ف وهو رايح عدا على المُفسِّر النابه وقاله يشوفله صرفه للموضوع ده.

المُفسر النابه كان راجل بيحب الفلوس، ف طلب من الفلاح عمله من الإتنين اللي لقاهم في مقابل إنه يحلله المشكله وقاله إنه كده كده هايعوض قيمتها من المكافئه اللي هاياخدها لما يسلِّم الوصيه والرساله. وفعلاً الفلاح إضطر يديله عمله منهم لإنه خاف لو رفض يروح التاني يبلغ عنه. وبعدها سأله هاتحلها إزاي؟ ف النابه قاله سهله، بعد ما الرساله قالت عن العملتين الدهب قالت إن الأب طلب لإبنه الصحه والرزق، إحنا بقا هانقول إن العملتين الدهب دول هم الدعوه بالصحه والرزق، وبكده يبقا الإتنين نفس الشئ ويبقا المقصود بالعملات الدهب دعوات الأب اللي هاتساعد الإبن على صعوبة الحياه. الفلاح عجبته الفكره، وراح قافل الصندوق زي ما كان وراح بيه قصر الحاكم عشان يسلِّمه هناك.

في القصر لما قرو الرساله أول حاجه جت في بالهم إن العملات الدهب عملات بجد، أصل المعنى واضح يعني. ف سألو الفلاح ف قال إنه لقا الصندوق مقفول كده زي ما هو. ولأنهم شكو في الفلاح وإنه ممكن يكون بيكدب راحو يجيبو متخصص، مين المتخصص؟ المفسر النابه طبعاً. إستدعوه وقالوله ييجي يقرا المكتوب ويشرحه. ف قالهم نفس اللي إقترحه على الفلاح وحاول يقنعهم إن العملات الدهب مش عملات بجد وإن مقصود بيها دعوات الأب لإبنه.

لما القاضي مقتنعش ومكانش شايف مبرر لتفسير النص كده قرر المُفسر النابه يلعب اللعبه اللي عمرها ما بتفشل. يوسَّع دايرة النقاش والتفسير، وقعد يفكر بسرعه بسرعه في أي نص يربطه برسالة الأب عشان يقدر يثبت إن الرساله متقصدش عملات دهب بجد، ف راح جاب قصه جت فيها العملات كرمز للبركه، وراح جاب بيتين شعر كان فيهم الدهب رمز للجوده والوفره، وقال للقاضي إن مدام الإحتمالات دي ممكنه في اللغه يبقا مفيش ما يمنع إن رسالة الأب تكون تقصد كده، ويمكن كمان الأب كان يعرف النصوص دي وبيستخدم نفس اللغه بتاعتها. القاضي قدام الحُجَّه دي معرفش يرد، لإنه ميعرفش أي حاجه من النصبايه اللي حصلت من الفلاح والمٌفسِّر النابه، وقرر القاضي يكافئ الفلاح ودفع أجرة المُفسِّر وكل واحد فيهم رجع بيته بعمله دهب، بس مش مجاز.

Similar Posts